بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الأحد، 4 يوليو 2010

مقابلة مع الكاتبة السورية مهاة فرح الخوري




2009-07-05 00:11:36 UAE

مهاة الخوري: أديباتت الحاضر بلا رصيد


مهاة فرح الخوري مسيرة حياة غنية حافلة بالعطاء الفكري والأمومي والأدبي. وهي من الكتاب القلائل الذين قدموا وأضافوا للحياة بدل الأخذ منها. ومن الشخصيات العصامية التي علمت وثقفت نفسها بنفسها، وتجاوزت بمعرفتها ولغتها العربية والفرنسية ودراساتها الفردية، أكاديميين من حملة الشهادات العليا.

وهي من الأفراد الذين حولوا مصاعب الحياة وأزماتها إلى تحديات دفعتهم إلى المزيد من التقدم والعطاء. ومن النساء الذين خذلهم الزمن ولم يرحمهم، إذ اختطف الموت شريك حياتهن في ربيع العمر، ليحملن بمفردهم أعباء تربية وإعالة ثلاثة أبناء في زمن لم يألف بعد خروج المرأة إلى العمل.


مسيرة الكاتبة مهاة تاريخ حافل بالأحداث والقضايا والتفاعلات بالتوازي بين الخاص والعام. فكما بكت وفاة زوجها وصديق عمرها، بكت عندما زار أنور السادات رئيس مصر السابق الأرض المحتلة واستقبله المغتصبون عام 1977. وكما عاشت شعائر الحداد على فقيدها في الستينات، جددت الشعائر ورفضت الاحتفال بالأعياد وأبناء بيت لحم الأبرياء تراق دماؤهم هدرا. وكلما ضاق بها الحال ارتقت بمعرفتها وعلمها واتسعت إنسانيتها لتحمل أوجاع وهموم الوطن. وإن حجب عنها المجتمع آنذاك العديد من الميزات، فقد ابتكرت لنفسها عوالما منحتها القوة والعطاء والإبداع.
مهاة الدمشقية


أول امرأة سورية حصلت على شهادة ترجمان محلف في اللغة الفرنسية عام 1974، وعلى «وسام الاستحقاق الثقافي البولوني» عام 1973 لدراساتها عن الموسيقار فريديريك شوبان (1810 ـ 1849) وعالم الفلك غاليليو (1473 ـ 1543) الذي أثبت أن الكرة الأرضية تدور. كما منحتها الحكومة الفرنسية «وسام السعف الأكاديمي» بدرجة فارس لجهودها في الترجمة والمشاركة في القضايا الإنسانية وعلى رأسها فلسطين.

«مسارات» ألتقت بالكاتبة المخضرمة مهاة الخوري خلال زيارتها لدبي مؤخرا، للتعرف على بعض محطات رحلتها الفكرية والإنسانية التي تشكل جزء من التاريخ المحلي والعربي والإنساني، ومسيرة العطاء التي لا تنضب ولا تعرف اليأس.


الماضي الحاضر


تشارك الكاتبة مهاة حاليا في عضوية هيئة الأمانة العامة الأهلية السورية لاحتفالية «القدس عاصمة الثقافة»، وقد أهدت كتابها الجديد «لأجلك ياقدس» إلى القدس بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة.


وقالت عن مضمون كتابها، «يتضمن كتابي جميع المقالات التي كتبتها عن فلسطين ابتداء من السبعينات وحتى ما قبل أحداث غزه. وأرصد فيها تفاعلي مع الأحداث المفصلية والنكبات التي عاشتها فلسطين وعشناها معها. من ضمنها قدوم مطران القدس إيلاريون كبوجي إلى دمشق عام 1978 بعدما كان سجينا لمدة ثلاث سنوات في سجن العدو.





ومع ذلك وعلى الرغم من أن عمره الآن 86 عاما، فقد ذهب مؤخرا مع أول باخرة إلى غزه. لم أستطع النوم أو القيام بأي فعل حتى كتبت ما اعتمل في داخلي بعد سماعي بمبادرته التي عجز أمامها الشباب».

رحلة الكتابة

تقول «أكتب عن أي موقف أو حدث أو لقاء يهزني من الداخل وأتفاعل معه، ولا أرتاح حتى أخطه على الورق. كتبت الشعر والقصة والمقالة وقدمت دراسات وأبحاث.
شاركت مهاة في تنظيم مهرجانات وألقيت عددا من المحاضرات عن دراساتي التي قدمتها عن علماء وكتاب أجانب وعرب. في السبعينات دفعتني ترجمتي للكتاب الفرنسي «تاريخ العمل» إلى التفكير بإعداد دراسة أو بحث عن «العمل في سوريا» والتي تحولت خلال عملي عليها إلى كتاب. كل ذاك الرصيد من العمل والترجمات التي تقدر بـ 14 عملا، وأنا التي لم أدرس في الجامعة ولم أحصل على أية درجة أكاديمية».


ورحلة عشقها للغة العربية بدأت كما أشارت، «من إعجابي بوالدي ميشيل فرح الذي كان مرجعا ثقافيا وحجة في القرآن وإن كان مسيحيا! ووالدتي التي كانت راوية في الشعر وبمثابة ذاكرة للاستشهاد بقصائد الشعراء العرب الكبار. أي عشت في كنف عائلة تقدس الأدب واللغة. وأحب التنويه إلى أن والدي لم يحصل على أي من الشهادات العليا كان مقدرا على أنا أيضاً أن أسير على دربه».


وتتابع، «أحب أن أورد مثالا على دور اللغة في حياتنا آنذاك. عندما تأسست إذاعة دمشق كان المذيع يقول (إليكم نشرة الأخبار)، كان والدي حينها يمتعض ويقول هذا خطأ شنيع عليه أن (هاكم نشرة الأخبار)».


تجري الرياح بما...


تقول مهاة إن زوجها كان مثل والدها مدرسا محبا للعلم ومشجعا لي. في البداية عملت بالتدريس للمرحلة الابتدائية لتحسين دخل الأسرة لمدة سبع أو ثمان سنوات. عملت بعد ذلك في الصحافة الفرنسية في دمشق كمحررة ومترجمة لمدة ثلاث سنوات. كنت خلال تلك الفترة أكتب انطباعات عامة لكل ما أتفاعل معه من قضايا الحياة، وأنشر في جريدة النصر كنت في أوائل العشرينات من عمري. كما كنت أقدم حديثا صباحيا في إذاعة دمشق عن المرأة»، قالت مهاة عن المرحلة الأولى من حياتها.


وأضافت، «ومع ازدياد المسؤوليات استقلت من وظيفتي عام 1961 لأتفرغ لعائلتي. وما إن مضي عام حتى اختطف الموت زوجي على حين غرة. كان عمري حينها 31 عاما وأعمار أولادي 12 و4 و3 سنوات. وفي غمرة أحزاني كنت أخاطبه على الورق وأبثه حزني وألمي على فراقه. وفي أحد الأيام قرأ والدي ما كتبت واطلع صديقه الشاعر الكبير عبدالكريم الكرمي (أبو سلمى) عليها. والذي بعث بدوره أحد النصوص إلى مجلة «المضحك المبكي» لتنشر باسم مستعار.


ومن الذين اطلعو على النص، أديبنا الكبير المرحوم الدكتور عبدالسلام العجيلي الذي قال لي: اطبعي الأعمال وأنا أكتب لك المقدمة، وهكذا نشرت المجموعة في كتاب بعنوان اختاره والدي لي «وكان مساء». بالطبع نشرت الكتاب باسمي، كما ساهم الفنان السوري الكبير الياس زيات (تلميذ الوالد سابقا وصديقه لاحقا) بتقديم صورة غلاف الكتاب».


تحديات بلا نهاية


بسؤالها عن كيفية حصولها على شهادة ترجمان محلف للغة الفرنسية وتمكنها من اللغة والبحوث دون دراسة أكاديمية أجابت، «حصلت على شهادة الثانوية ودرست بعد زواجي صف الثقافة العامة التمهيدي للكليات الأدبية، إلا أن الأمومة حالت دون استمراري وإن لم تشكل عائقا أما حبي للمعرفة وتعليم نفسي.


في البيت كنت أساعد زوجي المرحوم أستاذ الجامعة والمساهم في تأسيس كلية العلوم وخريج فرنسا، في دراساته وبحوثه باللغة الفرنسية. وفي السبعينات بعد وفاته بأعوام درست لمدة عامين المصطلحات الحقوقية والقانونية وتقدمت إلى امتحان ترجمان محلف عام 1974 ونجحت. وبذا كنت أول امرأة ترجمان محلف في سوريا».


و عن ظروف دوخلها إلى القطاع المصرفي تقول: «بعد وفاة زوجي عملت في أحد المصارف. وقبل التحاقي بالعمل طلبت كتبا من فرنسا عن العمليات المصرفية وقرأتها جميعها لأكون مؤهلة، ولكن بعد مضي عام ومع صدور قانون التأميم فقدت وظيفتي. عملت بعدها مع وزارة الإعلام في قسم ترجمة التقارير الداخلية. بعد مضي عام رفضوا تثبيتي إن لم أتنازل عن راتب تقاعد المرحوم. وهكذا انتقلت إلى صحيفة تشرين التي تأسست حديثا وعملت لمدة عام في قسم الترجمة وقدمت استقالتي احتجاجا على حجب اسمي عن المواضيع والحوارات التي ترجمتها.

عملت بعد ذلك في السفارة البولونية لمدة خمس سنوات. دخلت بوظيفة سكرتيرة وخرجت كمساعد للملحق الثقافي. وتنقلت بين العديد من الوظائف الأخرى».


اختزال زمن الأوجاع


قالت عن حصيلة تجربتها كإنسانة وامرأة وأم وأرملة وعاملة، «لا أستطيع كتابة سيرة حياتي.. لا طاقة لي على استعادة درب الآلام.. كان من الصعب على المرأة في الخمسينات دخول مجالات العمل خارج إطار التدريس. كنت أريد تربية أبنائي بنفسي دون الاعتماد على الغير. عملت في عدة مجالات، وكل مجال فتح لي بابا على الأدب والفكر.


«الكتابة جزء مني وكان الليل زمني الخاص الذي كنت أكتب فيه دراساتي وبحوثي وانطباعاتي. كنت أعمل ما يقارب من 18 ساعة في اليوم. في البداية اعترضت العائلة على فكرة عملي، ولكن مع إصراري على إنشاء أولادي في بيت مستقل صونا لكرامتهم بدأت رحلتي».


كانت تجربتها الشخصية دافعا لأن تقدم لاحقا دراسات عن خمسة نساء سوريات كان لهن دورا رياديا في مجتمعهن، ونجحن في تمهيد الطريق أمام الأجيال اللاحقة وإن دفعن الثمن من حياتهن.


ومثال على ذلك عادلة بيهم الجزائرية التي أسست أول مدرسة أهلية غير حكومية وغير مرتبطة بدين أو هيئة في دمشق، وهي مدرسة (دوحة الأدب)، ولا زالت المدرسة قائمة حتى يومنا هذا.


والطبيبة لوريس ماهر، التي تعتبر أول من دخلت كلية الطب في الثلاثينات. وأمضت عاما كاملا وهي تسعى لقبولها، وكانت المرأة الوحيدة بجانب سبعة طلاب. وكانت تجلس في كرسي وحدها بمعزل عن الباقي.


والمناضلة نازك العابد تعتبر أول شابة دخلت الجيش حيث استشهد يوسف العظمة بين يديها ، والكاتبة ماريانا مراش الحلبية التي أسست أول صالون أدبي في سوريا عام 1865، والدكتورة مرسيل عبسي وهي أول سورية دخلت جامعة السوربون في باريس وحصلت على درجة دكتوراه.


كما جذب الكاتبة مهاة خلال عملها مع البولونيين في السفارة، نهجهم ونظامهم فتعلمت البولونية كما علمتهم اللغة العربية، ونشرت كتابها عن مبدعيهم من علماء وفنانين «عبقريات ورؤى».


وقالت، «كنت أقرأ عن نضالهم وعذاباتهم بعد فقدانهم خمس شعبهم في الحرب العالمية الثانية، وأقوم في ذهني بمقاربة بينهم وبين الشعب الفلسطيني ونضاله»، وهنا تضحك وتقول، «لا أعرف لم كتب لي الله أن أعيش مع كل المتألمين».


بين الماضي والحاضر

«أديبات الماضي نحتن الصخر وحققن النجاح لهن وللأجيال القادمة من بعدهن، وكن مثلا أعلى لنا. أما الجيل الحالي من الكاتبات فيمكن تقييمهن من مستوى الأدب الحالي، فالدافع للكتابة حاليا حب الظهور والشهرة. كُثر هم، من يستسهلون الأدب ولا يملكون نفحة الكتابة أو الرصيد الإنساني في الأصل. الأدلة كثيرة، بت غير قادرة على إكمال قراءة أية افتتاحية في المطبوعات التي تصدر» قالت بخيبة أمل. وتابعت «دور الكاتبة العربية ضروري وكبير في تطوير المجتمع وإصلاحه وبحد أدنى الحفاظ على الشعور النقي فيه».

وقالت فيما يخص كتابة الوجدانيات التي فقدت مكانتها في عالم الأدب والتي لم تعد تحظ بمكانة أو أهمية، «تعتبر الوجدانيات المكتوبة بمشاعر نقية ولغة سليمة ومضمون تثقيفي أحد منابر الأدب العربي. هذه الكتابة تحتاج لإنسان. ترى أين الإنسان في زمننا الحالي. لست ضد الحداثة، لكن الحداثة لا تعني تدمير التراث؟!».

الكاتبة في سطور

* ولدت مهاة فرح الخوري في دمشق عام 1930


* قلدت العديد من الأوسمة من عدة بلدان منها، وسام الاستحقاق الثقافي البولوني عام 1973، ووسام السعف الأكاديمي بدرجة فارس من الحكومة الفرنسية عام 1994.
* انتخبت سيدة العام بموجب قرار المعهد الأميركي المتخصص في رصد سيرة الأشخاص الذين يؤدون أعمالا متميزة ورائدة لصالح بلادهم وحياة الإنسان عام 1997.

* عضو في المجلس الاستشاري لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية عام 2007

* عضو في هيئة الأمانة العامة الأهلية السورية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية

* شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية.

رشا المالح - البيان







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق