بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الاثنين، 12 ديسمبر 2011

روايات خالدة - حكاية الهايكي


2007-01-01 00:05:34 UAE


روايات خالدة

حكاية الهايكي

بقلم :رشا المالح

 
 

هذه الرواية أو الملحمة لا توثق مرحلة تاريخية من حروب اليابان، أو الانتقال من عهد الهايكي إلى عهد الجينجي فقط، بل تذهب إلى بعد أعمق وأشمل بكثير وهو الكونية، ولذا فإن هذا العمل بات من الأعمال الكلاسيكية الخالدة على المستوى العالمي.

فمن خلال الحروب التي شهدتها اليابان على مدى 90 عاما ابتداء من 1131 إلى عام 1221، التي دونت في هذه الملحمة والتي كان الرهبان العميان يروونها شفاهة بمرافقة العزف على الناي أو آلة وترية تدعى بيوا، يجد القارئ بين يديه خلاصة دورة كاملة للحياة والمتمثلة بالحكمة الإنسانية.

تلك الحكمة التي جعلت من صراع القادة في الحروب، والقوة والنفوذ خلفية لدور العدالة الإنسانية، وعليه فإن هذه الرواية تحفل بعدة محاور سواء على صعيد التحول الاجتماعي أو السياسي أو الإنساني.

وإن تناولنا البعد المباشر للعمل، سنجد أن الأحداث تكشف للقارئ عدة أبعاد منها الجانب التاريخي الذي يوثق صراع السلطة بين عائلة تايرا التي استمر نفوذها لما يقارب من عقدين والمتمثلة بقائدها كيوموري المقرب من العائلة الحاكمة، والعائلة المتمردة جينجي المتمثلة بقائدها يوريتومو الذي لم يتورع عن قتل عمه يوشيناكا وأخيه يوشيستون الذي قاد الصراع فعليا وحقق الانتصار.

أما البعد الثاني فيشير إلى علو مكانة المحاربين في المجتمع والتركيز أهمية مبادئ ومثل المحاربين مثل الولاء والشجاعة والإخلاص، أما البعد الثالث فيشير إلى الصراع بين القيم والقناعات القديمة المثمثلة في بلاط الحاكم والقيم الجديدة المستمدة من جيوش الأقاليم، إلى جانب بروز الجانب الديني المتمثل في البوذية حيث يتحول العديد من قادة الحروب وجنودها إلى رهبان متنسكين من خلال دورة الحياة التي تأخذ مجراها.

وجدير بالذكر أن معظم العروض التي تناولت هذه الملحمة اقتصرت على البعد المباشر أو خلفية العمل، غافلين عن المغزى العام الذي يتجلى من خلال تفاصيل الحياة اليومية وسلوكيات الأفراد لاسيما القادة وقراراتهم التي ترسم بنفسها مصيرهم المأساوي.

تبدأ الرواية بعرض لحياة القائد الشديد البأس كيوموري الذي تتجسد فيه القسوة والشراسة والأنانية، الذي يتخلى عن محظيته الأثيرة إلى نفسه جيو حينما يلتقي بالراقصة الشابة الجديدة هوتوكي. يدفع الهجران بجيو إلى سلك الرهبنة بعدما عاشت بضعة أشهر تعاني من البؤس والألم. وفي أحد الأيام تفاجأ بدخول الراقصة هوتوكي عليها حليقة الرأس لتنذر نفسها للرهبنة هي الأخرى، لعدم قناعتها بجدوى الحياة التي تعيشها.

ومن خلال السرد يتضح للقارئ ظلم كيوموري وفداحة جرائمه ووحشيته. وتتوالى أحداث القصة لتصور في كل فصل مشهدا جديدا لأفراد من القادة وصراعاتهم ومواقفهم الإنسانية والبطولية على كافة الأصعدة.

ومنذ البداية تشير جميع الدلائل إلى النهاية المرتقبة لهذا القائد من خلال عدة ظواهر غيبية كما في الواقعية السحرية، حيث يصاب كيوموري بحمى شديدة لا تفارقه وتدفع كل من حوله إلى تحاشيه لدرء الوهج الحراري المنبعث منه، كما قيل بأن المياه التي كان يستحم بها كانت تصل إلى درجة الغليان ما إن تلامس جسده، وهكذا تأتي منيته من خلال مضاعفات مرضه.

ومن الأحداث البارزة التي تستوقف القارئ والتي يتجلى فيها قمة الصراع الداخلي للإنسان، بين الواجب والعاطفة، النبل الإنساني والطموح، الجزء الذي يتناول موت أتسوموري تايرا.

يبدأ المشهد حينما كان نبلاء عائلة تايرا ينسحبون إلى سفنهم على الشاطيء هربا من الأعداء. في تلك الأثناء كان المحارب كوماجاي ناوزان، يسير على صهوة جواده على الشاطئ بحثا عن أحد القادة من الأعداء للقضاء عليه بهدف الإعلاء من شأنه ومكانته بين قومه.

وبعد حين تلتقط عيناه مراده، ويكب باتجاه محارب على صهوة حصانه على الشاطئ كان يسعى للحاق بالسفينة. حينها يلوح كوماجاي براية الحرب ويخاطب المحارب بصوت عال قائلا، «من العار أن تدير ظهرك للعدو.. ارجع».

وبلا تردد يستدير المحارب باتجاه عدوه، ويبدآ قتالا شديد البأس، وبسرعة يستطيع كوماجاي أن يرميه أرضا، وحينما يترجل ويجرد المحارب من خوذته لجز رأسه، يفاجأ بوجه شاب صغير لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وعلى حين غرة يتبادر إلى ذهنه ابنه الذي يماثله في العمر ويتساءل عن شعور والد الفتى إن وصله خبر مقتله.

عندها يتوقف ويسأله عن اسمه ويفاجأ بصلابة الشاب وجرأته. وبعد صراع داخلي تنتصر عاطفة الأبوة في داخل القائد على طموحه الشخصي ويتخذ قراره بإخلاء سبيله.

لكن القدر يمنع كوماجاي من تنفيذ رغبته بالإبقاء على حياته، حينما يلحظ قدوم مجموعة من محاربي قومه، عندها يخاطب الشاب بأسى عميق قائلا له والدموع تنساب من مقلتيه، «على الرغم من أنني أفضل إطلاق سراحك، إلا أنك لن تستطيع النجاة من الآخرين. لذا من الأفضل أن تموت بيدي وسأتلو لك الصلوات لتذهب إلى الجنان».

ولا يدري القائد في خضم انفعاله كيف قطع رأسه، كل ما كان يدركه أنه استسلم لبكاء مرير وعنيف، ومن بعدها تحول إلى سلك الرهبنة.

وهكذا تتوالى الصراعات والأحداث ليمثل كل مشهد عبرة ومغزى حياتي زاخرا بالمعاني الإنسانية والصراع مع الذات والمحيط والعدو، فهناك المحاربة الشابة تاموي غوزين التي آلت على نفسها الدفاع عن قائد الحملة كيسو يوشيناكا والتي حامت عنه حتى النهاية ووقفت بالمرصاد للعديد من الأعداء شديدي البأس وقضت عليهم بلا تردد.

وكذلك قائد أحد الحملات الذي يطلب من أحد جنوده أن يقضي عليه ويجنبه العار بالموت على أيدي الأعداء، وحينما يرفض الجندي قتله، وأخيرا يتفق الاثنان حيث يطعن القائد نفسه ومن ثم يقوم الجندي بقطع رأسه، ورميه باليم بعد ربطه ببعض الحجارة وذلك لحرمان الأعداء من ادعاء قتله.

وتأتي نهاية عائلة تايرا، حينما تحاصر سفن العدو سفن عائلة تايرا الهاربة، فلا تجد أرملة كيوموري مفرا من أن ترمي نفسها مع نجلها في اليم، ويسجل موتهما نهاية عهد حكم تايرا وبروز عهد الجنيجي.



2007-01-01 00:05:34 UAE


روايات خالدة

حكاية الهايكي

بقلم :رشا المالح



هذه الرواية أو الملحمة لا توثق مرحلة تاريخية من حروب اليابان، أو الانتقال من عهد الهايكي إلى عهد الجينجي فقط، بل تذهب إلى بعد أعمق وأشمل بكثير وهو الكونية، ولذا فإن هذا العمل بات من الأعمال الكلاسيكية الخالدة على المستوى العالمي.

فمن خلال الحروب التي شهدتها اليابان على مدى 90 عاما ابتداء من 1131 إلى عام 1221، التي دونت في هذه الملحمة والتي كان الرهبان العميان يروونها شفاهة بمرافقة العزف على الناي أو آلة وترية تدعى بيوا، يجد القارئ بين يديه خلاصة دورة كاملة للحياة والمتمثلة بالحكمة الإنسانية.

تلك الحكمة التي جعلت من صراع القادة في الحروب، والقوة والنفوذ خلفية لدور العدالة الإنسانية، وعليه فإن هذه الرواية تحفل بعدة محاور سواء على صعيد التحول الاجتماعي أو السياسي أو الإنساني.

وإن تناولنا البعد المباشر للعمل، سنجد أن الأحداث تكشف للقارئ عدة أبعاد منها الجانب التاريخي الذي يوثق صراع السلطة بين عائلة تايرا التي استمر نفوذها لما يقارب من عقدين والمتمثلة بقائدها كيوموري المقرب من العائلة الحاكمة، والعائلة المتمردة جينجي المتمثلة بقائدها يوريتومو الذي لم يتورع عن قتل عمه يوشيناكا وأخيه يوشيستون الذي قاد الصراع فعليا وحقق الانتصار.

أما البعد الثاني فيشير إلى علو مكانة المحاربين في المجتمع والتركيز أهمية مبادئ ومثل المحاربين مثل الولاء والشجاعة والإخلاص، أما البعد الثالث فيشير إلى الصراع بين القيم والقناعات القديمة المثمثلة في بلاط الحاكم والقيم الجديدة المستمدة من جيوش الأقاليم، إلى جانب بروز الجانب الديني المتمثل في البوذية حيث يتحول العديد من قادة الحروب وجنودها إلى رهبان متنسكين من خلال دورة الحياة التي تأخذ مجراها.

وجدير بالذكر أن معظم العروض التي تناولت هذه الملحمة اقتصرت على البعد المباشر أو خلفية العمل، غافلين عن المغزى العام الذي يتجلى من خلال تفاصيل الحياة اليومية وسلوكيات الأفراد لاسيما القادة وقراراتهم التي ترسم بنفسها مصيرهم المأساوي.

تبدأ الرواية بعرض لحياة القائد الشديد البأس كيوموري الذي تتجسد فيه القسوة والشراسة والأنانية، الذي يتخلى عن محظيته الأثيرة إلى نفسه جيو حينما يلتقي بالراقصة الشابة الجديدة هوتوكي. يدفع الهجران بجيو إلى سلك الرهبنة بعدما عاشت بضعة أشهر تعاني من البؤس والألم. وفي أحد الأيام تفاجأ بدخول الراقصة هوتوكي عليها حليقة الرأس لتنذر نفسها للرهبنة هي الأخرى، لعدم قناعتها بجدوى الحياة التي تعيشها.

ومن خلال السرد يتضح للقارئ ظلم كيوموري وفداحة جرائمه ووحشيته. وتتوالى أحداث القصة لتصور في كل فصل مشهدا جديدا لأفراد من القادة وصراعاتهم ومواقفهم الإنسانية والبطولية على كافة الأصعدة.

ومنذ البداية تشير جميع الدلائل إلى النهاية المرتقبة لهذا القائد من خلال عدة ظواهر غيبية كما في الواقعية السحرية، حيث يصاب كيوموري بحمى شديدة لا تفارقه وتدفع كل من حوله إلى تحاشيه لدرء الوهج الحراري المنبعث منه، كما قيل بأن المياه التي كان يستحم بها كانت تصل إلى درجة الغليان ما إن تلامس جسده، وهكذا تأتي منيته من خلال مضاعفات مرضه.

ومن الأحداث البارزة التي تستوقف القارئ والتي يتجلى فيها قمة الصراع الداخلي للإنسان، بين الواجب والعاطفة، النبل الإنساني والطموح، الجزء الذي يتناول موت أتسوموري تايرا.

يبدأ المشهد حينما كان نبلاء عائلة تايرا ينسحبون إلى سفنهم على الشاطيء هربا من الأعداء. في تلك الأثناء كان المحارب كوماجاي ناوزان، يسير على صهوة جواده على الشاطئ بحثا عن أحد القادة من الأعداء للقضاء عليه بهدف الإعلاء من شأنه ومكانته بين قومه.

وبعد حين تلتقط عيناه مراده، ويكب باتجاه محارب على صهوة حصانه على الشاطئ كان يسعى للحاق بالسفينة. حينها يلوح كوماجاي براية الحرب ويخاطب المحارب بصوت عال قائلا، «من العار أن تدير ظهرك للعدو.. ارجع».

وبلا تردد يستدير المحارب باتجاه عدوه، ويبدآ قتالا شديد البأس، وبسرعة يستطيع كوماجاي أن يرميه أرضا، وحينما يترجل ويجرد المحارب من خوذته لجز رأسه، يفاجأ بوجه شاب صغير لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وعلى حين غرة يتبادر إلى ذهنه ابنه الذي يماثله في العمر ويتساءل عن شعور والد الفتى إن وصله خبر مقتله.

عندها يتوقف ويسأله عن اسمه ويفاجأ بصلابة الشاب وجرأته. وبعد صراع داخلي تنتصر عاطفة الأبوة في داخل القائد على طموحه الشخصي ويتخذ قراره بإخلاء سبيله.

لكن القدر يمنع كوماجاي من تنفيذ رغبته بالإبقاء على حياته، حينما يلحظ قدوم مجموعة من محاربي قومه، عندها يخاطب الشاب بأسى عميق قائلا له والدموع تنساب من مقلتيه، «على الرغم من أنني أفضل إطلاق سراحك، إلا أنك لن تستطيع النجاة من الآخرين. لذا من الأفضل أن تموت بيدي وسأتلو لك الصلوات لتذهب إلى الجنان».

ولا يدري القائد في خضم انفعاله كيف قطع رأسه، كل ما كان يدركه أنه استسلم لبكاء مرير وعنيف، ومن بعدها تحول إلى سلك الرهبنة.

وهكذا تتوالى الصراعات والأحداث ليمثل كل مشهد عبرة ومغزى حياتي زاخرا بالمعاني الإنسانية والصراع مع الذات والمحيط والعدو، فهناك المحاربة الشابة تاموي غوزين التي آلت على نفسها الدفاع عن قائد الحملة كيسو يوشيناكا والتي حامت عنه حتى النهاية ووقفت بالمرصاد للعديد من الأعداء شديدي البأس وقضت عليهم بلا تردد.

وكذلك قائد أحد الحملات الذي يطلب من أحد جنوده أن يقضي عليه ويجنبه العار بالموت على أيدي الأعداء، وحينما يرفض الجندي قتله، وأخيرا يتفق الاثنان حيث يطعن القائد نفسه ومن ثم يقوم الجندي بقطع رأسه، ورميه باليم بعد ربطه ببعض الحجارة وذلك لحرمان الأعداء من ادعاء قتله.

وتأتي نهاية عائلة تايرا، حينما تحاصر سفن العدو سفن عائلة تايرا الهاربة، فلا تجد أرملة كيوموري مفرا من أن ترمي نفسها مع نجلها في اليم، ويسجل موتهما نهاية عهد حكم تايرا وبروز عهد الجنيجي.


الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011


2006-11-06 03:47:21 UAE


روايات خالدة

أطلس يتنحى
الفكر الموضوعي المستقل محرك القوة في العالم


بقلم :رشا المالح
 



كان لأعمال الكاتبة والفيلسوفة الأميركية آين راند الروسية الأصل دور كبير في تغيير تفكير شريحة واسعة من المجتمع الأميركي من خلال فلسفتها الموضوعية للحياة التي شملت الجانب الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ولدت راند في روسيا في 2 فبراير عام 1905 وكان والدها عصامياً وبنى محله المختص بالكيمياء بجهوده الخاصة.

منذ طفولتها شعرت أنها مختلفة عن المحيط من حولها وقررت أن تصبح كاتبة منذ أن كانت في التاسعة من عمرها. وفي مرحلة مراهقتها شهدت الثورة الروسية عام 1917 وحرب العصابات البلشفية التي أممت مخزن والدها وجردتهم من كافة ممتلكاتهم. وبعد تخرجها من الجامعة ودراستها للتاريخ، سافرت في عام 1926 إلى أميركا بدعوى زيارة بعض الأقارب لتستقر هناك طيلة حياتها. ومنذ وصولها بدأت العمل على روايتها الأولى (نحن الذين نعيش) ونشرتها في نهاية عام 1933، ومن ثم كتبت مسرحية «ليلة 16 يناير» التي عرضت على مسارح أميركا لزمن طويل. أما روايتها الثانية التي حققت لها نجاحاً نوعياً كانت (رأس النافورة) التي نشرت عام 1943 بعدما تم رفضها من قبل 12 ناشراً، وحققت مبيعاتها المستمرة رخاء مادياً لها.

توفيت آين راند في منزلها في نيويورك بسبب أزمة قلبية في 6 مارس 1982 وهي في الثامنة والسبعين من العمر. تدافع راند في روايتها «أطلس يتنحى» التي نشرت في عام 1957 واستغرقت في كتابتها مدة 14 عاماً، عن تفرد الإنسان واستقلالية الفكر المنتج الذي يمنح المجتمع استمراريته والتقدم.

وتؤكد من خلال أحداث الرواية أن التطور والإنتاج في المجتمع يتطلب عقلانية موضوعية ومنظومة قيم ومثل بعيدة عن هيمنة الوصاية، مع التوضيح بأن التضحية بالذات تؤدي إلى تدمير الإنسان وبالتالي المجتمع، وبأن القدرية على الدوام مرتبطة بالسببية. وعلى الرغم من أن أحداث الرواية تدور في مدينة نيويورك إلا أن راند لم تحدد زمناً لها وذلك للتأكيد على الفكرة بالمطلق التي لا ترتبط بحقبة زمنية محددة.

وأبطال الرواية ينقسمون إلى فئتين في المجتمع، والشعب الذي يكون على الدوام ضحية أي صراع ثالثهما. وأبطال الفئة الأولى هم، الأدمغة المفكرة والمنتجة على مختلف أصعدة الحياة سواء في الصناعة أو الطب أو الإنتاج أو الزراعة وغير ذلك. أما الفئة الثانية فهي الفئة التي تدين أصحاب الأدمغة والمفكرين والمبدعين الذين يدفعون بعجلة التطور والازدهار الاقتصادي، تلك الفئة التي منحت لنفسها حق الوصاية والسيطرة على هؤلاء المفكرين، ورسمت لنفسها منظومة من القيم والأخلاق تخولها بمعاقبة كل من استخدم عقله للابتكار والإبداع سواء على الصعيد العلمي أو الصناعي.

كما عممت منظومتها على الشعب وقدمت له شعارات تفيد بأن الفكر إنما يخدم ثروات أصحاب الأدمغة فقط، وبأن ثرواتهم ونجاحهم من حق الشعب أولاً وأخيراً. وبذلك جعلت تلك الفئة من نفسها وصية على المنتجين لتجردهم من حقوقهم في الإنتاج ولتكتسب لنفسها قوة ونفوذاً يؤمنان لها ثروة كبيرة على الصعيد الشخصي من دون الحاجة إلى العمل أو الإنتاج.

وأبطال الفئة الأولى التي تناصر العقل هم داغني تاغارات التي تعمل في مؤسسة السكك الحديدية التي أنشأها أجدادها منذ أجيال والتي آلت على نفسها تطوير الشركة واستمراريتها، وهناك أيضاً صديق طفولتها فرانشيسكو داكونيا، صاحب مناجم النحاس الشاب الثري والدون جوان،

وكذلك هانك ريردان الصناعي الذي يبتكر تركيبة جديدة للحديد الصلب الذي ينافس بمواصفاته ما هو متوفر في الأسواق، إلى جانب جون غالت مخترع المحرك الذي يحول الكهرباء الساكنة في الجو إلى طاقة محركة كبديل للفحم أو النفط، مع مجموعة من الصناعيين سواء في استخراج النفط أو الزراعة أو الفلسفة أو العلوم.

وهؤلاء الأدمغة ينحدرون من مختلف طبقات المجتمع.أما أبطال الفئة الثانية التي تكرس تغييب العقل لصالح منظومة القيم والربح السهل، فتتمثل بجيمس تاغارات شقيق داغني ذي الشخصية الضعيفة والعقل الخمول الذي يعيش صراعاً دائماً مع أخته بسبب إرادتها الصلبة وعقلها المفكر، وكذلك مجموعة من الانتهازيين المرتزقة الذين يبحثون عن مكان لهم في العالم يمنحهم السلطة والنفوذ بأسرع الطرق وأيسرها. ولا أسهل عليهم من ممارسة لعبتهم على الشعب بدعوى حق المساواة في الثروات وتشييع الإنتاج والفكر مع منع استخدام العقل.

ومع ازدياد نفوذ المرتزقة يتدهور الاقتصاد على مختلف الأصعدة، وتتصاعد الأحداث باطراد مع عنصر التشويق حينما يبدأ رؤوس الفكر ودعامة الاقتصاد بالاختفاء تدريجياً الواحد تلو الآخر، وهذا الأمر أشبه بإضراب فكري. ليجد أصحاب النفوذ أنفسهم في مأزق أشد صعوبة من الذي سبقه سيما مع عجزهم على إدارة وإنتاج ما تم تشييعه من الصناعات.

وفي خضم هذه الأحداث تأخذ كل من داغني وهانك على عاتقهما مواجهة الظروف الجديدة ومحاولة التغلب عليها للاستمرار في الإنتاج، وفي ذات الوقت البحث عن مخترع ذلك المحرك العجيب الذي يعد بمرحلة صناعية جديدة.

ومنذ بداية العمل يتردد السؤال «من هو جون غالت؟» على لسان الناس كلما طرح سؤالاً مهماً يتطلب التفكير ولا إجابة له.هذا السؤال الذي كان يستفز داغني يتم الإجابة عليه في نهاية الرواية، فجون غالت هو الرجل الذي يحتقر الأعضاء غير المنتجين من الفئة الثانية في المجتمع والذين يسخرون القانون والإحساس بالذنب لاستنزاف الآخرين والشعب.

وينتصر في النهاية أصحاب الفكر الذين يأخذون عهداً على أنفسهم بأن أحدهم لن يعيش حياته أبداً لأجل رجل آخر، أو أن يسأل رجلاً آخر أن يعيش حياته لأجله.


الجمعة، 18 نوفمبر 2011

قريشي يحصد جائزة «جميل 2011» للفن الإسلامي المعاصر

المصدر: البيان - رشا المالح



أعلنت اللجنة المنظمة لجائزة (جميل 2011) للفنون الإسلامية المعاصرة، التي تعتبر من المبادرات التي يتبناها متحــف فيكتوريا وألبرت في لندن، عن فوز الفنان الجزائري رشيد قريشي بالجائزة البالغ قيمتها 25 ألف جنيه استرليني، وحمل العمل الفائز عنوان (معلمون غير مرئيين).
وقالت اللجنة إن اختيار عمله يرجع إلى توافق مشروعه مع أهداف الجائزة، من خلال نوعية التصاميم واستلهامها من تراث الصناعات التقليدية وأن تميز العمل يكمن في التقاط روح ثقافة التراث العربي بأسلوب جمالي من المطرزات، وجمعه بين الحروف العربية والرموز والأصفار من ثقافات ولغات أخرى.
كما يعكس العمل، جانباً من الثقافة الإسلامية المناقضة للانطباع الغربي العام المرتبط بالعنف والإرهاب, فالعمل يعكس حالة من التأمل والهدوء والتمعن في جوهر الأمور، عبر مقولات من كبار المفكرين والشعراء المسلمين مثل جلال الدين الرومي ومحيي الدين بن عربي، اللذين اشتهرا في الغرب عبر العديد من الأجيال.

جولة الجائزة
ويستمر المعرض الخاص بالفائز والمرشحين التسعة في مقر المتحف بلندن حتى 25 سبتمبر، ليبدأ جولته العالمية في الولايات المتحدة إلى أوروبا ومن ضمنها المعهد العالمي العربي في باريس حيث يبدأ المعرض في شهر ديسمبر، ومنه إلى مدريد في ربيع وصيف العام المقبل.
يُذكر أن معرض الجائزة لعام 2009 قد زار ستة بلدان في منطقة الشرق الأوسط من ضمنها الإمارات والسعودية ولبنان والمغرب، وبلغ عدد مشاهديه 49,161. وقال البروفيسور مارتن روث مدير لجنة التحكيم، (تميز عمل قريشي عن غيره بشمولية فكرته القريبة من الجميع، إلى جمعه بين بياض مساحة الحداثة والتصميم التاريخي لأمكنة تقارب من القصور وبساطة الصوفيين وزهدهم.
المرشحون التسعة
وضمت قائمة المرشحين التسعة كلا من: العراقية هيف كهرمان، المصري حازم المستكاوي، ومــن باكستان نور عــلي شــاغاني، وعايشة خالد، ومن إيران هاديه شافي، سودي شريفي (1955)، منير شهرودي فارامانفارميان، ومن إيطاليا بيتا غيزيلاياغ، من الولايات المتحدة باباك غــولكار. وأما لجنة التحكيم فضمت كلا من: وسن الخضيري من متحف الفن العربي المعاصر في قطر، نافيد أخطر من شركة غازيل ميديا، أفروزم أميجي الفائز بجائزة جميل لعام 2009، دينا باخــوم مــديرة برنامــج المحفوظات في مؤسسة آغا خان بمصر.
وقد ولد رشيد قريشي عام 1947 في عين بيضا بالجزائر ودرس في معهد الفنون الجميلة والمدرسة الوطنية العليا للفنون في الجزائر وتابع دراسته في باريس في المدرسة الوطنية لفنون الديكور التابعة لكلية الدراسات العمرانية. كرّس مساحة كبيرة من بحثه لروح الخط العربي وعلاماته وتصاميم المخطوطات الشعبية المغاربية.

فصول أربعة تعاقبت على حياة الراهب الأصهب

الموسيقار الإيطالي فيفالدي :عبقرية لا تنضب

يعتبر الملحن وعازف الكمان الإيطالي أنطونيو فيفالدي من أبرز الموسيقيين في القرن الثامن الذين تمتعوا بقدرات استثنائية، وضعت معايير جديدة للموسيقى، ولقب باسم (الراهب الأصهب) نظراً لدخوله السلك الكهنوتي في مرحلة شبابه وللون شعره الأحمر.

أثبتت البحوث الأخيرة أن الملحن وعازف الكمان أنطونيو فيفالدي الذي اشتهر بمقطوعته (الفصول الأربعة)، لحن أكثر من 700 مقطوعة، تنوعت ما بين السوناتا التي تضم عادة ما بين ثلاث إلى أربع حركات، والأوبرا الموسيقى الدرامية التي تجمع بين الغناء والعزف على عدد من الآلات الموسيقية، والكونشيرتو التي تجمع بين صوتين غنائيين مقابل فرقة كاملة من الأوركسترا.

الفصول الأربعة
لحن فيفالدي مقطوعة كونشيرتو الكمان (الفصول الأربعة) التي اشتهر بها حتى يومنا هذا والتي عكست براعته في تصوير الطبيعة عبر الموسيقى، عام 1723. ويمثل كل جزء أحد الفصول الأربعة، ليعزف فصل الشتاء بالأوتار العالية من الكمان، في حين تثير نهاية فصل الصيف عاصفة عارمة يختم بها مقطوعته.
ونشرت هذ المقطوعة عام 1725، كجزء من 12 كونشيرتو وكان ترتيبها الثامنة، ويتضمن كل جزء من فصول الكونشيرتو ثلاث حركات تتراوح بين الإيقاع الهادىء والسريع. وكان قد قدم من خلالها ولأول مرة في تاريخ الموسيقى، العزف المنفرد للكمان بمعزل عن فرقة الأوركسترا.
الربيع
تبدأ الحركة الأولى من (الفصول الأربعة)، بالاحتفاء بفصل الربيع لنسمع صوت العصافير التي تستقبل عودة الفصل بسعادة وحبور عبر غنائها ليسمع نباح كلب الراعي في الحركة الثانية، وبعدها صوت آلة القرب الريفية التي تملأ الفضاء في الحركة الثالثة.

الصيف
تبدأ الحركة الأولى من فصل الصيف بنداء العصفور يتبعه هديل الحمام وزقزقة العصافير، لينتقل في الحركة الثانية إلى النسيم العليل الذي يحمل أصوات أزيز الحشرات التي تحوم حول الراعي لتوقظه من قيلولته، ينتقل بعدها الحركة الثالثة حيث تتحقق مخاوف الراعي بهطول البرَد الغزير من السماء المزمجرة لتفصل حبوب القمح عن سنابلها.

الخريف
في الخريف تبدأ الحركة الأولى باحتفال الفلاحين وسعادتهم بجني محاصيلهم الذهبية، لينتهي احتفالهم الصاحب بالنوم العميق. وفي الحركة الثانية تخبو موسيقى الاحتفال والرقص تدريجياً في الهواء العذب الذي يمنح المحتفلين السكينة والطمأنينة خلال نومهم. وفي الحركة الثالثة، يبزغ الفجر لينطلق بوق الصيادين معلنا بدء رحلة الصيد ومطاردة فريستهم بتتبع أثرها، لتستسلم الفريسة أخيراً بعد إنهاكها من الجراح ومطاردة الكلاب.

الشتاء
تبدأ الحركة الأولى من فصل الشتاء، برعشة البرد في صقيع الجليد والرياح القارصة، ليستمر الجري مع التعثر بين الحين والآخر، مع اصطكاك الأسنان من البرد الشديدة. وتصور الحركة الثانية تمضية الأيام برضا وهدوء بجانب النار، في حين تبلل الأمطار بالخارج الناس بالمئات.
وفي الحركة الثالثة يسير الناس بحذر على الطرق الجليدية خوفاً من الانزلاق، ليقع الناس على الأرض ويدورون حول أنفسهم، لينهضوا ويجروا خوفاً من تكسر جليد البحيرات تحت أقدامهم، ولتشن رياح الشمال الثلجية الحرب، وتخترق الأبواب المحكمة، ومع ذلك فإن للشتاء سعادته الخاصة به.

سيرة فيفالدي
ولد أنطونيو فيفالدي الذي لقب باسم (الراهب الأحمر) في 4 مارس عام 1678 بالبندقية، ويقال انه نظرا لتزامن ولادته مع زلزال ضرب المنطقة، نذرت والدته أن تقدمه لسلك الكهنوت. وكان لفيفالدي خمسة أشقاء، أما والده جيوفاني باتيستا الذي كان قبل أن يصبح عازف.
كمان محترفا حلاقاً، قد علم ابنه عزف الكمان في عمر مبكر ليرافقه في كافة جولاته الموسيقية بالبندقية. وكان والد أنطونيو من المؤسسين الأوائل لجمعية الموسيقيين، كما عرف كملحن أيضاً، حيث لحن بنفسه أوبرا (لا فيديلتا سفورتوناتا) عام 1689.
عانى فيفالدي في طفولته من اعتلال صحته، وواجه الكثير من أزمات التنفس الأشبه بالربو خلال وجوده في سلك الكهنوت، إلا أن مرضه لم يحل دون تعلمه العزف على الكمان وبعض آلات النفخ، والمشاركة في عدد من الفعاليات الموسيقية والتلحين.
ودخل السلك الكهنوتي عام 1693 حينما كان في الخامسة عشر من عمره، وبدأ الدراسة ليكون قساً. وفي عام 1703 وكان في الخامسة والعشرين صدر أمر بتسريحه لاعتلال صحته، وعاش ما تبقى من حياته كقس بروحه.

سنوات الإبداع
تسلم أول عمل له كمدرس كمان عام 1703 في ملجأ (مشفى الرحمة) للأيتام، وهو أحد الملاجىء الأربعة التي كانت تمولها جمهورية البندقية، والتي كانت تعلم الأيتام والفقراء الذين لم تستطع عائلاتهم أن توفر لهم المأوى، العديد من المهن، ليخرجوا إلى الحياة في سن الخامسة عشر مسلحين بحرفة تضمن لهم كرامة العيش. أما الفتيات فكن يدرسن الموسيقى، لتنضم الموهوبات منهن إلى عضوية المشفى وكورس وأوركسترا (أوسبيدل) الشهيرة.
وسرعان ما بدأ الأولاد يهتمون ويقدرون الموسيقى بعد انضمام فيفالدي لسلك التدريس، والذي كتب لهم العديد من الكونشيرتوز، والمقطوعات الموسيقية الخاصة بالكورس. وتنوعت هذه الأعمال القيّمة التي يقارب عددها من الستين، الغناء والعزف الفردي إلى الأوركسترا. وكانت العلاقة بينه وبين مجلس الإدارة متوترة بصورة مستمرة، حيث كان على أعضاء المجلس التصويت كل عام بشأن إبقائه في المشفى، كمدرس.
ولم يكن التصويت لصالحه عام 1709، ومع بقائه حراً لمدة عامين، تم استدعاؤه مجدداً بعدما أدرك المجلس أهمية دوره. وبات مسؤولات عن كافة الأنشطة الموسيقية، ليتم ترقيته إلى مدير الموسيقى عام 1716.
قدم فيفالدي خلال الثلاثين عاماً من عمله في المشفى أبرز مقطوعاته الموسيقية، وكان قد نشر أول مجموعة من أعماله (كونور كاسارا) عام 1705. وفي عام 1716 كتب وقدم عملين للأوبرا، وحقق ثانيهما (لا كوستانزا تريوفانتي ديغلي أموري إي ديغلي أودي) شهرة كبيرة وتم تقديمه مرة أخرى بعد عامين وفي براغ عاصمة التشيك عام 1732. وفي السنوات اللاحقة كتب العديد من أعمال الأوبرا التي قدمت في كافة أنحاء إيطاليا.
وواجه بسبب أسلوبه في الأوبرا، العديد من الصعوبات مع الموسيقيين المتحفظين، مثل بينيديتو مارسيلو الذي كتب العديد من المقالات التي يهاجمه فيها بصورة غير مباشرة. ويتضح من رسالة فيفالدي في إلى راعيه مارشيز بينتيفوغليو، أنه كتب ما يزيد عن 94 أوبرا لم يبق منا سوى 50.

النجومية والشهرة
حقق فيفالدي نجاحه وشهرته كملحن مع نشر مجموعته الأولى من الكونشيرتو في أمستردام عام 1711، والسبب في اختياره لأمستردام هو حفرهم للنوتات الموسيقية على ألواح ثابتة بدلاً من استخدام أسلوب أهل البندقية المتبدل في الطباعة. وكان فيفالدي وزميله ألبينوني أول الملحنين الإيطاليين الذين نشروا أعمالهم بهذه الطريقة.
لم يصل فيفالدي بشهرته خلال حياته إلى مصاف كبار الموسيقيين أقرانه مثل أليساندرو سكارلاتي، وليوناردو ليو وبالداسار غالوبي، حيث كان معيار نجاحهم يقاس بالفترة الزمنية التي تعرض خلالها أعمالها في بيت الأوبرا الرئيسي. أما أرفع المناصب التي حظي بها فكانت عام 1717، حيث كان مايسترو دي كابيلا في بلاط الأمير فيليب من هيسيه- دارمشتات، حاكم مانتوا، حيث بقي لمدة ثلاثة أعوام وأنتج عدة أعمال في الأوبرا من ضمنها (تيتو مانليو).
انتقل فيفالدي عام 1722 إلى روما، ليقدم أسلوبه الجديد في الأوبرا، وهناك عزف أمام البابا الجديد بينيديكت الثامن بدعوة من الأخير. وكانت الأوبرا آنذاك الفن الموسيقي الأكثر شيوعاً وشعبية، مما عاد عليه بالنفع الكبير خاصة مع تنافس عدد كبير من المسارح للاستئثار بالجمهور.
وكان حينذاك يساهم في تلحين مقاطع من الأوبرا بمشاركة مجموعة من الملحنين بإشرافه. وفي أواخر عام 1715 خطط لتلحين أوبرا كاملة بمفرده وحملت عنوان (آرسيلدا ريجينا دي بونتو)، ولم يعرض العمل إلا بعد عامين من إنجازه .
حيث منعت الرقابة العرض الذي يحكي قصة آرسيلدا التي تهوى امرأة أخرى تتنكر بزي رجل، واستطاع فيفالدي إقناع لجنة الرقابة بالموافقة على العمل بعد مضي عام من منعه. وما إن عرضت الأوبرا حتى حققت شهرة واسعة لها ولملحنها سواء على الصعيد المحلي أو الأوروبي وسافر في سنواته الأخيرة بكثافة. ويُحكى
عن حبه لمشاهدة افتتاحيات أعماله في الأوبرا، التي كانت تغني في أغلبها المشدة آنا غيرو التي اعتقد بأنها عشيقته لظهورها معه في العديد من أعماله مابين 1723 و1748.

فيفالدي الإنسان
احتفظ فيفالدي طيلة حياته بسمعة الراهب لتقواه، وإن لم يكن متقشفاً، فقد كان يحب المال، وما يصرفه محسوب ومدروس مقابل ما يكسبه. وكان معتداً بمظهره الخارجي، وسخياً بالصرف على لباسه، ولم يكن يسافر إلا بالدرجة الأولى ويقيم في أرقى الفنادق. ويعتقد بعض الباحثين أن هذا الحرص كان بسبب أزمات الربو التي يعاني منها.
وعلى الرغم من سعادته بالشهرة وبقدر من الثراء في أوج عطائه وإبداعه، إلا أنه عانى من مجموعة صعوبات في السنوات الأخيرة من حياته، حيث واجه خلال ونهاية عام 1730 عدد من الخيبات إذ فشلت أعماله الأوبرالية في كسب استحسان الجمهور لأسباب ترتبط بإنتاجها. وفي عام 1738 رفض مشفى الرحمة تجديد عقده، بسبب سفره المتكرر.
وفي ضوء هذه الصعوبات قرر فيفالدي عام 1740 ترك إيطاليا إلى فيينا. ولم يعرف إلا ما هو قليل عن رحلة فيفالدي الأخيرة وما عمله في عامه الأخير بالنمسا. وكان عند وفاته في 28 يوليو عام 1741، قد أنفق جميع ثروته النقدية. وسرعان ما خبا نجمه في خضم مرحلة نبذت موسيقى الباروك لصالح الموسيقى الكلاسيكية التعبيرية في منتصف القرن الثامن عشر. وبعد مضي مائة عام عاد اهتمام الأكاديميين به وبموسيقى عصره.
سيرورة أعماله
أما قيمته الفنية فلم تقدر إلا بعد مضي 200 عام على وفاته، وكان ذلك عام 1926، حيث ظهر في إيطاليا أهم اكتشاف في تاريخ الموسيقى. وكان ذلك حينما دعا أحد الأديرة في إيطاليا، مجموعة من خبراء المكتبة الوطنيــة تورين، بغية تقييـــم مجموعة من المخطوطات بهدف بيعها لتغطية تكاليف بعض الإصلاحات في الدير. وسرعان ما أدرك الخبراء قيمة الكنز الكامن في تلك المخطوطات التي كشف عن مجموعة من أهم المقطوعات الموسيقية لذاك القرن، وكان معظمها لفيفالدي.