بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الأربعاء، 16 يونيو 2010

أدب الرعب عبر التاريخ

مخيلة يكتبها الأديب ويرسمها الفنان
أدب الرعب ضيف مقيم في بيوت القراء

استقطب أدب الرعب منذ تسعة قرون اهتمام شريحة واسعة من القراء، نظراً لأن شعور الخوف من المجهول لدى الإنسان أزلي. وينقسم هذا الجنس الأدبي إلى عدة أنواع منها، الخيال القاتم: وهو نوع من الرعب النفسي، والرعب التاريخي: الذي يستمد مواضيعه من التاريخ حيث تجري أحداث القصص في الماضي أو في أحداث واقعية مرتبطة بالماضي، والرعب النفسي: حيث تولد العقد النفسية التي يعاني منها الأبطال الرعب.

ما هي جذور هذا الأدب وإلى أي عهد تعود شخصياته الشهيرة مثل مصاص الدماء وفرانكشتاين والمستذئب؟ ماذا عن الرواية القوطية وأدب الرعب الأشبه بالكوابيس؟ ما هو المسار الذي اتخذه هذا الأدب من القلعة النائية المسكونة إلى جحيم دانتي، ومنه إلى مخيمات الطلبة ومراكز التسوق؟ من هم الكتاب الذين صورت مخيلتهم هذا العالم المسكون بالفزع والأشباح والغموض، والذين قدموا على مدى ثمانية قرون روائع الأعمال التي لاتزال معاصرة ؟


نعود في البداية إلى التاريخ لتقصي جذور هذا الأدب الذي استلهم منه الكتاب مواضيع أعمالهم، ابتداء من عهد الظلمات في القرنين الثالث عشر والرابع عشر والأهوال التي سادت تلك المرحلة، وأبرزها محاكم التفتيش التي كانت تطارد المتمردين وتحرق السحرة المتهمين وهم أحياء أمام العامة، والملهاة الإلهية لدانتي أليغييري (1265 ؟ 1321) التي تعتبر من روائع الأدب الإيطالي والعالمي، والتي يصف فيها الشاعر ظاهريا رحلته إلى الجحيم والفردوس، لكنه في العمق يتحدث عن ملحمة رحلة الروح باتجاه خالقها، ليعيش القارئ في رحلة دانتي إلى الجحيم، حالة من الرعب والفزع لما يواجه الشاعر من أهوال وفظائع بشرية.


جذور أدب الرعب


في القرن الخامس عشر، برزت قصة فلاديسلاف باساراب حاكم والاشيا وهي مقاطعة في ترانسلفانيا برومانيا، الذي أخذ عن أبيه لقب (دراكولا) أي ابن التنين، لكنه اكتسب لنفسه لقب (المخوزق) لتفضيله هذه الطريقة في تنفيذ حكم الإعدام، وقد سبقته شهرته كسفاح وحشي حيث قيل أنه قتل من البشر ما يتجاوز 40 ألف إنسان.


ومن نفس القرن، لوحات الفنان الهولندي هيرونيموس بوش (1450 ؟ 1516) الذي رسم فيها كوابيس استلهمها من جحيم الآخرة واشهرها (حديقة متع الدنيا)، وكذلك الطبعة الأولى من رسمة (رقصة الموت) للفنان الفرنسي غويو مارشانت (1483 ـ 1505)، والنص الأدبي (مطرقة الساحرات) الذي كتبه المحققون الألمان الثلاثة هنريك إينستيتوريس وهنري كرامر وجاكوب سبرينغر. ويلخص كتابهم الذي وزع على كافة بلدان أوروبا أسس أفكار السحر الذي انتشر، والذي كان القاعدة التي انطلقت منها محاكم التفتيش في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث عذب وقتل آلاف البشر.


أما مرجع الكتاّب في القرن السادس عشر، فتمثل بكل من الأعمال الفنية للألماني هانس هولبين الأصغر (1498 ؟ 1543) الذي صور في رسوماته المطبوعة عذابات الموت، إلى جانب المسرحيات التراجيدية التي عمت مسارح بريطانيا منها مسرحية (التراجيديا الاسبانية) لتوماس كيدس (1558 ؟ 1594) ويتناول فيها موضوع الانتقام، وهي مسرحية ضمن مسرحية، حيث يتم السعي لوقف قاتل وشبح عاد للإنتقام بعد مقتله خلال الحرب بين البرتغال واسبانيا. وقد استلهم كبار الأدباء العديد من موضوعات أعمالهم من تلك المسرحية مثل وليام شكسبير وكريستوفر مارلو.


ومن ألمانيا الأسطورة التي جمعت بين السيرة الذاتية وأدب الخيال لجوهانس فوستوس، الساحر والخيميائي الذي بلغ حد الجنون وباع روحه للشيطان لقاء اكتساب المعرفة، والتي استلهم منها الأديب الألماني يوهان غوته (1749 ـ 1832)، مسرحيته (فاوست) التي اعتبرت من روائع الأدب الألماني.


بالانتقال إلى القرن السابع عشر، نجد الملحمة الشعرية (الفردوس المفقود) للشاعر البريطاني جون ميلتون (1608 ـ 1674) والتي يتحدث فيها عن هبوط الإنسان من الفردوس إلى الأرض، ويصف فيها الصراع مع غريمة الشيطان، إلى جانب الأهوال التي مارستها محاكم التفتيش ضد المتهمين بالهرطقة وأشهرها محاكم سالم وماساشوستس.


من بلاد الضباب والغموض


ازدهر أدب الرعب في القرن الثامن عشر في بريطانيا تحديدا على يد الكاتب البريطاني هوراس والبول (1717 ـ 1797) من خلال روايته «قلعة أوترانتو» التي نشرت عام 1746 والتي وصفت بأنها الرواية الأولى التي جمعت بين الرومانسية والرعب. وكانت قصص الرعب حينها، تحكي عن الأشباح والوحوش كما في أساطير كل بلد، منها مصاص الدماء الذي تعود قصصة إلى تاريخ حضارة بلاد الرافدين.


وعليه فقد استلهم كتاب القرن الثامن عشر أعمالهم، من الأساطير والسحرة ومصاصي الدماء والمستذئبين وقوى الشر. ومن الكتاب الكلاسيكيين الذين برعوا في هذا الأدب كل من، البريطانيين ويليام توماس بيكفورد (1760 ـ 1844) بروايته «ألغاز أدولفو»، وآن رادكليف (1764 ـ 1823) بروايتها (الإيطالي)، وماثيو لويس (1775 ـ 1818) بروايته (الراهب) التي كتبها قبل بلوغه العشرين عاما، وتدور أحداثها في اسبانيا. وبطلها الراهب أمبراسيو الذي يتمتع بالسكينة والاحترام، حتى دخلت الدير امرأة تنكرت كراهب، وسعت هذه المرأة إلى إغوائه.


وبعدما استسلم لها، بدأ انحداره خاصة مع استخدام تلك المرأة للسحر الذي جعله يغوي فتاة بريئة ويقتلها. والمرأة في هذه الرواية ترمز إلى الشيطان الذي خطط لسقوط الراهب منذ البداية، وكان لويس الذي كتب الرواية خلال 10 أسابع، قد أضاف بعض الأحداث الجانبية لزيادة عنصر التشويق والإيحاء عند القاريء.


استمر أدب الرعب القوطي الذي يجمع بين الرومانسية والرعب في القرن التاسع عشر، ويحكى أنه في عام 1816 اجتمع خلال الفترة من 15 إلى 17 يوليو، كل من اللورد بايرون وبيرسي شيللي وماري شيلي والدكتور جون بوليدوري في فيلا على بحيرة جنيف، وكتب كل واحد منهم قصة رعب. ويذكر أن هذا اللقاء التاريخي قد حول إلى فيلم سينمائي عدة مرات، وأشهرها فيلم «القوطي» للمخرج البريطاني كين راسل. من هذا اللقاء ظهر فرع أدبي جديد تمحور حول مصاصي الدماء وتلاه ظهور أدب الخيال العلمي الذي ازدهر في بريطانيا أيضا.


ومن أبرز الأعمال الأدبية في تلك المرحلة، كل من رواية (فرنكشتاين) عام 1818 للبريطانية ماري شيلي (1797 ـ 1851)، ومجموعة قصص الأميركي إدغار آلن بو (1809 ـ 1849)، ورواية (دكتور جيكل ومستر هايد) 1886 للسكوتلندي روبرت لويس ستيفنسون (1850 ـ 1894)، ورواية (صورة دوريان غراي) للأديب الإيرلندي أوسكار وايلد (1854 ؟ 1900)، ورواية (دراكولا) للإيرلندي برام ستكر (1847 ـ 1912)، إلى جانب رواية (جاك السفاح) عام 1888 وكاتبها مجهول، ورواية (تعاسة الفضيلة) للفرنسي مركيز دي ساد (1740 ـ 1814). أما في فرنسا فشهد المسرح عام 1890أول ظهور لهذا الأدب، واشتهر في مسارح مونمارتر خاصة.


وفي أميركا، برز كل من الروائي واشنطن إرفينغ (1783 ـ 1859) الذي اشتهر بروايته «أسطورة وادي هولو الهادئ» التي نشرها عام 1849، وأمبروس بيرس (1842 ـ 1914) الصحفي وكاتب القصة القصيرة ذو الشعبية الواسعة، الذي يعد من الكتاب الذين بدأوا بتناول مواضيع أعمالهم من الزمن المعاصر بدلا من التاريخ، وأشهر أعماله مجموعته القصصية التي تحمل عنوان (هل لهذا الشيء من وجود؟)، وقد استمد مواضيع قصصه من الحرب الأميركية الأهلية.


ومن قصصة (السباق غير المنتهي) التي استلهم موضوعها المعاصر لزمنه من أسطورة الاختفاء الغامض لجيمس وارسون في 3 سبتمبر عام 1873. وطبقا للأسطورة فإن جيمس وراسون صانع الأحذية الذي يعيش في وورويكشاير، يقبل وهو تحت تأثير الخمر برهان مفاده الجري مسافة تسعة أميال دون توقف من بلدته إلى كوفنتري. بدأ بالجري بمرافقة المجموعة التي شهدت الرهان والذين تبعوه بعربتهم. خلال السباق يتعثر وارسون ويقع وهو يطلق صرخة مريعة، لكنه لدهشة الجميع يختفي قبل ملامسة جسده للأرض. ويذكر أن الكاتب بيرس نفسه اختفى بظروف غامضة في أكتوبر عام 1913.


بين لوفكراف وكينغ


في بدايات القرن العشرين اشتهر الروائي البريطاني جوزيف كونراد البولندي الأصل (1857 ـ 1924)، بروايته القصيرة (قلب الظلمات) التي نشرت عام 1902، التي تحكي عن الانجليزي مارلو الذي يكلف بمهمة خارجية من قبل شركة تجارة بلجيكية، وتمثلت مهمته بصفته كابتن لعبارة نقل في أفريقيا، بنقل العاج على طول نهر الكونغو، غير أنه يتلقى أمرا طارئا بإعادة تاجر العاج كورتز ذو الشخصية الغامضة إلى المدينة بصورة سرية والذي يموت على ظهر مركبه.


من الكتاب البارزين في هذه المرحلة أيضا، البريطاني مونتاغ رودس جيمس (1890 ـ 1937) الذي احتل مكانة مرموقة في عالم الأدب واشتهر بقصصه عن الأشباح، والأميركي هوارد فيليبس لوفكرافت (1890ـ 1937) الذي وصف بأيقونة الرعب الخالدة، فقد تميز بمواضيع قصصة الغرائبية التي تجمع بين تصعيد الأحداث والمنطق في حكايات الرعب التقليدية، ولاحقا الخيال العلمي.


وذكر لوفكرافت مرتبط ببطل قصته (المدينة التي لا اسم لها)، الشاعر اليمني المجنون عبدالله الحظرد الذي يقابل على الشاطيء الكائنات القديمة التي كانت من الزواحف والتي بنت مدينتها قبل وجود البشرية، ومنهم يتعلم قراءة كتاب النيكرونوميكون الذي يساعده على الاتصال بعوالم أخرى. وقد أثرت مدرسة لوفكرافت على الكثيرين وعلى رأسهم الكاتب ستيفين كينغ، الذي قال عنه لوكرافت أنه (أعظم من كتب عن الرعب في القرن العشرين).


وقد ازدهر هذا الأدب عام 1929 مع حالة الركود الاقتصادي، حيث استقطب المذياع اهتمام الجميع خاصة قصص الرعب التي كانت تأخذهم بعيداً عن واقع همومهم ومشاكلهم، وهكذا تحولت القصص والروايات إلى مسلسلات إذاعية شيقة، لتتبنى السينما بعد ذلك روائع ما كتب في أدب الرعب وتحولها إلى أفلام ساهمت في إحياء وخلود هذا الفن.


في الخمسينات، أدهش الكاتب البريطاني ويليام غولدينغ (1911- 1993) القراء والنقاد بروايته (أمير الذباب) 1954، التي تتمحور حول وحشية الإنسان الكاسرة إن لم تشذبه الظروف المحيطة. المؤلم في العمل أن أبطال الرواية، مجرد مجموعة من تلاميذ مدرسة داخلية من صغار السن، حيث يجدون أنفسهم على جزيرة بعد تحطم الطائرة التي كانت تقلهم، وفي ظل غياب المدنية يتوحش بعض الأطفال بطريقة تثير رعب القراء وفزعهم.


وتألق في النصف الأخير من القرن العشرين، اسم الكاتب الأميركي ستيفن كينغ (1947) الذي طور هذا الجنس الأدبي في السبعينات وحتى التسعينات، وقصصه المتميزة بذكاء فريد، أقنعت وشدت شريحة واسعة من القراء، وحاز نتيجة ذلك على جائزة مؤسسة الولايات المتحدة للكتاب الوطني عام 2003.


في ظل كينغ، برز مجموعة من الكتاب أيضا منهم، الكاتب الأميركي دين كونتز (1945) الذي ترجمت أعماله إلى 38 لغة ويباع من كتبه في العام الواحد ما يزيد عن 17 مليون نسخة، والكاتب البريطاني رامزي كامبل (1946) الذي برع في القصص القصيرة والرواية على حد سواء ونال العديد من الجوائز في أدب الرعب، ومن أشهر رواياته «تكشيرة الظلام».


أدب دراكولا


اعتبر دراكولا أو مصاص الدماء، أو الكونت دراكولا ملهما للكتاب في كل زمان ومكان، ويصل عدد الكتب الأكثر مبيعا في هذا الإطار إلى ما يزيد عن 18 كتابا من ضمنها رواية «دراكولا» الأولى لبرام ستوكر، إلى «مقابلة مع دراكولا» لآن رايس، ورواية «فلاد دراكولا: الأمير التنين» لمايكل أوغستين، و«مجمع سالم» لستيفن كينغ.


هوية أدب الرعب


احتل أدب الرعب مكانته في عالم الأدب، وأسست العديد من المجلات والمطبوعات الدورية التي تعنى بهذا الأدب، وخصصت العديد من الجوائز المرموقة منها، (جائزة برام ستوكر) التي تأسست عام 1987 وتمنح سنويا لتسع فئات في أدب الواقع والخيال من الرواية والقصيدة إلى مسيرة الإنجاز، وجائزة جمعية «انترناشيونال هورور غيلد» التي تقدم سنويا في إطار مسيرة الانجاز فتأسست عام 1995، وجائزة «جمعية كتاب الرعب الاستراليين» السنوية التي تأسست عام 2005


آخر المطاف


يُجمع نقاد أدب الرعب المعاصرين أن أدب الرعب فقد هويته في القرن العشرين، وتحول من إشاعة أجواء الخوف والتوتر خلال الأحداث التي يواجهها أبطال أي عمل، إلى الاعتماد على المشاهد العنيفة من قتل وإراقة دماء وتنكيل بالجثث وغير ذلك. وقد عزز هذا التحول كل من الناشرين والفن السابع. أما الكتاّب الذين حافظو على هوية هذا الأدب فأعمالهم لا تتربع على قائمة الكتب الأكثر مبيعا.


رشا المالح



هناك تعليق واحد: