بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الأربعاء، 16 يونيو 2010

مقابلة مع المخرج السينمائي السوري نبيل المالح




2008-06-01 03:55:00 UAE
«مجهولون»
يصنعون من خلف الأضواء نجوماً




يندرج فن كتابة السيناريو في إطار فنون الإبداع الحديثة، ويلعب دورا رئيسياً سواء في السينما أو التلفزيون، فهو معيار نجاح الأعمال أو فشلها. ومع انتشار المحطات الفضائية أخذت الدراما التلفزيونية بصورة عامة حيزاً كبيراً من المتابعة والاهتمام والنقاش، خاصة فيما يتعلق بالسيناريو، وباتت أسوة بالسينما لها طقوسها لدى المشاهد.




لتسليط الضوء على هذه المسألة التقت «مسارات» مع مجموعة من المختصين السوريين المتميزين بتجربتهم وإبداعاتهم في كتابة السيناريو في عالم السينما والتلفزيون، وذلك بهدف الاقتراب والتعرف على هذا الفن الذي يعتبر بمثابة القاعدة الأساسية لتقديم أي فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني ناجح وجذاب.


- سيناريو الدراما التلفزيونية: «كتابة السيناريو عمل جماعي، يعتمد نجاحه أو تميزه على مبادرات المجموعة» هذا ما أكده الناقد السينمائي وكاتب السيناريو السوري نجيب نصير الذي حقق مكانة ونجاحا متميزين في هذا الإطار، حيث أعلن بأن شروط كتابة السيناريو كأدب حداثي تخضع لكل من: «وقعنة» الحدث أي مقاربته من الواقع، وتراكم الخبرة، وتعدد زوايا الرؤيا والموهبة.


أما نجاح السيناريو من وجهة نظر نصير، فيعتمد على معادلات أو حبكات لها خاصية تندرج كمعيار لضمان نجاح الأعمال. وتبعا لذلك فإنه يرى بأن كتابة السيناريو عمل إحصائي وليس تجريبي، أما التميز أو الإبداع فيأتي من خلال طرح معالجة جديدة للعلاقة بين الروح والعقل، الفرد والمحيط.


وفي إطار بدء العمل على كتابة السيناريو الذي يلي طرح فكرة العمل أكد شريكه الروائي والسيناريست حسن سامي يوسف بعد ذلك على أهمية كتابة الحكاية ومن ثم الانتقال إلى رسم المشاهد. وفي تلك المرحلة أي رسم المشاهد، يقول إن كل واحد منهما يتناول جانب الحكاية وتحديد معالم الشخصيات، والآخر الجانب التقني الفني. ويؤكد بأن النهاية تأتي على الأغلب في سياق الحدث ودون تخطيط هندسي مسبق وبدون افتعال و بلا مصداقية.


ولدى سؤاله عن أسباب تألق الدراما السورية التي تعيش حاليا عصرها الذهبي، يؤكد نجيب نصير أن التميز في الأعمال التي تركت بصمتها في ذاكرة الناس، مرده اعتماد معالجة جديدة ومعاصرة للدراما، واقترابها من منظومة الحياة المعاشة وقدرتها على تناول الصراع الإنساني بأبعاده الثلاثة: الداخلي على صعيد النفس (فكر وروح وقلب)، ومع الآخر، ومع المحيط وجميعها بتزامن واحد، وهذا التألق الدرامي المعاصر في وحدته هو بمثابة المرحلة التنويرية.


أما الأعمال الأخرى التي تعتمد على المادة التاريخية والسلفية التراثية التي تجتر أمجاد الماضي وتعزز منظومته، فلا يمكن أن تجد معادلتها في الزمن المعاصر. ويقول إن هذا الجانب من الدراما يغفل أو يتجاهل حقيقة جوهرية وهي أن الجميع يتعامل ويعتمد ويستخدم تكنولوجيا العولمة، إلا أنه مع ذلك يرفض تطور الفكر المواكب لها أو إيجاد منظومة معاصرة وصياغة جديدة للقيم والمثل خاصة في مجتمعاتنا الشرقية.


و«الدراما التعتيمية» تلبي متطلبات الشركة المنتجة أو جهة التمويل التي تسخر الدراما امكانيات كبيرة لتعزيز دورها و مكانتها، سواء على الصعيد العقائدي أو السياسي أو في عالم التجارة والمال.


طقوس سينمائية


وأوضح المخرج السينمائي وكاتب السيناريو نبيل المالح الذي يعتبر من مؤسسي فن السينما في سوريا ان « طقوس المشاهدة التلفزيونية تختلف عن السينمائية من خلال نوعية الاستقبال التي تتمثل في حجم الشاشة، والمشاهدة المخترقة سواء الداخلية منها مثل الإعلانات التجارية أو الخارجية مثل رنين الهاتف أو حركة جانبية، بالإضافة إلى محدودية المعلومة في السرد».


وعن كتابة السيناريو في السينما يقول المالح الذي درّس مادته في عدد من جامعات الولايات المتحدة والمعهد العالي للفنون المسرحية، «ان صورة السينما بسبب حجم الشاشة والتركيز من قبل المشاهد تحتمل عددا لا نهائيا من الرسائل المتواجدة مع بعضها في آن واحد، فهي تشكيلية، جمالية، درامية، تعبيرية وأسلوبية في جميع مفرداتها بدءا من التشكيل الأولي للسرد وبنيته إلى الصوت بمؤثراته المختلفة والتي يكتب لكل منها سيناريو خاص بها، وبذا نصنع البعد الرابع للفيلم».


الأسلوب هو المضمون


ويشير إلى أنه في عالمنا العربي، هنالك نوع من السذاجة في التعامل مع السينما، لأنها معالجة تعتمد على بنية الحكاية والشخصيات النمطية في أغلب الأحيان، ونادرا ما نجد عملا يكون الأسلوب فيه مضمونا للنص.


الحكاية في السينما مثل حبل الغسيل الذي تعلق عليه الأشياء الأهم، بعكس التلفزيون، حيث تلعب الحكاية دور البطولة في العمل الفني، ولذلك غالبا ما نجد ان معظم السينمائيين الكبار في العالم هم كتاب نصوصهم أو مشاركون أساسيون فيها. وبيّن ان النقطة الأساسية في كتابة السيناريو هي الاختزال وذلك عبر استخدام أدوات لا نهائية تختصر الطرق للتعبير عن أعمق المعاني والأفكار.


أبجدية السينما


إن كاتب السيناريو من وجهة نظر المالح، بمثابة مهندس تصميم لعمل يحمل أدوات وأساليب متعددة، والعظمة أن يكون ابتكاريا وغير مقلد، مع محاولة اكتشاف خصوصية أدواته وتكوين إضافة نوعية، ومشاهدة أكبر قدر ممكن من الأفلام السينمائية والأعمال المسرحية والموسيقية والفن، لكي لا يصنع مثلها.


ويؤكد ان التعرف على تقنيات السينما هو بمثابة إتقان لأبجدية اللغة، وان الحكاية في السينما، مثل حبل الغسيل الذي تعلق عليه الأشياء الأهم، ويعتبر المالح ان الفن هو الشيء الوحيد في الدنيا الذي يدعنا نتعرف على ما نعرف أننا بحاجة إليه وان أهم قاعدة في كتابة السيناريو هي وحدة الأسلوب.


دراما التلفزيون المعاصرة


منذ حلم الطفولة الأول لدراسة السينما باعتبارها البديل الأقرب والمتوفر في سوريا، شقت كاتبة السيناريو لبنى الحداد طريقها بنجاح من المعهد العالي المسرحي حيث بدأت رحلتها مع الفن، محققة لنفسها بذلك مع عدد من زملائها من الجيل المعاصر مكانة مميزة في عالم الدراما التلفزيونية، ترك بصمته الفذة في هذا القطاع.


وبالتأكيد تجاوزت لبنى رهبة الكتابة التلفزيونية لأنها ولدت في بيئة الإبداع والكتابة سيما وأنها عايشت عن قرب من خلال والدتها سلمى كركوتلي الإعلامية وكاتبة السيناريو هذه التجربة، ولهذا فأنها خاضت مع زميلتها لبنى مشلح مشروع كتابة سيناريو، وكانت النتيجة المسلسل الكوميدي «هومي هون» الذي أخرجه الفنان باسم ياخور.


وتكررت التجربة لدى لقائها الزميل الفنان زهير قنوع، ليكتبا معا مسلسل «أهل الغرام» الذي رسخ مكانتها ككاتبة سيناريو موهوبة ومتميزة سيما في معالجتها مع شريكها لقضايا اجتماعية.وعن الجانب التقني أوضحت لبنى بأن دراسة المسرح وفهم البنية الدرامية ودراسة الأحداث بحبكتها وتفاصيلها إلى جانب رسم المشاهد المترافق مع التحليل الموضوعي قد ساهما في امتلاكها لأدوات كتابة السيناريو الأساسية.


ومن «أهل الغرام» إلى «سيرة الحب» سارت لبنى الحداد في مشوار جميل محققة في هذه المسيرة المثقفة تجربة جديدة وناجحة في كتابة السيناريو، كما ان التعاون مع يزن أتاسي الذي يعمل في حقل الإعلان شكل إضافة مهمة لرصيد نجاحها وعزز من مكانتها بين كتاب السيناريو.


ورغم هذا النجاح الذي حققته لبنى إلا أنها عادت إلى هاجسها القديم، حيث قدمت فيلمين وثائقيين، كما شاركت في التصوير والمونتاج والإخراج إلى جانب كتابة السيناريو، الأول بعنوان «أنا هنا» أما الثاني «مملكة الصمت» الذي يحكي عن تعايش خليط متنافر من حاملي الأفكار العقائدية والإيديولوجية على أرض واحدة.


وفي قمة نجاحها، شدت لبنى رحالها إلى وطن جديد لتعمل في دبي كمحررة ومساعدة منتج في محطة «العربية»، وما يسعى إليه الأغلبية ابتعدت عنه، وذلك لحبها وشغفها بالكتابة التي تأبى أن تحولها إلى مهنة، مع التخوف من تكرار نفسها في حال امتهنت كتابة السيناريو. وهكذا رجحت كفة حبها للعمل على الأفلام الوثائقية في اتخاذها القرار، وأكدت بأن هذا لن يحول دون استمرارها في الكتابة والإبداع، ونحن في انتظار جديدها.


لبنى الحداد


* خريجة نقد مسرحي من المعهد العالي للمسرحيين.


* خريجة أدب فرنسي من جامعة دمشق.


* كتبت السيناريو للتلفزيون وحققت نجاحاً متميزاً قبل تخرجها من المعهد بعامين.


* ساهمت في إعداد حلقات بعض البرامج التلفزيونية في لبنان.


* قدمت عدداً من الأفلام الوثائقية والتسجيلية.


نجيب نصير في سطور


* مواليد دمشق 1958.


* كتب النقد السينمائي والتلفزيوني في العديد من الصحف والمجلات منذ عام 1989.


* أصدر كتابين في دراما التلفزيون السوري بالاشتراك مع مازن بلال.


* كتب 7 مسلسلات تلفزيونية بالاشتراك مع الكاتب حسن سامي يوسف، (نساء صغيرات، أسرار المدينة، قبل الغروب، حكاية خريف، أيامنا الحلوة، رجال ونساء، والانتظار).


* المشاركة في لجنة تحكيم جائزة أدونيا 2008 لتكريم الدراما السورية.


غارسيا السيناريست


يقول غارسيا غابرييل ماركيز في كتابة السيناريو: إن مخطط السيناريو بمثابة النخاع الشوكي الحقيقي للإبداع، ففي صفحة أو بضعة صفحات، يمكن للمبدع أن يلاحظ العلاقات، والمواقف، والتذبذبات، والإيقاعات، والنبرات. فهو الدليل والموجه لتطور السيناريو وهو بمثابة المنارة لمن يسقط في هذيان الإبداع والسحر خلال العمل، والمعروف ان غارسيا الحائز على جائزة نوبل للآداب قام بكتابة السيناريو لعدد من الافلام المهمة التي حققت شهرة عالمية.


نبيل المالح


* حصل على ماجستير في الإخراج السينمائي من تشيكوسلوفاكيا.


* كتب السيناريو وأخرج العديد من الأفلام الطويلة والقصيرة.


* حاز على أكثر من 50 جائزة من مهرجانات سينمائية دولية عن عدد من أفلامه مثل : رجال تحت الشمس، الفهد، الكومبارس.


* كرّمه مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2006.


* كتب سيناريو مسلسل (أسمهان) الذي بدأ تصويره في نهاية شهر مايو


رشا المالح

أدب الرعب عبر التاريخ

مخيلة يكتبها الأديب ويرسمها الفنان
أدب الرعب ضيف مقيم في بيوت القراء

استقطب أدب الرعب منذ تسعة قرون اهتمام شريحة واسعة من القراء، نظراً لأن شعور الخوف من المجهول لدى الإنسان أزلي. وينقسم هذا الجنس الأدبي إلى عدة أنواع منها، الخيال القاتم: وهو نوع من الرعب النفسي، والرعب التاريخي: الذي يستمد مواضيعه من التاريخ حيث تجري أحداث القصص في الماضي أو في أحداث واقعية مرتبطة بالماضي، والرعب النفسي: حيث تولد العقد النفسية التي يعاني منها الأبطال الرعب.

ما هي جذور هذا الأدب وإلى أي عهد تعود شخصياته الشهيرة مثل مصاص الدماء وفرانكشتاين والمستذئب؟ ماذا عن الرواية القوطية وأدب الرعب الأشبه بالكوابيس؟ ما هو المسار الذي اتخذه هذا الأدب من القلعة النائية المسكونة إلى جحيم دانتي، ومنه إلى مخيمات الطلبة ومراكز التسوق؟ من هم الكتاب الذين صورت مخيلتهم هذا العالم المسكون بالفزع والأشباح والغموض، والذين قدموا على مدى ثمانية قرون روائع الأعمال التي لاتزال معاصرة ؟


نعود في البداية إلى التاريخ لتقصي جذور هذا الأدب الذي استلهم منه الكتاب مواضيع أعمالهم، ابتداء من عهد الظلمات في القرنين الثالث عشر والرابع عشر والأهوال التي سادت تلك المرحلة، وأبرزها محاكم التفتيش التي كانت تطارد المتمردين وتحرق السحرة المتهمين وهم أحياء أمام العامة، والملهاة الإلهية لدانتي أليغييري (1265 ؟ 1321) التي تعتبر من روائع الأدب الإيطالي والعالمي، والتي يصف فيها الشاعر ظاهريا رحلته إلى الجحيم والفردوس، لكنه في العمق يتحدث عن ملحمة رحلة الروح باتجاه خالقها، ليعيش القارئ في رحلة دانتي إلى الجحيم، حالة من الرعب والفزع لما يواجه الشاعر من أهوال وفظائع بشرية.


جذور أدب الرعب


في القرن الخامس عشر، برزت قصة فلاديسلاف باساراب حاكم والاشيا وهي مقاطعة في ترانسلفانيا برومانيا، الذي أخذ عن أبيه لقب (دراكولا) أي ابن التنين، لكنه اكتسب لنفسه لقب (المخوزق) لتفضيله هذه الطريقة في تنفيذ حكم الإعدام، وقد سبقته شهرته كسفاح وحشي حيث قيل أنه قتل من البشر ما يتجاوز 40 ألف إنسان.


ومن نفس القرن، لوحات الفنان الهولندي هيرونيموس بوش (1450 ؟ 1516) الذي رسم فيها كوابيس استلهمها من جحيم الآخرة واشهرها (حديقة متع الدنيا)، وكذلك الطبعة الأولى من رسمة (رقصة الموت) للفنان الفرنسي غويو مارشانت (1483 ـ 1505)، والنص الأدبي (مطرقة الساحرات) الذي كتبه المحققون الألمان الثلاثة هنريك إينستيتوريس وهنري كرامر وجاكوب سبرينغر. ويلخص كتابهم الذي وزع على كافة بلدان أوروبا أسس أفكار السحر الذي انتشر، والذي كان القاعدة التي انطلقت منها محاكم التفتيش في القرنين السادس عشر والسابع عشر، حيث عذب وقتل آلاف البشر.


أما مرجع الكتاّب في القرن السادس عشر، فتمثل بكل من الأعمال الفنية للألماني هانس هولبين الأصغر (1498 ؟ 1543) الذي صور في رسوماته المطبوعة عذابات الموت، إلى جانب المسرحيات التراجيدية التي عمت مسارح بريطانيا منها مسرحية (التراجيديا الاسبانية) لتوماس كيدس (1558 ؟ 1594) ويتناول فيها موضوع الانتقام، وهي مسرحية ضمن مسرحية، حيث يتم السعي لوقف قاتل وشبح عاد للإنتقام بعد مقتله خلال الحرب بين البرتغال واسبانيا. وقد استلهم كبار الأدباء العديد من موضوعات أعمالهم من تلك المسرحية مثل وليام شكسبير وكريستوفر مارلو.


ومن ألمانيا الأسطورة التي جمعت بين السيرة الذاتية وأدب الخيال لجوهانس فوستوس، الساحر والخيميائي الذي بلغ حد الجنون وباع روحه للشيطان لقاء اكتساب المعرفة، والتي استلهم منها الأديب الألماني يوهان غوته (1749 ـ 1832)، مسرحيته (فاوست) التي اعتبرت من روائع الأدب الألماني.


بالانتقال إلى القرن السابع عشر، نجد الملحمة الشعرية (الفردوس المفقود) للشاعر البريطاني جون ميلتون (1608 ـ 1674) والتي يتحدث فيها عن هبوط الإنسان من الفردوس إلى الأرض، ويصف فيها الصراع مع غريمة الشيطان، إلى جانب الأهوال التي مارستها محاكم التفتيش ضد المتهمين بالهرطقة وأشهرها محاكم سالم وماساشوستس.


من بلاد الضباب والغموض


ازدهر أدب الرعب في القرن الثامن عشر في بريطانيا تحديدا على يد الكاتب البريطاني هوراس والبول (1717 ـ 1797) من خلال روايته «قلعة أوترانتو» التي نشرت عام 1746 والتي وصفت بأنها الرواية الأولى التي جمعت بين الرومانسية والرعب. وكانت قصص الرعب حينها، تحكي عن الأشباح والوحوش كما في أساطير كل بلد، منها مصاص الدماء الذي تعود قصصة إلى تاريخ حضارة بلاد الرافدين.


وعليه فقد استلهم كتاب القرن الثامن عشر أعمالهم، من الأساطير والسحرة ومصاصي الدماء والمستذئبين وقوى الشر. ومن الكتاب الكلاسيكيين الذين برعوا في هذا الأدب كل من، البريطانيين ويليام توماس بيكفورد (1760 ـ 1844) بروايته «ألغاز أدولفو»، وآن رادكليف (1764 ـ 1823) بروايتها (الإيطالي)، وماثيو لويس (1775 ـ 1818) بروايته (الراهب) التي كتبها قبل بلوغه العشرين عاما، وتدور أحداثها في اسبانيا. وبطلها الراهب أمبراسيو الذي يتمتع بالسكينة والاحترام، حتى دخلت الدير امرأة تنكرت كراهب، وسعت هذه المرأة إلى إغوائه.


وبعدما استسلم لها، بدأ انحداره خاصة مع استخدام تلك المرأة للسحر الذي جعله يغوي فتاة بريئة ويقتلها. والمرأة في هذه الرواية ترمز إلى الشيطان الذي خطط لسقوط الراهب منذ البداية، وكان لويس الذي كتب الرواية خلال 10 أسابع، قد أضاف بعض الأحداث الجانبية لزيادة عنصر التشويق والإيحاء عند القاريء.


استمر أدب الرعب القوطي الذي يجمع بين الرومانسية والرعب في القرن التاسع عشر، ويحكى أنه في عام 1816 اجتمع خلال الفترة من 15 إلى 17 يوليو، كل من اللورد بايرون وبيرسي شيللي وماري شيلي والدكتور جون بوليدوري في فيلا على بحيرة جنيف، وكتب كل واحد منهم قصة رعب. ويذكر أن هذا اللقاء التاريخي قد حول إلى فيلم سينمائي عدة مرات، وأشهرها فيلم «القوطي» للمخرج البريطاني كين راسل. من هذا اللقاء ظهر فرع أدبي جديد تمحور حول مصاصي الدماء وتلاه ظهور أدب الخيال العلمي الذي ازدهر في بريطانيا أيضا.


ومن أبرز الأعمال الأدبية في تلك المرحلة، كل من رواية (فرنكشتاين) عام 1818 للبريطانية ماري شيلي (1797 ـ 1851)، ومجموعة قصص الأميركي إدغار آلن بو (1809 ـ 1849)، ورواية (دكتور جيكل ومستر هايد) 1886 للسكوتلندي روبرت لويس ستيفنسون (1850 ـ 1894)، ورواية (صورة دوريان غراي) للأديب الإيرلندي أوسكار وايلد (1854 ؟ 1900)، ورواية (دراكولا) للإيرلندي برام ستكر (1847 ـ 1912)، إلى جانب رواية (جاك السفاح) عام 1888 وكاتبها مجهول، ورواية (تعاسة الفضيلة) للفرنسي مركيز دي ساد (1740 ـ 1814). أما في فرنسا فشهد المسرح عام 1890أول ظهور لهذا الأدب، واشتهر في مسارح مونمارتر خاصة.


وفي أميركا، برز كل من الروائي واشنطن إرفينغ (1783 ـ 1859) الذي اشتهر بروايته «أسطورة وادي هولو الهادئ» التي نشرها عام 1849، وأمبروس بيرس (1842 ـ 1914) الصحفي وكاتب القصة القصيرة ذو الشعبية الواسعة، الذي يعد من الكتاب الذين بدأوا بتناول مواضيع أعمالهم من الزمن المعاصر بدلا من التاريخ، وأشهر أعماله مجموعته القصصية التي تحمل عنوان (هل لهذا الشيء من وجود؟)، وقد استمد مواضيع قصصه من الحرب الأميركية الأهلية.


ومن قصصة (السباق غير المنتهي) التي استلهم موضوعها المعاصر لزمنه من أسطورة الاختفاء الغامض لجيمس وارسون في 3 سبتمبر عام 1873. وطبقا للأسطورة فإن جيمس وراسون صانع الأحذية الذي يعيش في وورويكشاير، يقبل وهو تحت تأثير الخمر برهان مفاده الجري مسافة تسعة أميال دون توقف من بلدته إلى كوفنتري. بدأ بالجري بمرافقة المجموعة التي شهدت الرهان والذين تبعوه بعربتهم. خلال السباق يتعثر وارسون ويقع وهو يطلق صرخة مريعة، لكنه لدهشة الجميع يختفي قبل ملامسة جسده للأرض. ويذكر أن الكاتب بيرس نفسه اختفى بظروف غامضة في أكتوبر عام 1913.


بين لوفكراف وكينغ


في بدايات القرن العشرين اشتهر الروائي البريطاني جوزيف كونراد البولندي الأصل (1857 ـ 1924)، بروايته القصيرة (قلب الظلمات) التي نشرت عام 1902، التي تحكي عن الانجليزي مارلو الذي يكلف بمهمة خارجية من قبل شركة تجارة بلجيكية، وتمثلت مهمته بصفته كابتن لعبارة نقل في أفريقيا، بنقل العاج على طول نهر الكونغو، غير أنه يتلقى أمرا طارئا بإعادة تاجر العاج كورتز ذو الشخصية الغامضة إلى المدينة بصورة سرية والذي يموت على ظهر مركبه.


من الكتاب البارزين في هذه المرحلة أيضا، البريطاني مونتاغ رودس جيمس (1890 ـ 1937) الذي احتل مكانة مرموقة في عالم الأدب واشتهر بقصصه عن الأشباح، والأميركي هوارد فيليبس لوفكرافت (1890ـ 1937) الذي وصف بأيقونة الرعب الخالدة، فقد تميز بمواضيع قصصة الغرائبية التي تجمع بين تصعيد الأحداث والمنطق في حكايات الرعب التقليدية، ولاحقا الخيال العلمي.


وذكر لوفكرافت مرتبط ببطل قصته (المدينة التي لا اسم لها)، الشاعر اليمني المجنون عبدالله الحظرد الذي يقابل على الشاطيء الكائنات القديمة التي كانت من الزواحف والتي بنت مدينتها قبل وجود البشرية، ومنهم يتعلم قراءة كتاب النيكرونوميكون الذي يساعده على الاتصال بعوالم أخرى. وقد أثرت مدرسة لوفكرافت على الكثيرين وعلى رأسهم الكاتب ستيفين كينغ، الذي قال عنه لوكرافت أنه (أعظم من كتب عن الرعب في القرن العشرين).


وقد ازدهر هذا الأدب عام 1929 مع حالة الركود الاقتصادي، حيث استقطب المذياع اهتمام الجميع خاصة قصص الرعب التي كانت تأخذهم بعيداً عن واقع همومهم ومشاكلهم، وهكذا تحولت القصص والروايات إلى مسلسلات إذاعية شيقة، لتتبنى السينما بعد ذلك روائع ما كتب في أدب الرعب وتحولها إلى أفلام ساهمت في إحياء وخلود هذا الفن.


في الخمسينات، أدهش الكاتب البريطاني ويليام غولدينغ (1911- 1993) القراء والنقاد بروايته (أمير الذباب) 1954، التي تتمحور حول وحشية الإنسان الكاسرة إن لم تشذبه الظروف المحيطة. المؤلم في العمل أن أبطال الرواية، مجرد مجموعة من تلاميذ مدرسة داخلية من صغار السن، حيث يجدون أنفسهم على جزيرة بعد تحطم الطائرة التي كانت تقلهم، وفي ظل غياب المدنية يتوحش بعض الأطفال بطريقة تثير رعب القراء وفزعهم.


وتألق في النصف الأخير من القرن العشرين، اسم الكاتب الأميركي ستيفن كينغ (1947) الذي طور هذا الجنس الأدبي في السبعينات وحتى التسعينات، وقصصه المتميزة بذكاء فريد، أقنعت وشدت شريحة واسعة من القراء، وحاز نتيجة ذلك على جائزة مؤسسة الولايات المتحدة للكتاب الوطني عام 2003.


في ظل كينغ، برز مجموعة من الكتاب أيضا منهم، الكاتب الأميركي دين كونتز (1945) الذي ترجمت أعماله إلى 38 لغة ويباع من كتبه في العام الواحد ما يزيد عن 17 مليون نسخة، والكاتب البريطاني رامزي كامبل (1946) الذي برع في القصص القصيرة والرواية على حد سواء ونال العديد من الجوائز في أدب الرعب، ومن أشهر رواياته «تكشيرة الظلام».


أدب دراكولا


اعتبر دراكولا أو مصاص الدماء، أو الكونت دراكولا ملهما للكتاب في كل زمان ومكان، ويصل عدد الكتب الأكثر مبيعا في هذا الإطار إلى ما يزيد عن 18 كتابا من ضمنها رواية «دراكولا» الأولى لبرام ستوكر، إلى «مقابلة مع دراكولا» لآن رايس، ورواية «فلاد دراكولا: الأمير التنين» لمايكل أوغستين، و«مجمع سالم» لستيفن كينغ.


هوية أدب الرعب


احتل أدب الرعب مكانته في عالم الأدب، وأسست العديد من المجلات والمطبوعات الدورية التي تعنى بهذا الأدب، وخصصت العديد من الجوائز المرموقة منها، (جائزة برام ستوكر) التي تأسست عام 1987 وتمنح سنويا لتسع فئات في أدب الواقع والخيال من الرواية والقصيدة إلى مسيرة الإنجاز، وجائزة جمعية «انترناشيونال هورور غيلد» التي تقدم سنويا في إطار مسيرة الانجاز فتأسست عام 1995، وجائزة «جمعية كتاب الرعب الاستراليين» السنوية التي تأسست عام 2005


آخر المطاف


يُجمع نقاد أدب الرعب المعاصرين أن أدب الرعب فقد هويته في القرن العشرين، وتحول من إشاعة أجواء الخوف والتوتر خلال الأحداث التي يواجهها أبطال أي عمل، إلى الاعتماد على المشاهد العنيفة من قتل وإراقة دماء وتنكيل بالجثث وغير ذلك. وقد عزز هذا التحول كل من الناشرين والفن السابع. أما الكتاّب الذين حافظو على هوية هذا الأدب فأعمالهم لا تتربع على قائمة الكتب الأكثر مبيعا.


رشا المالح



مقابلة مع التشكيلي الأستاذ الياس زيات

2009-06-28 01:47:56 UAE
فن
الياس زيات: تجربة الفنان العربي تنقصها المعرفة والوعي




الياس الزيات من أبرز الأسماء التشكيلية في سوريا خلال النصف الثاني من القرن الماضي. تبلور مساره الفني والثقافي في أعمال فنية إبداعية لها خصوصيتها، تجمع بين العفوية والبساطة في التكوين، وبين العمق في الرؤيا المعاصرة المستمدة من أحداث التاريخ، وبين جماليات الألوان. ومن عالم الأيقونات (اللوحات الفنية ذات المواضيع الدينية)، انتقل بتجربته إلى الدائرة الأوسع للفن المستوحى من بلاد سوريا الكبرى، حيث تتجلى في أعماله رموزه الفنية المستقاة من التاريخ القديم لسوريا وحتى ما بعد انتشار الإسلام.




يعتبر البروفيسور الزيات من رواد الفن الذين اختاروا أن يكون لهم في مجتمعهم وبلدهم دور في الإبداع والإنتاج. ومن حصيلة مساهماته، مشاركته في تأسيس كلية الفنون الجميلة في دمشق عام 1960، بالتعاون مع كبار فناني جيله، كفاتح المدرس ومحمود حماد ونذير نبعه ونصير شورى وعبدالقادر أرناؤوط وطارق شريف وممدوح قشلان. كعهد الفنانين المبدعين الذي وجدوا عبر تراكم تجاربهم الفنية مسارهم الخاص ورؤيتهم الفنية المتفردة سواء للحياة أو الفن، وجد الزيات مساره الفني المتمثل في فن الأيقونة وترميمها. كان مسارا حافلا بالبحث والدراسات وتاريخ الفن والآثار والحضارات وأعمال الترميم. في معرضه الأخير في دبي في غاليري «بو زار«، التقت «مسارات» بالفنان الياس الزيات، وتحاورت معه حول تجربته الفنية التي امتدت لما يقارب من 50 عاما، وارتباط فنه بالتاريخ، وعن رؤيته الشخصية لحركة الفن المعاصر في المرحلة الحالية.




البداية... قال الزيات حول بدايات تجربته الفنية، «في سوريا تعلمت الفن على يد أستاذي الفنان ميشيل كرشه رائد الانطباعية في سوريا، ثم درست الفن في بلغاريا ومصر وهنغاريا. ما علمتني إياه الأكاديمية هو قواعد الفن والتكنيك. كنت محظوظا لكوني تتلمذت على أيدي أساتذة تتلمذوا بدورهم عند كبار رواد الفن الواقعي في ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر. أما معرفتي بروح الفن فكانت من خلال زياراتي للمتاحف في مختلف بلدان العالم». وأوضح أنه بعد عودته إلى سوريا في الستينات ومشاركته في تأسيس كلية الفنون الجميلة، استأثر تاريخ فن التصوير والنحت لبلاد الشام باهتمامه. وشكلت معرفته ودراسته لهذا التاريخ نقطة انطلاق مساره الفني والمعرفي. ومع مرور الزمن انعكست ثقافته على أعماله الفنية، وقدم حصيلة دراساته وأبحاثه، عبر محاضرات وندوات.




بين المعاصرة والتاريخ... مر الفنان زيات بعدة مراحل فنية لخصها بقوله: «بعد امتلاكي لقواعد الفن من خلال دراستي في أكاديمية الفنون التشكيلية في بلغاريا، بدأت بتجربة الفن المعاصر لمرحلة ما بعد المدرسة الانطباعية. كنت أتعرف من خلالها على فن ماتيس وبيكاسو وغيرهم. وانتقلت بعدها إلى الفن التجريدي الذي لم أتوقف عنده طويلا». ويقول عن أسباب وقفته القصيرة في محطة التجريد: «الشكل الإنساني يعنيني كثيرا خاصة في السبعينات، إذ كانت تسكن جيلنا روح النضال القومي وكنا متحمسين للقضية الفلسطينية، لذا كان لا بد لنا من العودة إلى الشكل الإنساني». «أفادتني تجربة الفن التجريدي تقنيا. فهذا الفن مدرسة مهمة لمعرفة لغة التشكيل المتمثلة في التكوين والألوان بصرف النظر عما يعنيه الموضوع». أما المرحلة التالية فبدأت مع اهتمامه بتاريخ بلدان الشام وعنها أوضح، «لم أعد أنسب الجماليات لمعايير جمال الفن الغربي. بت أفهم جماليات فنوننا القديمة المنعكسة في الرسم والنحت الجداري والخط العربي. وبدأت برسم ملامح من فنوننا القديمة التي تميل أكثر إلى التعبيرية، التي تشبعت بها وباتت جزءا مني. فبدلا من رسمي لرأس الإنسان وفق جماليات الفن الغربي بنسبة 1 إلى 8، بت أرسمه بنسبة 1 إلى 5 أي أن الرأس أكبر كثيرا من الجسد».


ويضيف قائلا، « بت، بعد تعمقي في تاريخ فنون الخط العربي، أتذوق جماليات الخط في مرحلة العباسيين لفنانين كابن مقله وابن البواب وأراها أجمل وأهم من مدارس الخط العثماني وقواعده، وذلك لحرية الفنان العباسي في تعامله مع الحرف وتشكيلاته الفنية».


جدير بالذكر أن الزيات تحدث بإسهاب عن تاريخ فن الصورة العربية في بلاد الشام من خلال محاضرته التي سبقت افتتاح المعرض، والتي قدمها في مبنى أكاديمية «فينشينغ تاتش» في قرية المعرفة بدبي.


تاريخ الصورة


ألقى الزيات الضوء في محاضرته «ملامح من تاريخ الصورة في سوريا» ، على تاريخ التصوير في سوريا الكبرى من مرحلة ما قبل الميلاد في عهد الحضارة الآشورية والبابلية، إلى التاريخ المعاصر مرورا بالعصرين الأموي والعباسي.


كما تحدث عن الفن السرياني والإسلامي في الشام، وخصوصية فن المنطقة الناتج عنهما من خلال استعراض لوحات أثرية في كل من المعابد مثل اللوحات الجدارية المرسومة على الأضرحة في تدمر والتي جسدت الأساطير، والأديرة والمساجد الغنية بتاريخ الفن الإسلامي والأيقونات، كدير مار موسى والمسجد الأموي وغيرهما. لينتقل بعدها إلى خصوصية الفن المعاصر عبر تاريخ الأعمال الفنية المعروضة في المتحف الوطني بدمشق.


الفنان المعاصر العربي


بلا تردد أجاب لدى سؤاله عن انطباعه بشأن حركة الفن العربي المعاصر في المرحلة الراهنة، «لا شك أن الفن عندنا يشهد مرحلة متطورة مهمة. لكن ما ينقص فنانينا الشباب امتلاكهم للوعي الفكري والثقافي والاجتماعي. فإن سألت الشباب الفنانين في سوريا على سبيل المثال، من هو محمود حماد؟ (فنان سوري كبير شارك في تأسيس حركة الفن المعاصر في سوريا) لأجاب عدد كبير أنه ربما فنان مصري وهكذا».


ويتابع، «الفنان العربي يحتاج إلى العمق الذي يكتسبه من معرفة تاريخ بلاده والتأمل في واقعها. على الفنان بحد أدنى أن يعرف تاريخ بلده والحضارات التي عاشت وفنيت في أرضه، وتفاعلها مع الحضارات الأخرى».


كيف نفهم الفن المعاصر


قال الزيات إنه يسهل على المشاهد أن يحب ويتذوق الفن الكلاسيكي لكونه يصور الواقع برؤيا مباشرة. أما في الفن المعاصر فقد انكفأ الفنان على ذاته خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وبات يصور تعبيراته وانفعالاته الخاصة، لذا بات من الصعب على الناس فهمه.


وأوضح ذلك بقوله، «ليس في الفن ما هو جميل أو قبيح. في الفن واقع على الناقد أو الفنان أو المشاهد أن يتعرف عليه. ولكي نعرف الفن علينا أن نقرأ ما كتبه الفنان. نحن بحاجة لأن نقرأ ما قاله عن نفسه. فقراءتي لكتابات الفنان ماتيس أو كاندينسكي ساعدتني على فهمهما أكثر. الفن بحاجة لمتابعة كالموسيقى الكلاسيكية، إذ لن يحبها من لم يألف سماعها على مدى زمني ليس بالقصير.


الفن المعاصر والاستسهال


لدى سؤاله عن العوامل التي تساعد على استسهال الفن وتحويله إلى سلعة تجارية، قال إن الصالات الفنية والترويج للفنان يلعبان دورا كبيرا خاصة مع غياب دور الناقد الفني الموضوعي.


وعقب على ذلك بقوله، «مازال الناقد العربي المتواجد حاليا، إما يرفع الفنان أو يحطمه». ويُرجع سبب الغياب الطويل للناقد إلى عدم اهتمام المؤسسات الثقافية والفنية بهذا الجانب. وأشار إلى أن عدد النقاد الحقيقيين في العالم العربي يعد على الأصابع.


منابع الوحي


غالبا ما يستوحي الزيات مواضيع لوحاته من عبق التاريخ، ليعكس من خلالها الواقع المعاصر للحياة. ويتجلى ذلك في لوحات معرضه الأخير الذي أقامه في دبي، فمن قصيدة جبران خليل جبران «العطاء» استوحى موضوع لوحته بذات العنوان. ومن قصة يحيى استوحى موضوع لوحته «التطواف (هامة يحيى تطوف دجلة)».


الفنان


في سطور


ـ ولد إلياس الزيات في دمشق عام 1935


ـ درس على يد الفنان السوري ميشيل كرشه من عام 1952 إلى عام 1955


ـ تخرج عام 1960 من أكاديمية صوفيا للفنون الجميلة.


ـ تابع دراساته العليا عام 1961 في مصر.


ـ 1973 ؟ 1974 تخصص في ترميم الفنون في هنغاريا


ـ 1980 حصل على مرتبة أستاذ/بروفيسور في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق بعد تدريسه لم يقارب من عشرين عاما.


ـ تبلورت رؤيته الفنية بعد دراسته الأكاديمية في بلغاريا ومصر وهنغاريا واطلاعه على الأعمال الفنية في كثير من المتاحف العالمية، ومن ثم دراسته لتراث الفن القديم في المتاحف السورية.


ـ شارك في عضوية الكثير من الأنشطة والبعثات الفنية والتاريخية والثقافية، آخرها عضويته في لجنة دمشق عاصمة الثقافة عام 2008.


ـ كتب ونشر دراسات في تاريخ الفن الإسلامي والمسيحي في بلاد الشام والنقد الفني.


قراءة في لوحة


في لوحته «التطواف (هامة يحيى تطوف دجلة)» التي رسمها بالألوان المائية بمساحة 57 x سم، يصور قصة يحيى ابن الرسول زكريا. وقال في قراءتها، «أردت التعبير من خلال تخيلي رأس يحيى الذي قطع طافيا على نهر دجلة في مركب شراعي، كم الرؤوس التي قطعت وطافت على نهر دجلة في المرحلة الأخيرة من تاريخنا. واختياري للألوان المائية لكونها تحمل في شفافيتها موسيقى وشعراً».


رشا المالح


الثلاثاء، 15 يونيو 2010

اشهر الافتتاحيات الادبية في التاريخ

اشهر الافتتاحيات الادبية في التاريخ




هناك في عالم الأدب مجموعة كبيرة من الروايات الخالدة، التي اعتبرت مع تقادم الزمن من الأعمال الكلاسيكية الخالدة، وما يجمع بين هذه الأعمال أو ما يميزها، هو موضوعها الإنساني العميق، وتعدد أبعاد شخصياتها والظروف ومساحة الاستقراء، وعدم ارتباطها بزمن محدد، واكتشاف الذات ومدى عمق تأثيرها.




باختصار يعتمد نجاح الرواية الأدبية على مدى ارتقاء العمل على الصعيد الفكري والروحي، والذي يتجاوز مفهوم تسلية القارئ ليصل إلى ترك أثر أو إحداث تغيير ما، مهما كان بسيطا، سواء على صعيد رؤية القارئ لذاته أو لآلية التفكير، مع المعطيات المحيطة به.ومن أهم محاور كتابة الروايات التي خلدها التاريخ، هو الجملة الأولى التي تهيئ أجواء القصة وحركتها، وهي بمثابة بانوراما تسعى إلى جذب اهتمام القارئ والاستئثار بفضوله. وتتناول جملة الافتتاحية أو الفقرة الأولى عادة، مشهدا ما، إن كانت الرواية تتمحور حول أحداث تاريخية، أو ما يرتبط بالشخصية الرئيسية في العمل. وقد حققت مجموعة من الافتتاحيات في أدب الرواية الكلاسيكية، شهرة بحد ذاتها، سواء للدلالات التي تحملها أو لمدخلها الجريء والإبداعي. وفي ما يلي مجموعة من الأمثلة لكتاب كبار خلد التاريخ أعمالهم في الأدب الغربي:




(في مكان ما في لا مانشا، في منطقة لا يعني تذكرها،عاش قبل زمن طويل رجل نبيل، من هؤلاء الذين لديهم رمح ودرع مركونان على الرف، مع فرس هزيل وكلب سباق). هكذا كتب الروائي الاسباني ميغيل دي سيرفانتس في افتتاحية روايته الشهيرة (دون كيخوته)، التي نشر الجزء الأول منها في عام 1605م والجزء الثاني في عام 1615م.(نادني إسماعيل)،هي الجملة الأولى في رواية «موبي ديك»، التي نشرت في العام 1851م، للروائي الأميركي هيرمان ميلفيل (1819 - 1891م)، ومن عوامل شهرة افتتاحيته تواصل الراوي المباشر والبعيد عن التكلف مع القارئ. علماً أن هذا الاسم لا يكرر في الرواية على الإطلاق، وإسماعيل هو البحار الذي يعمل على متن سفينة لصيد الحيتان بقيادة الكابتن أهاب الذي يبحث عن الحوت الأبيض (موبي ديك)، بهدف الانتقام منه بسبب تحطيمه لسفينته، وجزء من ساقه.


إن جملة (إنها حقيقة معروفة في كل الكون، أن الرجل الأعزب الذي بحوزته ثروة جيدة، يبحث من كل بد عن زوجة )، هي ما تمثل افتتاحية رواية (كبرياء وتحامل)، التي نشرت في العام 1813م، للروائية الانجليزية جين أوستن (1775م - 1817م). وتتميز هذه الجملة بانفتاحها على عدة تساؤلات، ومنها: هل كان الناس يفكرون هكذا في ذلك الزمن؟ وهل هي جادة أم تستخدم أسلوب التهكم؟ أم هي تعبير عن وضع اجتماعي معين؟


هذا التصريح يحتمل الكثير من التأويلات، خاصة وأن الرواية كتبت خلال فترة الحرب بين انجلترا وفرنسا، والتي بدأت في العام 1803م واستمرت حتى 1814م، فحصدت عددا كبيرا من الرجال، ما أدى إلى خلل في تركيبة المجتمع، وبذا بات الرجل الأعزب الذي يملك دخلاً، بمثابة فرصة لا بد من اقتناصها.


وتعتبر افتتاحية رواية (آنا كارنينا)، التي نشرت في العام 1873م، للأديب الروسي ليف تولستوي (1828م - 1910م): (كل العائلات السعيدة متشابهة، لكن تعاسة كل عائلة من نوع مختلف)، تعتبر من أشهر افتتاحيات أعمال تولستوي الخالدة، وهي تعطي القارئ لمحة عن محتوى مضمون الرواية بأكملها، حيث يتتبع تولستوي قصص حياة ثلاثة أزواج، بأفراحهم وأتراحهم.


وفي خصوص الروائي البريطاني تشارلز ديكنز (1812 -1870م) هناك افتتاحية روايته (قصة مدينتين)، التي نشرت في العام 1859م: (كانت أفضل الأوقات وأسوأ الأزمان.


كانت عهد الحكمة والحماقة، وذروة الإيمان وقمة التشكك، وموسم الضياء والظلام، وربيع الأمل وشتاء اليأس).


حيث يلخص ديكنز في افتتاحيته ماهية التناقضات التي كانت تعيشها مدينة باريس، قبل وإبان الثورة الفرنسية، وتبدأ أحداث الرواية في العام 1775م.


في القرن العشرين


(لا بد أن أحدهم افترى على جوزيف كي، لأنه في صباح أحد الأيام، ومن دون أي سبب أو مبرر، تم توقيفه)، افتتاحية رواية (المحاكمة) التي نشرت عام 1925، للروائي التشيكي فرانز كافكا (1883 - 1924)، وتعكس أجواء الرواية النظام السائد، حيث الدولة المتسلطة التي لا يعرف الفرد فيها لماذا يحاكم، أو ما هي جنايته وسبب الحكم عليه بالإعدام؟


وفي افتتاحية رواية (مورفي) التي نشرت في العام 1938م، كتب الأديب الأيرلندي السابق لعصره صموئيل بيكيت (1906م -1989م): (أشرقت الشمس التي ليس أمامها من بديل، على لا شيء جديد).


ولاشك أن وصف أحداث رواية «مورفي» يعني وصف محاولات بطلها مورفي لتفادي حدوث أي شيء، ومحاولات الأطراف الأخرى لحدوث شيء له، لتدور بهذا الأحداث بين لندن ودبلن.


وفي أعمال الروائي الفرنسي ألبير كامو (1913م- 1960م)، اشتهرت افتتاحية روايته «الغريب»: (توفيت أمي اليوم، أو ربما بالأمس لا أدري. فقد تسلّمت البرقية التالية من الوطن: توفيت الوالدة. الجنازة غداً. المخلص لكم. هذا لا يعني أي شيء فربما ما حدث كان بالأمس). إن بدايته تهيء لأجواء الاغتراب، مع شخصية رئيسية لغريب، سواء على صعيد مشاعره أو العالم الخارجي.


ومن كامو إلى الكاتب الروائي والمسرحي غونتر غراس (1927م)، الفائز بجائز نوبل للآداب في عام 1999م، وروايته الشهيرة (طبل التنك) التي نشرها في العام 1959 (المسلم به: أني نزيل في مستشفى للأمراض العقلية ، والمشرف عليّ يراقبني، لا يتركني أغيب عن ناظره أبدا، هناك فتحة صغيرة في الباب، وعين المشرف عليّ، التي تميل إلى البني، لا تستطيع أبداً رؤية ما وراء العينين الزرقاوين، مثلي). افتتاحية كامو هذه تثير مباشرة عدة تساؤلات، لم الراوي في مستشفى خاص بالأمراض العقلية؟ ولم تتم مراقبته عن كثب، وحيث يكتسب لون عينيه الأزرق أهمية؟


ماركيز .. واقعية سحرية


(كان على الكولونيل (أوريليانو بوينديا) أن يتذكر بعد طول السنين، وهو يواجه فرقة الرماة بالرصاص، عصر ذلك اليوم البعيد، عندما صحبه أبوه لاكتشاف الثلج... )، هذه الافتتاحية تلخص أسلوب الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز (1927م)، في الواقعية السحرية وقدرته على التشويق، فهو يجمع بين زمنين في جملة واحدة، وسيخبرنا عن عصر اليوم البعيد، بينما هو، ربما في مواجهة تلك الفرقة، التي تفتح العديد من التساؤلات من فكرة الإعدام إلى دوره العسكري، وما الذي أدى إلى وصوله إلى الموقف الحالي.


كما توحي الجملة بأسلوب الأدب الملحمي في عهد الظلمات والنهضة.ولفتت انتباه النقاد افتتاحية الرواية السادسة للكاتبة البريطانية، فيرجينيا وولف (1882م - 1941م)، والتي تحمل عنوان (أورلاندو)، وتحكي فيها عن سيرته الذاتية التاريخية (أورلاندو)،التي تغطي مساحة 400 عام من الزمن،إذ يغير جنسه من رجل إلى امرأة.


وهي تفتتح روايتها بالجملة التالية: (كان بالتأكيد ليس هناك أي مجال للشك بجنسه على الرغم من أن أزياء ذاك الزمن قامت بتمويهه- يقوم بتقطيع الرأس المغربي المتأرجح من العارضة ).


في الرواية العربية


من الصعب تقصي هذا الجانب في أدب الرواية العربية، حيث تبقى الجهود فردية في هذا الإطار، خاصة وأن بداية الرواية في العالم العربي أتت متأخرة، ومن الرواد الأوائل الذين سبقوا الدكتور محمد حسنين هيكل، في روايته زينب، كل من علي باشا مبارك بروايته (علم الدين) في العام 1882م، وعائشة التيمورية بروايتها (نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال) في العام 1888م، وروايات جرجي زيدان التاريخية، منها (المملوك الشارد) في العام 1891م.


ومن بلاد الشام الكاتب خليل أفندي الخوري،في إصداره لأول لرواية في تاريخ الأدب العربي،حملت عنوان (وي .. إذن لست بإفرنجي)، والتي نشرها في العام 1859م.


وعلى الرغم من مضي قرن ونصف على نشر روايته، إلا أنها لا تزال من أهم الأعمال التي تصور إشكالاتنا المعاصرة بشأن الهوية العربية، وتبعا لعمله فإنه يقول: نريد أن نكون عرباً متمدنين لا إفرنجا غير تامين.


ويتجلى من افتتاحية رواية (زينب) الجمع بين المشهدية والشخصية الرئيسية، (في هاته الساعة من النهار، حين تبدأ الموجودات ترجع لصوابها، ويقطع الصمت المطلق الذي يحكم على قرى الفلاحين طول الليل، أذان المؤذن وصوت الديكة ويقظة الحيوانات جميعا من راحتها، وحين تتلاشى الظلمة ويظهر الصباح رويداً رويداً من وراء الحجب، في هاته الساعة، كانت زينب تتمطى في مرقدها، وترسل في الجو الساكن تنهدات القائم من نومه).


وفي ما يلي نماذج لافتتاحيات من روايات لرواد في أدب الرواية العربية من أزمنة وبلدان مختلفة، وفي مقدمتهم الروائي السوري حنا مينه (1924) الذي بدأ روايته (المرفأ البعيد)، التي نشرت في العام 1986م، بالجملة التالية: (أنا لم أمت في تلك العاصفة أيها البحر. ضاجعت الموت، على فراشك، بحاراً قرشاً، من نسله فرس الماء وعروس البحر). ويتجلى في افتتاحيته عنصر البطولة وصراع البقاء.


ويبدأ الروائي السعودي عبدالرحمن منيف (1933 م - 2004م)، روايته (قصة حب مجوسية)، التي نشرت في العام 1974م: (.. لا أطلب منكم الرحمة، ولا أريد عطفكم. إذا كنتم محسنين فامنحوا صدقاتكم للمتسولين.


أنا لست متسولاً ولا مسكيناً، كما لا أعتبر نفسي لصاً أو قاطع طريق. ومع ذلك فإن لي مشكلة. ومشكلتي .. دون كلمات كبيرة، إن الألم يعتصر قلبي ...).


يعتمد منيف في افتتاحيته هذه على عنصر التشويق وإثارة تساؤلات القارئ حول أسباب الألم الذي يعتصر قلبه، القلب المرتبط دائما بمشاعر الحب.


ومع الروائي الأردني غالب هلسا (1932- 1989م) في روايته (السؤال)، التي نشرها في العام 1979 م، نقرأ: (وقفت زكية أمام باب الشقة مبهورة الأنفاس رغم أنها صعدت في المصعد. دقت الجرس دقة خفيفة وانتظرت. كانت دائماً متأخرة أكثر مما يجب أو مبكرة أكثر مما يجب، حسب مزاج الست). يهيء هلسا في افتتاحيته لأجواء القصة والصراع بين الطبقة البرجوازية والمسحوقة من واقع الحياة اليومية.


وفي رواية (باب الشمس) التي نشرت في العام 1998م، للروائي اللبناني إلياس خوري (1948م) نقرأ: (ماتت أم حسن. رأيت الناس في أزقة المخيّم، وسمعت أصوات البكاء. كان الناس يخرجون من بيوتهم، ينحنون كي يلتقطوا دموعهم ويركضون.


ماتت نبيلة زوجة محمود القاسمي التي كانت أمنّا. كنّا ندعوها «يا أمي»، لأن كل الذين ولدوا في مخيم شاتيلا سقطوا من أحشاء أمهاتهم إلى يديها).


يدرك القارئ من المقدمة مشهدية حدث تاريخي، وهوية الشعب المقيم في المخيم، والجو الاجتماعي المترابط بين سكانه، ليمسك بخيوط الصراع الدرامي للرواية.


غالب هلسا في سطور


ولد الروائي الأردني غالب هلسا، في 18 ديسمبر في عام 1932م، وتوفي في اليوم ذاته في عام 1989 م في دمشق، عن عمر لم يتجاوز السابعة والخمسين عاماً. وعاش متنقلا بين الأردن ومصر ولبنان والعراق وأخيرا سورية.


لعب دوراً بارزاً في الأدب وتأثر به أدباء جيل الستينات في القاهرة، ووقف مع المقاومة في لبنان ضد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1979، ثم رَحَل مع المقاتلين الفلسطينيين على ظهر إحدى البواخر إلى عدن، ومنها إلى إثيوبيا ثم إلى برلين. وأخيراً حطّ به الرحال في دمشق، التي أقام فيها حتى وفاته.


رشا المالح

السبت، 12 يونيو 2010

مقابلة مع الكاتب البريطاني المخضرم مارتن إيميس

2010-06-05 16:17:55 UAE
الروائي البريطاني مارتن إيميس: عدنا إلى الواقعية الاجتماعية




يعتبر الروائي والكاتب مارتن إيميس، واحدا من أهم رموز الأدب البريطاني المعاصر، ومن الذين صنفت كتاباتهم في إطار الأدب الحديث وما بعد الحداثة. وقد نجح مارتن منذ عمر مبكر في الخروج من هالة شهرة والده الأديب السير كينغسلي إيميس، وإثبات وجوده المتفرد في عالم الأدب من خلال أسلوبه الخاص.




وقد اعتقد النقاد بمن فيهم والده، أن النجاح الذي حققته روايته الأولى «أوراق ريتشل» التي نشرها عندما كان عمره 24 عاما لن يدوم طويلا، لكنه خيب ظن الجميع وحققت أعماله اللاحقة نجاحا كبيرا فاق التوقعات.أسوة بأبيه، يثير مارتن بين الحين والآخر زوابع في الإعلام المرئي والمطبوع بآرائه النقدية التي يطرحها، والتي يسعى من خلالها إلى كسر رتابة الفكر التقليدي والمسلمات وتطلب من النقاد والإعلاميين المخضرمين زمنا، لإدراك مضمون تلك الآراء التي يغلب عليها الطابع الاستفزازي والتي لا تعكس في الواقع قناعات إيميس، بقدر ما تفصح عن الفكر المهيمن بشأن موقف أو قضية ما.


أصدر إيميس الذي ولد في 25 أغسطس 1949 حتى الآن، 13 رواية آخرها «الأرملة الحاملة»، وسبع مجموعات قصصية، مع سبعة كتب في الأدب الواقعي إلى جانب الدراسات النقدية والمقالات.


وأثارت كل رواية أصدرها جدلا واسعا بين النقاد، حيث استلهم إيميس مواضيع أعماله من مادة الحياة الخام، وواقع الحياة العبثية لمرحلة ما بعد الحداثة في المجتمع الرأسمالي الغربي وصوره دائما بشكل كاريكاتوري ساخر


وقد شكلت مشاركته في مهرجان طيران الإمارات للآداب مفاجأة كبيرة في الأوساط الأدبية وعند القراء في المنطقة، نظرا لاتساع شهرته ومكانته البارزة في عالم الأدب، وقد غصت القاعة بالحضور خلال ندوته في المهرجان. وبهدف التعرف عن قرب الى تجربته الأدبية، التقت «مسارات» به خلال زيارته الأولى لدبي.


عكس التيار


قال إيميس فيما يتعلق بدوافع مشاركته في المهرجان، «شاركت في المهرجان بدافع الفضول، للتعرف أولا الى مدينة دبي التي تعتبر انجازا استثنائيا على صعيد تطور مدينة في زمن قياسي، ولزيارة دولة إسلامية والتعرف اليها عن قرب.


معرفتي بالعالم العربي محدودة وتنحصر في إجازتين قضيتهما في المغرب وزيارتي العراق ليوم واحد برفقة رئيس الوزراء توني بلير حيث خطب في الجنود البريطانيين في البصرة تحت تهديد القصف، وقد راعني ما شاهدت من دمار مرعب.


أنا دائما ضد الحرب. بالطبع لست مؤهلا للتحدث عن دبي فلم يمضِ على وجودي أكثر من 36 ساعة، وما لقيته حتى الآن كل ترحيب وضيافة».


الأديب المشاكس


ولدى سؤاله إن ألف النقاد والعامة أسلوبه المشاكس قال، (لا تحدث هذه الزوابع إلا في الصحافة والإعلام المرئي البريطاني، وتبلغ حد الهوس. أما في الخارج فأنا مثل أي كاتب آخر). وعن السبب في ذلك قال، (أعتقد أني امتداد واحد لوالدي منذ عام 1920، ربما طول وجودي في الساحة يزعجهم).


أما فيما يتعلق بتصريحاته المرتبطة بالعنصرية ومعاداة الإسلام والانتقادات الحادة التي واجهها بهذا الشأن قال وهو يبتسم بمرارة، (ما يحدث في الأوساط الأدبية والإعلامية تكرار لما جرى في كل زمان ومكان، فهناك عدد من المرتزقة الذي يحاولون البروز وتسلق سلم الشهرة من خلال النيل من أسماء كبيرة.


ذلك ما حدث بشأن تصريحاتي فيما يتعلق بحوادث الإرهاب وارتباطها بالإسلام. فأغلب الصحفيين الذين انتقدوني اقتطعوا جزءاً من جمل تصريحاتي، وبنوا على ما اقتطفوه انتقاداتهم. ومن يرجع إلى التصريحات الكاملة سواء المسجلة أو المدونة سيكتشف تلاعبهم في الكلام).


أما كيف دافع عن نفسه قبالتهم فقال وهو يبتسم بسخرية، (قال الروائي الروسي فلاديمير نابوكوف (1899 ـ 1977): أفكر كعبقري، وأكتب بأسلوب فريد، وأتحدث كأحمق. أما الذين يقتنصون الفرص من الصحفيين فيفكرون بشكل أحمق، وهم كالحواشي الفائضة عن الحاجة).


أدب ما بعد الحداثة


قال إيميس فيما يتعلق برأيه في أدب ما بعد الحداثة وخاصة وأنه أحد روادها البارزين في العالم الأدبي، (انتهت مرحلة أدب ما بعد الحداثة منذ جيل مضى، وعدنا إلى الواقعية الاجتماعية التي من روادها جين أوستن وجورج إليوت وشارلوت برونتي، وأدب المونولوج الداخلي لأناس يعيشون حياة عادية بتفاصيلها والذي برع فيه كل من فيرجينيا وولف (1882 ـ 1941) وجيمس جويس (1882 ـ 1941) ودورثي ريشاردسون (1873 ـ 1957).


وأدب الواقعية الاجتماعية، يتحدث عن العائلة والزواج والموت والولادة وكل ما يرتبط بحياة الإنسان). وتابع، (نحتاج في حياتنا لأدب الخيال سواء للراحة أو المتعة والفهم).


إيميس الروائي


في إطار آلية عمله الروائي، ابتداء من اختيار موضوع الرواية وحتى انجازها قال، (أنا لا أختار مواضيع أعمالي، فهي تختارني ولا أعرف كيف فهذا الأمر غامض ومرهون بالعقل الباطن.


يتضح هذا الأمر من قصة نابوكوف حيث قال انه استلهم موضوع روايته الشهيرة «لوليتا» قبل عام من كتابتها، حينما شاهد قردا صغيرا تم تعليمه الرسم، قد رسم أول ما رسم لدهشة الجميع قضبان قفصه. هذا المشهد الذي أثار رعب نابوكوف، ألهمه موضوع القصة التي يفترض أن لا صلة لها بهذه الحادثة.


(الروائيون وحدهم يعرفون أن ما يأتي به عقلهم الباطن أمر غامض وغير متوقع أو مدروس. أبداً لم أقرر كتابة رواية، فهي تأتيني بزاوية غريبة تدفعني للكتابة عن شخصيات لها عالمها، وهي نابعة من الحالة التي تسبق الاستغراق في النوم والإدراك الواعي بعد اليقظة. منها أستلهم روايتي أو المادة الخام لعملي، أي أبدأ بما هو غير عقلاني أو واع).


ويتابع بأول ومضة من الحماس، (كما حاول العديد من الكتاب استلهام أعمالهم من الأحلام وقاموا بنقلها إلى الواقع، لكن هذا الأمر في غاية الخطورة وغالبا ما ينتهي بالفشل. مثل محاولة جيمس جويس في كتابته لرواية «يقظة فينيغان» التي منيت بفشل ذريع، وإن كانت محاولته تنم عن شجاعة مدهشة.


في هذا الإطار، كتب يوليسوس عن عالم النهار وجويس عن عالم الليل والأحلام. يقول الأديب الأميركي هنري جيمس (سارد الحلم يفقد قارئه)، لذا على الروائي ترويض عالم الحلم لجعله حلما كونيا).


الروائي طموح وقلق


بالانتقال إلى الصعوبات التي يواجهها خلال كتابة الرواية قال، (يعيش الروائيون حياة كلها قلق وطموح. الطموح لكتابة شيء خلاق، والقلق من الفشل. أبلغ من وصف هذه الحالة هو الشاعر البريطاني كيث دوغلاس (1922 ـ 1944) والتي سماها (المقدرة السلبية)، أي القدرة على الإبحار في حالة الشك.


وعلى صعيد مواجهة الكاتب لصعوبات في الحبكة فمن السهل إيجاد بدائل لحلها، أما كيف تجعل الشخصية حية على الصفحات فهو أمر غامض تماما، ويعتمد بجزء كبير منه على الموهبة، وهي هبة بحد ذاتها).


المرأة الحامل


استغرق إيميس في كتابة روايته المرأة الحامل 8 سنوات وقال عنها، «السبب في هذا التأخير هو الصعوبات التي واجهتها لدى كتابتي لها. كنت في البداية أرغب في كتابة سيرة ذاتية، وبعد أسبوعين شعرت بجمود الشخصيات وعدم قدرتي على إكسابها الحياة عبر الكتابة، وهكذا توقفت يائسا.


بعد مضي زمن أدركت عبثية فكرة السيرة الذاتية، وفصلت الرواية إلى روايتين، إحداهما كانت «الأرملة الحامل» وأبطالها ثلاث شخصيات حقيقية قد فارقت الحياة على أرض الواقع بمن فيهم أختي الكبرى بينهم. وتضم الصفحات الأربعمئة الأولى أحداث الرواية، أما الجزء الأخير منها الذي يحمل عنوان (حياة)، فيحكي عما حدث لهم لاحقا في الواقع».


الكاتب يفاجئ نفسه


وصف إيميس الحالات التي فاجأ نفسه بها خلال عملية الكتابة قائلا، «أهم هذه المفاجآت التي ناقشتها كثيرا مع والدي، دور العقل الباطن في ترتيب العديد من الأمور دون وعي مسبق من الكاتب. فعلى سبيل المثال أضع في بداية العمل بعض الشخصيات الثانوية التي تقوم بتوصيل رسالة ما أو الكشف عن جانب ما، غير أني أكتشف خلال العمل أن هذه الشخصية تلعب لاحقا دورا جوهريا في الحبكة.


هذا يعني أن العقل الباطن قد رتب أمورا لم أعتقد أني بحاجة إليها في البداية. ومن المفاجآت الأخرى، تحويل التركيز فجأة إلى محور آخر مما يجعل كتابة الرواية في غاية السلاسة، بعد استعصائها لزمن طويل. هذه الاكتشافات في منتهى الروعة ولا يعرفها سوى الروائيون).


ويتابع أخيرا بقدر جديد من الحماس، (هذا ما حدث معي مؤخرا خلال محاولاتي كتابة روايتي الجديدة عن (الغولاك). لم أعرف في البداية لماذا يحكي البطل قصة حياته والهدف من ذلك، ثم أدركت أن عليه أن يرويها لتلك الشخصية التي اعتبرتها في البداية ثانوية وعلى الهامش، وهي الطفلة فينوس ابنة زوجته الأفريقية الأميركية البالغة من العمر ست سنوات. وهكذا وجدت الدافع عنده، ومعه تدفق السرد، لتصبح الرواية رسالة طويلة تبدأ بقوله: عزيزتي فينوس، وتنتهي بجملة (مع حب زوج أمك).


نهاية المطاف


في الختام قال لدى سؤاله عن رؤيته لحصيلة حياته كروائي ناجح مخضرم، (الحياة كالقناع التراجيدي في المسرح حيث يبدأ الإنسان حياة سعيدة ثم ينتهي بتراجيديا العمر. الواقع ليس كما صورته جين أوستن وشكسبير وغيرهما حيث يبدأ بتراجيديا وينتهي بخاتمة سعيدة. الحياة مأساة وكما قال ستالين: موت واحد مأساة أما الموت الجماعي فإحصائية. الموت هو النهاية).


تصريحه المتشائم فرض سؤالا جديدا أجاب عنه قائلا، (بالتأكيد أشعر بالرضا لما قدمته من نتاج أدبي، وأمنيتي أن أُقرأ وأُذكر بعد موتي. بحث الإنسان عن الخلود حقيقة لا لبس فيها. وحالة الإبداع سواء في الأدب والفن، مثل حاجة الإنسان لإنجاب الأولاد التي تشكل استمرارية لجيناته في الحياة. جل ما أتمناه أن أُقرأ وأُذكر بعد موتي بعشرين عاما).


إيميس في سطور


* ولد مارتن إيميس في جنوب ويلز في عام 1949


*ابن الأديب الشهير كينغسلي إيميس


* تخرج في كلية إكستر من أوكسفورد


* عمل في الصحافة كمحرر عندما كان عمره 27 عاما


* عاش في أورغواي لمدة عام وعاد لموطنه عام 2006


* يعمل منذ عام 2007 كأستاذ في جامعة مانشستر ويدرس الكتابة الإبداعية.


رشا المالح




مقابلة مع الروائية أهداف سويف

2010-05-23 00:08:16 UAE
أدب
أهداف سويف:أكتب أدب الخيال بالانجليزية والنص الواقعي بالعربية




تعد أهداف سويف إحدى أبرز الأديبات العربيات اللواتي استثمرن شهرتهن في روض الإبداع والفكر، لخدمة القضية الفلسطينية، إذ حققت مع هذا الالتزام الصادق، والمترجم بزخم لافت، نجاحا نوعيا على الصعيد الإنساني العالمي والعربي في آن معا، فبقي معه بريق انتمائها العربي متأصلا وطاغيا، يوجه دفة ومنحى عطائها، على الرغم من قضائها معظم حياتها في الغرب، وما أملاه هذا من ضرورات صبغت شكل إبداعها، فخرجت معها مفرداته بثوب الكتابات باللغة الانجليزية.




أديبة عربية النشأة والانتماء وظفت خلفيتها هذه لتمضي تضيء وتشرق بهذه اللاءات والمعالم في قلب الساحة الفكرية في الغرب، حيث تقيم، وهي لم تكتف في خضم ذلك بمستوى عادي للنجاح، بل تابعت مشوار تميزها نحو المزيد من الارتقاء، فحققت شهرتها هناك عبر مجموعة من الأعمال الأدبية ذات التصنيف الرفيع، ونافست بها على أعرق وأهم الجوائز. وبالتأكيد فإننا نلمس مدى تميزها بدءًا من مجموعتها القصصية القصيرة «عائشة»، وانتهاء بروايتها «خارطة الحب» المنشورة في عام 1999، والتي وصلت إلى القائمة القصيرة المرشحة لجائزة بوكر للرواية، المصنفة من بين ألمع الجوائز الأدبية في العالم.


لا شك في أن سويف المبدعة الفريدة، لا تنفك تغني ألوان نتاجها بذخر فكري عال، وبقصدية عميقة محكمة، وهذا بشهادة العديد من النقاد، فهي أول من كتب عن الجانب الاجتماعي لوجود الاستعمار البريطاني في مصر، كما أنها أول من نظم مهرجاناً للأدب الفلسطيني في فلسطين المحتلة، حيث يستضيف كتابا بارزين (عرباً وأجانب).


يمتد ويتسع الحوار مع سويف إلى آفاق متعددة ومتشعبة، لكننا اخترنا أن تكون محطة البدء مع «مهرجان الأدب الفلسطيني»، لاقتراب موعده ( شهر مايو المقبل)، لنتعرف عن كثب إلى دورها في دعمه، وماهية نبوغ ونضوج فكرة إنشائه لديها:


زرت فلسطين مرتين، والزيارة الأولى في العام 2000، وكان هذا في سياق حاجتين، أولاهما لتكليف من صحيفة «الغارديان»، بينما أتت الزيارة الثانية في العام 2003 بصفتي كاتبة، وقد تلمست خلال الزيارتين مدى إصرار المجتمع الفلسطيني على الاستمرار في العيش وفق نمط حياة طبيعية، تمثل الثقافة جزءًا جوهريا فيها وطبعا هذا واضح بجلاء أمام الجميع، كون هذا الشعب يبرهن على تلك الحقيقة في كل يوم، وحتى مع شدة المحن، ففي غزة خلال العام الماضي وبعد القصف مباشرة، سرعان ما عاد الأطفال إلى مدارسهم بزيهم المدرسي النظيف والمرتب، غير سامحين للدمار المحيق ببيوتهم وللقتل الممنهج المطوق لهم ولأهاليهم، أن يعيق إرادة الحياة والعلم لديهم.


فعلاً إنه شعب قوي جسور، واللافت هو ذاك الثبات والكم القوي من الإصرار الثقافي والعلمي لديه، وهو ما نراه متجسدا في كل لحظة من خلال الدراسة والمعارض الفنية والتظاهرات الثقافية بأنواعها في فلسطين، هذا برأيي من صميم مقاومتهم التي تأبى إلا أن تواجه الظروف اليومية التي يفرضها الاحتلال عليهم، بهدف محو هويتهم وثقافتهم.


إن فكرة هذا المهرجان، اختمرت ورسخت وانصقلت لدي، انطلاقا من هذه القاعدة المثبتة على ارض الواقع، ليكون بمثابة دور ما في المساهمة في هذه المقاومة، كونه يشمل نشاطات أدبية تجمع مبدعي الغرب الكبار مع المبدعين الفلسطينيين، وهذا سواء في الشعر أو الموسيقى أو الأدب، وبذا فإننا نحمل إليهم في نهاية المطاف(الفلسطينيين)، مضمون رسالتنا التي تقول: «نحن أتينا إليكم بصفتكم جزءًا من ثقافة العالم».


وهذا طبعا إلى جانب المردود الخصب لدعوة هؤلاء المبرزين من أدباء العالم ليتفاعلوا مباشرة مع الفلسطينيين على الواقع، ضمن إطار فعاليات ثقافية تدوم ستة أيام، حيث يعايشون أثناءها مجريات الواقع اليومي وأشكال المعاناة، وهذا فعليا، ما سيترك أثرا كبيرا في نفوسهم، ولا بد أن يتجلى في أعمالهم وكتاباتهم، عاجلا أم آجلا.


إيقاع


إن أكثر ما يشدنا في حديث سويف حول برنامج عمل ومضامين المهرجان، هو ذاك النهج المخطط والمدروس في توجيه ووضع رؤاه وتصوراته وأهدافه:


انطلق المهرجان في شهر مايو عام 2007، وشارك فيه وقتها ما يزيد على الـ 15 كاتبا، إضافة إلى بعض المسؤولين المتنفذين في الإعلام والمجال الثقافي، والذين ينظمون المهرجانات الأدبية والفنية، وغيرهم. وينقسم برنامج المهرجان على مدار أيامه الستة، إلى فترة صباحية ومسائية، وتكرس فترة الصباح فيه للجامعات، متجسدة في جلسات وورش عمل، أما فترة المساء، فهي مخصصة لإقامة الندوات الأدبية للجمهور، وذلك بمشاركة أدباء فلسطينيين.


من يدعم المهرجان؟


مؤكد أن هذا المهرجان يحتاج ميزانيات كبيرة، وهذه العملية ليست بالسهلة طبقا لعديد من الاعتبارات، وخصوصا بالنسبة لوضع سويف التي تقيم وتعيش في الغرب.


لكن المميز أنها لم تستسلم لهذا، فأبت إلا أن تكابد وتحاول، ليثمر هذا نجاحا حيويا، فكيف حصل ذلك، وما هي مصادر الدعم؟:


قبل عامين ونصف العام ، سجلنا، أنا وخمس صديقات، على ترخيص لجمعية خيرية في بريطانيا، وهي تعنى بالجانب الثقافي في فلسطين، وخاصة في المناطق التي لا يتاح فيها تنظيم وإقامة مثل هذا النوع من التواصل.


وفي ما يخص جانب التمويل، حرصت شخصيا على أن أولي قضية التفرغ لجمع التبرعات لهذا الغرض، نسبة كبيرة وغالبة من وقتي وأعمالي، وهي تبلغ 60 بالمئة من وقتي الخاص في كل عام، وهكذا توفر لدينا الدعم من قبل جهات عديدة، وعبر مبالغ مالية صغيرة منفردة، لكنها شكلت قاعدة جيدة بمجموعها: عشرة آلاف دولار من هنا، وخمسة من هناك...


كما تلقينا دعما من مؤسسات تعنى بالثقافة، كالمجلس البريطاني، واليونسكو، والصندوق العربي للثقافة والفنون في الأردن، علاوة على تبرعات من رجال أعمال، من أصل فلسطيني، ومنهم رنا صادق، التي دعمت مؤخرا، الجناح الفلسطيني في بينالي البندقية.


وبالنسبة لدورة العام الحالي، استطعنا في مطلع شهر مارس من العام الحالي، جمع الميزانية المطلوبة، ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن دورة المهرجان في هذا العام، ستكون مميزة ومتطورة، فلدينا خطط نوعية لاستقطاب زيارات ومشاركة الجامعات من داخل فلسطين، كجامعتي نابلس والقدس، وستتوفر تغطية إعلامية رائدة، يقدمها بالتطوع، مكتب علاقات عامة في بريطانيا، كما أن معظم الكتاب الذين يشاركون في المهرجان، متعاقدون مسبقا مع بعض المطبوعات لنشر مقالاتهم.


وختمت سويف حديثها في هذا الصدد: المثير للاهتمام أن ثلاثة من أشهر الكتاب الذين يتهافت الإعلام المطبوع لنشر أي من مقالاتهم، كانوا ووجهوا لأول مرة بالرفض وعدم قبول ما كتبوه، لأنه يناصر القضية الفلسطينية، وكانت الأعذار مختلفة، وإن نشرت فالتعديلات لا تعد ولا تحصى. هذا الأمر كان بمثابة مفاجأة كبيرة لهم، مما دفعهم لإعادة النظر في العديد من القضايا، ابتداء من حرية الصحافة وانتهاء بدور الإعلام.


المشكلة الفلسطينية أساس


وعن مدى تفاعل الحس الوطني لدى العرب في الغرب، تقول سويف:


أعتقد بأن للعرب المقيمين في الغرب دوراً يختلف عن أشقائهم في البلدان العربية، فمن يعش في الغرب يشاهد نقطة التماس بين العالم الغربي وطموحاته في منطقتنا(نقطة التماس الأكبر هي فلسطين).


والكثير من المشاكل المزعومة بيننا وبين الغرب، والإسلام والغرب، هي متمحورة حول المشكلة الفلسطينية. فإن حلت مشكلة فلسطين وإسرائيل، انتفى السبب الكبير في الحملة الغربية التي تهدف الإساءة إلينا.


مصدر الأفكار


تعمد سويف في منحى إبداعها لاختيار موضوعات محددة ومعمقة، وتجنح إلى الاقتداء بصيغة رائدة تربط فيها بين الشرق والغرب، فماذا عن هذه المفاصل والمسائل لديها؟:


لا أعرف إن كان لوجودي في الغرب دور في اختيار الفكرة، أظن بأنني أستلهم موضوعاتي بوجه عام، مما يشغل فكري بصورة دائمة، وتأتي إليّ الفكرة دون تخطيط، وأحيانا يدور في ذهني عدة أفكار، ومع بداية العمل وجذب الخيوط، أدرك ما أعرفه وما لا أعرفه


وفعلا ذلك ما حدث معي في رواية «خارطة الحب»، فكان يلّح علي أمران في البداية ، حاجتي إلى بطل شرقي الهوية والمنشأ، وهو ما لم أجده في الأدب الغربي، وحبي للنساء الأجنبيات المستشرقات، خاصة من القرن التاسع عشر، واللواتي أتين إلى بلاد عربية بدافع الفضول والاكتشاف، وبقلوب منفتحة.


الرواية والبحث


عندما تحكي سويف عن وقائع اعتنائها بعنصر البحث والتحقيق والتحليل التاريخي، لإنجاز روايتها بطابع الدقة والصدقية والموضوعية، تبين وتبرهن لنا أهمية هذا العنصر (البحث والتقصي التاريخي والعلمي في الرواية) بالنسبة للروائي:استغرقت في كتابة روايتي «خارطة الحب»، أربع سنوات، ومع عزمي على إنجازها وفق معايير عالية متقنة، ذهبت في مصر إلى أرشيف الأهرام والمقتطف.


وكنت أقرأ الإعلانات فأتعرف إلى الذي كانت تشتريه المرأة آنذاك ، وأطلع على تفاصيل الحياة اليومية لتلك الفترة، لألقى أجوبة وافية حول تساؤلات لدي من نوع:هل كانوا يستعملون الكهرباء، أم القنديل؟، وأيضا استعنت بكتب المذكرات في العالم العربي والغربي حول تلك الفترة التي شهدت بداية الهجوم على فلسطين العام 1905 .


لغة الكتابة


وفي خصوص كتابتها باللغة الانجليزية، بدلاً من العربية، تقول سويف:درست المرحلة الابتدائية في بريطانيا، وعندما عدت إلى مصر، تعلمت العربية، لكنني كنت أفضل القراءة بالانجليزية، خاصة .


وأن كتب الطفل العربي لم تكن متطورة بعد، وهذا في منتصف مرحلة المراهقة، فبدأت أقرأ وأتذوق الأدب العربي الحديث، بدءًا من كتابات فتحي غانم، ووصولاً إلى روائع نجيب محفوظ، إلا أنني بقيت غير قادرة على قراءة الأدب القديم مثل الشعر الجاهلي، فأنا بحاجة إلى قاموس بجانبي، ولكوني درست الأدب الانجليزي، تابعت الكتابة بهذه اللغة. بذا، وباختصار، فإنني أكتب أدب الخيال بالانجليزية، والنص الواقعي بالعربية، فحتى في كتاباتي.


الكاتبة في سطور


ولدت أهداف في مصر عام 1950، وتعيش متنقلة بين القاهرة ولندن. والداها هما الدكتور مصطفى سويف، أستاذ علم النفس، والدكتورة فاطمة موسى، أستاذة اللغة الإنجليزية.


تخرجت سويف في قسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب - جامعة القاهرة في عام 1971، ودرست في آداب القاهرة في بداية السبعينات، ثم سافرت إلى لندن بغرض الدراسة، واستقرت هناك، حيث تزوجت من الكاتب والأديب والشاعر الإنجليزي المعروف أزبن هاميلتون. ونالت شهادة الدكتوراه في عام 1978، ومُنحت الدكتوراه الفخرية من جامعتين بريطانيتين.


وأحدث إصداراتها هو: «في مواجهة المدافع.. رحلة فلسطينية»، عبارة عن مجموعة مقالات أدبية، وصدرت مجموعتها القصصية القصيرة الأولى باللغة الإنجليزية، في عام 1983، وهي بعنوان «عائشة»، وأصدرت روايتها «في عين شمس» في العام 1992، ولها عدة ترجمات إلى اللغة العربية ، مثل: مجموعتها القصصية «زينة الحياة» ثم «زمار الرمل»، وروايتها «خارطة الحب».


رشا المالح