بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الأحد، 1 أغسطس 2010

الرواية العربية بين الأدب وقوائم «الأكثر مبيعاً»

2009-06-13 15:54:44 UAE



«قائمة الكتب الأكثر مبيعاً» مصطلح دخل عالم الأدب والثقافة العربية منذ عهد قريب، ومعه لمعت أسماء كتّاب بين ليلة وضحاها، وتصدرت أعمالهم المكتبات وأسماؤهم المنتديات والمؤتمرات الأدبية. وبين دهشة الأدباء وحملة الأقلام كانت تنفد وتتجدد الطبعات. وبعدما كان هذا المصطلح متداولاً في قطاع تسويق الصحف والمجلات، انسحب إلى عالم الرواية. وبسرعة البرق زاد عدد الكتاب والأدباء وحفلت المكتبات بعناوين كتب غير مألوفة مستمدة من اللهجة العامية والحياة اليومية.


















والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً هو، هل الروايات الأكثر مبيعاً خاصة في السنوات الأخيرة، تشكل منعطفاً جديداً في عالم الأدب والثقافة العربية؟ أم أنه ظاهرة جديدة ستحتل مكانة الأدب، أم مكانة مستقلة، أم أنه مرحلة آنية سرعان ما ستخبو؟!موضوعنا هذا غير معني بالنقد فيما إذا كان هؤلاء الكتاب يستحقون تلك المكانة أم لا، بل يتمحور حول مفهوم هذا المصطلح وأبعاده في عالم الكتاب والثقافة والأدب نظراً للالتباس الكبير في فهمه وآلية استخدامه سيما في الصحف والمجلات وغيرها. آلية التسويق يتطلب وصول الكتاب إلى قائمة الكتب الأكثر مبيعاً آلية عمل واسعة وميزانية لتسويق الكتاب والترويج له. تتضمن تلك الآلية التي تشمل شبكة الانترنت تقديم عروض للكتاب في المطبوعات والإعلام وتنظيم جولة للكاتب يزور فيها أهم مكتبات المدن أو البلدان المراد تسويق الكتاب فيها، وتشمل محاضرات وندوات وحفل توقيع الكتاب، وقراءة مقتطفات منه.


















وهناك عامل آخر يحتل أهمية كبيرة، وهو تحويل رواية ما إلى فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني. فما إن يعرض الفيلم حتى تحقق الرواية التي ربما نشرت قبل زمن قريب أو بعيد شهرة لها ولكاتبها، والأمثلة على ذلك كثيرة، مثل رواية «المريض الانجليزي» للمؤلف الكندي السيرلانكي الأصل مايكل أونداتجي، و«شوكولا» للروائية الفرنسية جوان هاريس، و«اختيار صوفيا» للكاتب الأميركي ويليام ستايرون (1925 ـ 2006).










ومن الطريف أن بعض الكتاب اعتمد على وسيلة الاحتيال ليصل كتابهم إلى القمة، وذلك من خلال شراء أعداد كبيرة من نسخ الطبعة الأولى لكتابهم من المكتبات. المعني عادة بإصدار قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، إما كبرى الصحف ذات المصداقية أو دور النشر الرئيسية التي تصدر أعداداً كبيرة من الكتب سنوياً وتمتلك قوة التوزيع، أو المواقع الالكترونية المتخصصة في بيع الكتب وأهمها موقع أمازون. ويتم تحديد القائمة استناداً إما على تقارير محلات بيع الكتب المتفرقة، أو على عدد النسخ المباعة من خلال الموقع الالكتروني.










تصنيفات القوائم










تصنف القائمة تبعاً لنوعية الكتب، فهناك أدب الخيال والأدب الواقعي وأدب الأطفال وغيرها من التصنيفات منها السياسة وتطوير الذات والعلوم وأدب الرحلات والسيرة الذاتية. وكثيراً ما تصدر الكتاب الأول لكاتب ناشئ أو مغمور القائمة ليصبح بين ليلة وضحاها من أشهر الكتاب سواء في بلده في العالم.










ومن ضمن هؤلاء الكتاب، الأديبة الفرنسية فرانسواز ساغان التي اشتهرت مع أول رواية لها «مرحباً أيها الحزن» واستمرت في إبداعها وكذلك الكاتب الأميركي الإيرلندي الأصل فرانك مكور وكتابه «رماد أنجيلا» الذي تبعه بروايتين. أما الكتّاب الذين اقتصرت شهرتهم على كتابهم الأول الذي بات من روائع الأدب الكلاسيكي هناك الروائية الأميركية مارغريت ميتشل وكتابها الشهير «ذهب مع الريح» والأديبة البريطانية إيميلي برونتي بروايتها «مرتفعات ويذرنيخ» والروائية الأميركية هارييت تسو وكتابها «كوخ العم توم».










كما شهدت الرواية خاصة في عصرنا مبيعات تصدرت القائمة لسنوات طويلة، وذلك لأعمال من الصعب إدراجها في محيط الأدب الروائي، مثل روايات أجاثا كريستي التي مازالت تلقى رواجاً كبيراً حتى يومنا هذا، وروايات لكاتبات شهيرات منهن البريطانيات كاثرين كوكسن التي تمحورت أعمالها حول عمق الواقع الاجتماعي البريطاني والطبقة الفقيرة المكافحة ودانييل ستيل التي تكتب عن الحب في عالم حافل بالجمال والبعيد عن واقع الحياة وجوان رولينغ ومؤلفاتها عن مغامرات «هاري بوتر» التي تم تصنيفها ضمن كتب اليافعين.










وفي القمة بالطبع باولو كويلو التي تحقق حالياً رواياته التي يتناول فيها بحث الإنسان عن هويته ومساره الفكري والروحي في الحياة، أعلى المبيعات في مختلف بلدان العالم. ومعيار القوائم الأكثر مبيعاً يحمل شقين، أحدهما قصير المدى ويقاس بالزمن الراهن لإصدار العمل، وآخر طويل المدى ويقاس بحصيلة المبيعات على مدى السنوات. وتبرز في المدى الطويل أعمال رواد الأدب الكلاسيكي.










شعرة معاوية










«يكشف الروائي من خلال عرضه لقيمة خاصية شخصية الإنسان، عن فداحة الجريمة التي يرتكبها المجتمع أو الدولة عبر سحقهم لخصوصية أو تفرد الإنسان»، هذا القول لكاتب إيان ماك يوضح دور ومسؤولية الروائي إزاء مجتمعه بصورة عامة.










ويقول الناقد البريطاني تيري إيغلتون «يقوم الأدب بتحويل وتكثيف اللغة المحكية، لتختلف عن الكلام اليومي. وإن اقتربت مني عند محطة الباص وهمست قائلاً، (ألا زلت عروس الهدوء المستعصي)، أدرك مباشرة أني في حضرة الأدب». يتجلى من القولين أعلاه أن القائمين على الأدب في العالم الغربي مدركين للفارق بين الروائي الكاتب والروائي الأديب وبالتالي عدم الخلط بين المسارين. هذا التوضيح لا يعني التقليل من شأن الكاتب مقارنة بالأديب، فلكل مساره ودوره في عالم الكتابة والفكر والتأمل والفلسفة.










اختراق المحرمات










وبالانتقال إلى عالم الثقافة والأدب العربي، نرى أن العوامل التي تساهم في تحقيق مصطلح «الرواية الأكثر مبيعاً» تختلف عنها في الغرب. ففي العالم العربي ترتفع مبيعات الرواية إن اخترقت المحرمات أو منعتها الرقابة لسبب ما. والمحرمات في عالمنا تشمل الجنس والسياسة والدين وأي اختراق لها يثير الفضول ويستقطب عدداً كبيراً من القراء.










تسبب منع رواية «أولاد حارتنا» للأديب نجيب محفوظ (1911 ـ 2006) في الستينات في ارتفاع الطلب عليها، مقارنة بأعماله الأخرى وذلك للاشتباه في التعدي على الذات الإلهية، وكذلك «وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر في الثمانينات للمساس في الدين والجرأة في خدش الحياء الاجتماعي، و«اللجنة» للأديب المصري صنع الله إبراهيم للطرح السياسي الجريء في الثمانينات أيضاً.










عامل آخر يقلل من نسبة مبيعات الرواية، يتمثل في عدم تخصص مترجم واحد لترجمة أعمال أديب ما، مثلما حدث مع الأديب الكبير نجيب محفوظ الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 1982، إذ لم تلقى أعماله رواجاً كبيراً في الغرب وذلك يرجع لتعدد المترجمين وبالتالي فقدان نزاهة الترجمة والقدرة على نقل روائعه الأدبية مثل ثلاثيته «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية». كما تساهم الشهرة التي تحققها الرواية العربية المترجمة في الغرب، إلى ارتفاع نسبة مبيعاتها في العالم العربي بعدما كانت مجهولة لسنوات طويلة.










فوضى جديدة










ومع الفورة التي شهدتها الرواية في السنوات الأخيرة، والجرأة في طرح موضوعات محرمة والكشف عن أمراض المجتمع ابتداءً من رواية «عمارة يعقوبيان» للكاتب المصري علاء الأسواني وانتهاء برواية «بنات الرياض» للكاتبة السعودية رجاء الصانع، وغيرها من الأعمال التي منعت في بعض البلدان ولاقت رواجاً استثنائياً بين القراء ونقداً حاداً في الأوساط الأدبية، وترويجاً واسعاً من دور النشر، كثر الجدل والانتقادات وتجلت فوضى جديدة في عالم الأدب.










ولغياب دور الثقافة والنقد الموضوعي في العالم العربي، بات الإعلام يطلق على كل من كتب الرواية لقب أو صفة أديب، وبات الأخير يحاضر وينظر في المؤتمرات والندوات. وفي سياق الموضوعية لا يحق نكران حق الكتاب في التحدث عن تجربتهم ورؤيتهم، إنما من الخطورة أن يتم تقديمهم كأدباء وليس ككتاب في محافل الأدب خاصة التي يشترك فيها أدباء من الغرب.










وفي الختام يمكن القول ان المستقبل كفيل بفرز موقع الرواية وتصنيفها أسوة بالغرب. ويبقى لكل من الكاتب والأديب دوره وأهميته. الاجتهادات مفتوحة أمام الجميع فكم من كتاب تحولوا إلى أدباء، وكم من أدباء أفلسوا سواء على الصعيد الأدبي أو الفكري، لكن الدور الرئيسي والأهم في المرحلة الراهنة يبقى للنقاد الحقيقيين (رغم قلتهم) الغائبين عن ساحة الثقافة.










رشا المالح