بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الثلاثاء، 24 يناير 2012

السينما الصامتة لغة عالمية في ذاكرة الحاضر

 


ترجع جذور صناعة السينما إلى 3000 عام قبل الميلاد، حيث كان رجل الكهف يقدم حركات إيمائية بيديه بجانب النار لتنعكس ظلالها على جدران الكهف، وتلاه الصينيون بمسرح الظل، ومن بعدها رحلة اكتشاف العدسات وانعكاسات الضوء، والمعالجة الكيميائية للمواد الحساسة للضوء التي تطورت على مدى العصور.

يعود بنا تقصي تاريخ السينما الصامتة، إلى ما قبل ثلاث سنوات من رسم الفنان والعالم الإيطالي ليوناردو دافنشي (1452 1519) للوحته (الموناليزا)، حيث عُثر بين أوراقه على تصميم كامل لصندوق الكاميرا المظلمة كان قد رسمه عام 1500، كما تشير سيرته الذاتية إلى دراسة أخرى له عن الكاميرا والمصباح السحري.

وقدم عالم الرياضيات الإيطالي جيرولامو كاردانو (1501 1576) في القرن السادس عشر السينما الحية، معتمداً على صندوق الكاميرا المظلمة، حيث كان يجلس الأشراف في غرفة لتنعكس صورتهم الحية خارجاً، ووثَّق تفاصيل تجربته الدقيقة معتمداً على عدسات ثنائية محدبة. وأضاف عالم الفلك والرياضيات الألماني يوهانز كيبلر (1571 1630) المزيد من التطور لآلية عمل الكاميرا، من خلال كيفية تحويل الثنائية الثابتة للصورة إلى متحركة، واستخدمها الفنانون والأطباء على حد سواء.

وظهرت في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر كاميرا (الفانوس السحري) التي أطلقت خيال الفنانين بتقديم صور مرعبة من الأشبــاح والهياكل العظميــة على الجدار. ولاقت عروض الفانوس السحري في أوروبـــا شعبية واسعة خاصة في فرنسا، وكانت الغايــة من العـــروض إرعاب المشاهدين.

ويقال إن هذه الأفلام كانت نواة تطور سينما الرعب في الغرب. استغرقت الرحلة من الكهف إلى جهاز الكاينتوسكوب الذي تلى الفانوس السحري، ما يقارب 2450 عاماً، أما الجهاز فكان أشبه بنواة عرض السينما، وإن كان تصميمه ليتم عرض الأفلام بشكل فردي من خلال عدسة للعين في صندوق كبير.

ويتجلى مما سبق مشاركة العديد من العلماء والمختصين في تطوير آلة الكاميرا المتحركة، إلا أن العالم الذي كان لــه الدور الأكــبر في تطويــر هذه الآلة إلى مفهوم تجاري هو توماس أديسون ومساعده ويليام ك ديكسون عام 1892، حيث قدموا أفلاماً عملية على فيلم 35 مم، والذي بقي في السينما كمقياس معتمد حتى يومنا هذا. أما أول عرض لجهاز كاينتوسكوب فكان في 14 أبريل عام 1894 في نيويورك.ولا يمكن إرجاع اختراع آلة السينمــا إلى أي اسم بالتحديد فقد شارك عدد كبير في تطويرها.

ولكن يرجع إلى الأخوين لويس وأوغســـت لوميير في فرنسا الذين ابتكروا كاميرتهم الخاصة المحمولة وجهاز العرض، وأطلق على كاميرتهم اسم (سينماتوغراف)، وكانت سرعة التصوير في فيلمهم 16 كادر في الثانية والتي استمرت حتى ظهور السينما الناطقة التي اعتمد بعدها مقياس السرعة على 24 كادر.



أول فيلم

أُنتج الفيلم الأول في العالم في استوديو (ماريا السوداء)، الذي بني على أرض مختبرات العالم أديسون غرب أورانج بنيو جيرسي، في الأول من فبراير عام 1893 بكلفة بلغت 637.67 دولاراً أميركياً. وقد سجل أديسون حقوق ملكية أول فيلم في مكتب الكونغرس عام 1893. وحمل الفيلم اسم (العطسة)، وكان الأول ضمن سلسلة من الأفلام القصيرة التي صنعها لجمهور جهاز الفانوس السحري. وكانت مدة الفيلم خمس ثوان، وعبارة عن مجموعة من اللقطات الثابتة مع تسجيل كوميدي لمساعده فريد أوتو وهو يعطس. ويعتبر هذا الفيلم من الأفلام النادرة التي تمكن القائمون على السينما من إنقاذها.

أما أول فيلم سردي فكان للويس لو برنس عام 1888، وكانت مدته ثانيتان عن أشخاص يسيرون في حدائق شوارع أوكوود وحمل عنوان (مشهد حديقة راونداي). كما ازدهرت الأفلام لتصل إلى (العهد الصامت) الذي سبق السينما الناطقة في نهاية العشرينات، وتميزت بنوعية عالية من الجودة.وتمركزت معظم شركات الانتـــاج في الولايـــات المتحــدة في أو بجانب هولييــود على الساحل الغربي.

إضافة إلى صناعة بعض الأفـــلام في نيوجــيرســــي وأستوريـــا في لونــغ آيلند. وتحولت السينما إلى صناعة ضخمة في منتصــف العشرينات، حيث بلغ مجمـــوع رأس المـــال المستثمر مليــاريّ دولار. ومـــع نهايـــــة العشرينـــــات كان في هوليــوود 20 استوديــو وكان الطلب على الأفلام أكبر من أي وقـــت مضى. والكثيرون لا يدركون أن أضخم انتاج للأفـــلام كان في الولايات المتحدة ما بين العشرينات والثلاثينات بمعدل إصدار 800 فيلم في العام، مقارنة بالإنتاج الحالي الذي يتجاوز 500 فيلم في العام.

والفيلم الصامت يعتمد عادة على حركات الإيماء لدى الممثلين إلى جانب لوحات الكتابة التي تظهر بين بعض المشاهد والفرق الموسيقية التي ترافق الأفلام، والتي بدأت بمصاحبة البيانو كما في أفلام لوميير. واعتبرت الموسيقى جزءاً رئيسياً من صناعة السينما منذ البداية لتتطور وتأخذ صفة الموسيقى التصويرية.

كانت الأفلام الصامتة في بدايتهـــا قصيرة ولا تتجاوز مدتها دقائق معدودة، ووصلــــت إلى أوجهـا من حيث بنية قصة الفيلم وطولــه في أوائل عام 1910، ومن أبرز أفلام السينما الصامتــة فيلم (مولد أمـــة) عام 1915 من الولايات المتحدة للمخرج ديفيد وارك غريفيث (1849 -1875).

وفيلــم (قمرة الدكتــور كاليغاري) عام 1919 من ألمانيـــا (1873 1938)، وفيــ روسيــا فيلم (إضراب) عام 1925 للمخرج سيرغي آيسنشتاين (1898 1948).أما الأفلام التي كتب لها أن يستمر عرضها حتى يومنا هذا وتلقى إقبالاً كبيرا،ً فهي أفلام الفنان والمخرج السينمائي شارلي شابلن (1889 1977) الذي اعتبر ظاهرة فنية تاريخية. ومن أبرز أفلامه، (حمـــى الذهب) عام 1925، و(أضواء المدينة) عام 1931، و(الأزمنـــة الحديثـــة) عام 1936. وكان شابلن قد رفض تبنـــي السينمـــــا الناطقة واستمر في تقديم شخصيته الشهيرة (المتشرد) بأفلامه.



السينما الألمانية

ظهرت في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى حركة فنية انسحبت على جميع قطاعات الفنون ودعيت بالتعبيرية، وبلغت التعبيرية عصرها الذهبي في السينما الألمانية عام 1920، نظراً للحرية الكبيرة التي تمتعت بها تلك الصناعة. واعتبرت التعبيرية أسلوباً فنياً، تميز بالظلال الداكنة، والتوزيع الدرامي للإضاءة، والسرد بالصورة البصرية، وغرابة الشخصيات، وزوايا التصوير غير المألوفة للشوارع والأبنية وغيرها، مع مواقع ذات تصور تجريدي، ومن أبرز الأفلام في هذا الإطار فيلم (القط والكناري) للمخرج بول ليني عام 1927.



السينما الناطقة

شكل ظهور شركة (فيتافون) في أميركا عام 1925 1926 ثورة في الصناعة التقنية، وأعلنت (وورنر براذرز) صاحبة الشركة عن السينما الناطقة وتزامن الصورة مع الصوت. وكان جلَّ طموح الشركة أن تسجل الموسيقــى ومؤثرات صوتية. ومع ظهور هذه التقنيـة واجهت استوديوهات الأفلام الكثير من الصعوبات المرتبطة بالصوت خاصة مع اقتصار السوق على اللغة الإنجليزية. كما امتدت الصعوبة إلى فريق العمل، فالكثير من مشاهير الممثلين والممثلات لم يمتلكوا أصواتاً جيدة، وهكذا خبا نجمهم. أما حركة الكاميرا فأصبحت محدودة نتيجة إصدارها الأصوات عند تحريكها، كما واجه الممثلون صعوبات خلال تمثيلهم مع الحرص على عدم إصدار أصوات خلال حركتهم وكلامهم.

الاثنين، 23 يناير 2012

موسيقيون عباقرة يستلهمون مــن الأدب روائع مقطوعاتهم



نجح العديد من رواد الموسيقى في نقل روح الأدب إلى موسيقاهم خاصة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ليقدموا روائع الألحان والمعزوفات التي باتت من الأعمال الكلاسيكية المعروفة في مختلف بلدان العالم دون استثناء، وتأتي في مقدمتهم كل من (شهرزاد) و(روميو وجولييت) و(دكتور زيفاغو).

يعيد الموسيقار بموهبته وإحساسه المرهف ومخيلته الواسعة، كتابة الرواية بلغته الموسيقية. ليحمل المستمع وقارئ العمل برؤيا مشاعره، إلى عوالم أبعد وأسمى وأشف من التي نقلها إليه الكتاب، لتكون فرقة الأوركسترا مرآة لشخصيات العمل، ولُِتترجم حبكة الرواية وأحداثها إلى إيقاعات وأنغام تتصاعد وتتسارع وتهداً وتستكين تبعاً للحدث.

من حكايات ألف ليلة وليلة، استلهم الموسيقار الروسي نيكولاى أندرييف رمسكي كورساكوف (1844 -1908)، معزوفته الشهيرة (شهرزاد).

ومن مسرحية (روميو وجولييت) لشكسبير، استوحى الموسيقار الروسي بيتر إليتش تشايكوفسكي معزوفته الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه. ومن رواية (دكتور زيفاغو) للشاعر والكاتب بوريس ليونيدوفيتش باسترناك (1890 1960)، حقق الموسيقار الفرنسي موريس جار (1924 2009)، نجاحاً كتب له شهرة عالمية.

شهرزاد

استلهم كورساكوف مسار سيمفونيته التي ألفها عام 1887 من شخصية (شهرزاد) الرئيسية، التي تميزت بدهائها إلى جانب سحرها وجمالها، حيث تمكنت من إنقاذ حياتها وحياة الآلاف من النساء، عبر الحكايات المشوقة التي كانت تقصها على السلطان شهريار ليلة بعد أخرى حتى برد حزنه وغضبه وألغى أوامره بقتلها. وكانت قصصها تتناقل شفوياً عبر مئات السنين ليتم تدوينها في القرن الثامن عشر.

وكان سحر الشرق في القرن التاسع عشر مركز افتتان الملحنين، لما يكتنفه من غموض وأجواء وعوالم روحية. فمن تلك العوالم، همست أوتار موسيقاه أسراراً، وتأججت ألحانه ناراً، وأمواج محيطاته فيروزاً، ونشرت أنغامه عطور حدائق وبساتين فواحة، لتضج الحياة بألقها وروعتها.

وتضم هذه المعزوفة أربع حركات، تحمل كل منها عنواناً خاصاً بها، مع الأخذ في الاعتبار أن بناء المعزوفة يحمل محورين موسيقيين، الأول خاص بالسلطان ويتمثل بالنغمة أو اللحن البطيء المفخم ذي الإيقاعات القوية التي تبث الفزع في النفس، ويحمل المحول الثاني الخاص بشهرزاد، لحناً انسياباً متناغماً وعذباً.

يُذكر أن كورساكوف عاش عامي 1887 و1888 مرحلة غريبة من حياته، فقد لحن خلال هذين العامين ثلاث مقطوعات شهيرة هي، (شهرزاد، وكابريشيو إسبانيول، وافتتاحية مهرجان الفصح الروسي)، ليتوقف بعدها عن التأليف للأوركسترا، وليركز على الأوبرا تحديداً.

البحر وسفينة سندباد

يستهل كورساكوف افتتاحية معزوفته من أجواء السلطان لتنساب باتجاه عوالم شهرزاد. وتصف هذه الحركة سندباد المغامر البحار ومكتشف المحيطات، ووصوله إلى الجزيرة التي يتضح أنها ظهر حوت. والتقط في هذا المقطع تبدل المشاعر وتغيرها وتلون أحوال البحار، مع ترداد المقطع عدة مرات ولكن بصورة متجددة في كل مرة.

قصة الأمير قندهار

ينقل في هذه الحركة أجواء مشحونة بالعاطفة والإغواء والإثارة، عبر العزف الفردي بين آلة وأخرى في الأوركسترا. ويصور فيها قصة الأمير الذي يتنكر كرجل قبيلة من الدراويش، لتتصاعد الموسيقى بقوة الدوامة ولتنتهي بصورة مفاجئة درامية.

الأمير والأميرة

تدور الحركة الثالثة حول قصة حب، مليئة بالحب والمشاعر الحانية والدافئة وأصداء الحنين، ليقاطعها كورساكوف بين الحين والآخر بلحن منضبط صارم، قبل وصولها إلى قمة النهاية التي تجمع بين العذوبة والرقة والسكينة.

احتفال في بغداد

تجمع الحركة الأخيرة بين تأجج النار وهيجان الإعصار، وتترجم أجواء المهرجان الاحتفالية، قبل هيمنة غضبة العاصفة السوداء. وتضم الحركة الرابعة مجموعة من أجزاء القصص السابقة المتداخلة، حيث يتذكر السلطان كل شيء قالته له شهرزاد، ليبدأ باحترامها وتقديرها. وفي نهاية الحركة يتلاقى المحوران ويندمج اللحن المنخفض العميق مع النغمة الطافية المتصاعدة.

روميو وجولييت

تعتبر سيمفونية (روميو وجولييت) لتشايكوفسكي من روائع ما ألفه وبمثابة قصيدة شعرية، إلى جانب مقطوعتيه (العاصفة) و(هاملت) اللتين استلهمهما من أعمال شكسبير أيضاً. وما تتميز به هذه المقطوعة عن غيرها من مؤلفاته أنها لها شكل السوناتا ولا تنقسم إلى أربع حركات، مع مقدمة وتمهيد. وتعتمد على فصول المسرحية الثلاث.

يتناول في الفصل الأول شخصية فراير لورنس السامية من خلال أجواء روسية تحمل في طياتها الحب المحرم الذي عبر عنه بالوتريات المنخفضة، حيث كان اللحن ينساب قدماً وعودةً بين الأوتار والريح التي تنفخ في الأبواق لتزداد قوتها، ومنها إلى مبارزة السيوف. أما الإيقاعات المستوحاة من موسيقى الشارع فتشير إلى شخصية إيغور سترافينسكي وما بعده.

ينتقل تشايكوفسكي في هذا الفصل بصورة مفاجئة إلى إيقاع بطيء، حيث نسمع لحن أوتار الحب الحافلة بالعاطفة والتوق المحمل بالقلق الذي يحمله كل من جولييت وروميو، ابتداءً من لقائهما الأول تحت شرفة جولييت التي تعتبر محور أحداث الحب.

ينتقل بعدها إلى الصراع، بلحن مشحون بكثافة الانفعالات المتصاعدة، حيث تتحول موسيقى الأوتار إلى ما يشبه وقع السياط بمرافقة الناي الذي ينقل حالة ألم ومعاناة الحبيبين، ومنها إلى تصعيد يشير إلى انتحار الحبيبين، ليختم معزوفته بلحن هادئ بطيء الإيقاع، ولتأخذ أبواق النفخ دورها في عزف ذكرى ذاك الحب.أما قصة كتابة تشايكوفسكي الى اللحن، فتعود إلى المرحلة التي كان فيها مدرساً في المعهد الموسيقي في موسكو، وكان حينها شديد النقد لأعماله التي كان يدمرها بعد انتهائه من تلحينها.

حيث وصل إلى قناعة أنه استنزف قدراته الإبداعية. عندها أصر عليه مرشده الموسيقار بالاكيري أن يؤلف مقطوعة عن مسرحية (روميو وجولييت)، وكتب له مجموعة من المقترحات لبنية المقطوعة، مع إشارته إلى نوعية الموسيقى المطلوبة في كل فصل ومفاتيح العلامات المقترح استخدامها. وقدم له مثالاً معزوفته التي استلهمها من مسرحية (الملك لير).

النسخة الأولى

كتب تشايكوفسكي في النسخة الأولى الافتتاحية والمواجهة بين محوري العمل، بالصورة الأكاديمية لأي ملحن طلب منه هذا اللحن. وكان رد بالاكيري بعدما سمع المقطوعة، (عزفت المقطوعة عدة مرات، وأرغب في تهنئتك) وركز على الفصل الخاص بترجمة مشاعر الحب.

عمل تشايكوفسكي على تنقيح لحنه بصورة مستمرة وكانت رسائل البريد في حركة دائمة بين الطرفين. في النهاية أهدى المؤلف اللحن لمرشده عرفاناً بجميله.

وقدمت المقطوعة لأول مرة في 16 مارس عام 1870، وكان التجاوب معها كبيراً. وكتب المؤلف في ذاك اليوم، (تبع الحفل مأدبة عشاء. ولم يتفوه أي من الجالسين بكلمة عن الافتتاح طيلة الأمسية، ومع ذلك كنت في توق شديد لسماع كلمات تعرب عن التقدير والإعجاب).

النسخة الثانية

دفع فشل المقطوعة تشايكوفسكي إلى إعادة النظر في عمله والأخذ بجميع ملاحظات مرشده، وإلى تجاوز نفسه والانتقال إلى ما بعد قدراته الأكاديمية، وأعاد كتابة الكثير من المقاطع التي نسمعها اليوم مع عدم الاقتراب من المقطع الخاص بالحب، الذي سبقه بموسيقى تمثل حالة من التوتر.

وعادت الثقة بالنفس إلى المؤلف حينما أبدى عازف البيانو نيكولاي روبنشتاين إعجابه باللحن وطلب نشره في دار (بوت وبوك) ببرلين، لكن بالاكيري بعث له برسالة قال له فيها (من المؤسف أنك وروبنشتاين تتعجلان في نشر المقطوعة. فعلى الرغم من أن النسخة المعدلة أفضل، فهناك حاجة إلى المزيد من التغييرات.

وآمل لأجل المستقبل أن تبقى المقطوعة بين يديك لوقت أطول). وتم عزف المقطوعة المعدلة في سانت بطرسبرغ في 17 فبراير عام 1872.

النسخة الثالثة

أعاد تشايكوفسكي كتابة المقطوعة بعد مضي عشر سنوات، وحملت مقطوعته عنواناً فرعياً (افتتاحية فانتازيا)، وانتهى منها في 10 سبتمبر عام 1880، ولم يقدم حفلها الأول إلا في 1 مايو عام 1886 في جورجيا.

د. زيفاغو

رغب مخرج الفيلم ديفيد لين في بداية الأمر، أن يستخدم أغنية روسية تتناسب مع شخصية بطلة الفيلم والرواية (لارا)، لكنه عندما لم يعثر على غايته طلب من موريس جار خلال عمله على موسيقى (دكتور زيفاغو)، أن يرسم بموسيقاه تصوراً لشخصية لارا.

وبعد العديد من المحاولات الفاشلة التي استغرقت ما يقارب من خمسة أسابيع، طلب لين من جار أن يذهب إلى الطبيعة، حيث الجبال ليكتب مقطوعته، وفي فندق جبلي وضع اللحن خلال دقائق معدودة.

أحب لين المقطوعة لدرجة أنه استخدمها في عدة مقاطع من الفيلم عند منتجته. وحققت الموسيقى نجاحاً منقطع النظير، وباتت إحدى أهم المقطوعات الموسيقية في الستينات وحتى يومنا هذا، إلى جانب فوزه بجائزة أوسكار عام 1965، وليطلب منه تحويلها إلى أغنية حملت عنوان (في مكان ما حبيبي

الاثنين، 16 يناير 2012

الخوف عدوٌ أم صديق؟

الخوف صديقٌ أم عدو

هل الخوف صديق الإنسان أم عدوه؟ سؤال يعتمد على تعامل الإنسان مع مشاعر الخوف التي تكتنفه، فإما أن تدفعه لمواجهته وتجاوزه، أو الاستسلام له ليشل حياته ويدفعه إلى حالة العجز والانكفاء على نفسه. ومشاعر الخوف التي يعيشها أو يواجهها الإنسان متنوعة ولا حصر لها.

يمكن إحالة الخوف إلى عوامل خارجية وداخلية، وكل منها تضم قائمة واسعة من الأسباب لا يمكن حصرها، وإن غاب بعضها مع مرور الزمن فإن تطور الحضارات كفيل بخلق دوافعٍ جديدة يفرزها الواقع المعاصر. وعليه فإن مشاعر الخوف تلازم الإنسان طيلة حياته، وبالتالي تكون مواجهتها إما بصورة جماعية أو فردية.

ونظراً لكون مشاعر الخوف جزءاً بارزاً من كينونة الإنسان وصيرورة الحياة، كان من الطبيعي أن تجد تلك المشاعر من أصغرها كالحذر المعتدل والحيطة، إلى تطرفها المتمثل في الفوبيا والبارانويا، طريقها إلى البحوث العلمية والفلسفية وعوالم الأدب والفن.

الخوف الإيجابي
في البداية نتعرف على مشاعر الخوف من خلال وجهها الإيجابي، على الرغم من وصفه الدائم بالسلبية، فعلى أرض الواقع تأتي إلينا مشاعر الخوف لتحمينا وتحذرنا من خطر متوقع. وعليه فإنها تشحذ أحاسيسنا ووعينا بكل شيء يحيط بنا، لنتمكن من مواجهة أي تهديد أو أذى.

وإن كنا في مواجهة حدث أو تغيير مستقبلي، فإن الخوف يطلب منا أن نستعد لهذا التغيير ويقول، (أنتم مقبلون على أمر جديد ومختلف، وعليكم أن تكونوا مستعدين له وللتعامل مع كل ما يمكن أن يحمله من مستجدات).

هذا يعني أن الخوف يشكل أحد الدوافع التي توجهنا، لنقف في مواجهة إما الخوف من الفشل أو الرفض، أو الخسارة مما يدفعنا لاتخاذ كل ما يلزم للتغلب على تلك المشاعر السلبية.

هذه المواجهة تدفعنا إلى طرق أبواب جديدة واكتشاف خيارات وبدائل ومصادر جديدة لم تكن واردة لدينا من قبل، فالخوف من الرفض يدفعنا إلى الخروج عن مسارنا لبذل المزيد من الجهد لتقديم المزيد من القيمة لجوهر معرفتنا بهدف الحفاظ عليها واستمراريتها ونجاحها.

الخوف السلبي
يشل الخوف السلبي مشاعر وحركة الإنسان، ويمنعه من التطور والإقدام على أي تغيير في حياته وبالتالي الوقوع في فخ الكآبة والمرارة والنقمة. ويأتي هنا دور الطب النفسي ليساعد على مواجهة الإنسان لخوفه والتحرر منه، ابتداءً بالمخاوف العادية إلى الصدمات النفسية التي تجعل الفرد يعيش في حالة هلع يصعب الخروج منها بمفرده.

والخوف السلبي يدفع الإنسان لاختيار تحديات بسيطة بأقل المخاطر، إلى جانب اعتماد النفس الداخلية عليه للدفاع عن وجودها وبالتالي تلعب دوراً مخادعاً، لتقنع الفكر بأن ما هو عليه هو القرار الصائب. هذه المعادلة تقلص الاحتمالات والبدائل أمام الإنسان.

وبالتالي تحرمه من الكثير من الفرص. كما أن الخوف من ارتكاب الأخطاء، يجعل فكر الإنسان ضبابياً وغير قادرٍ على اتخاذ القرار، ويحول بينه وبين ما يرغب في معرفته.

الخوف في هذه الحالة يبني جداراً عازلاً بيننا وبين تفاعلنا مع الحياة، ويحول دون طرح الأسئلة التي نحتاج من خلالها إلى بناء روحنا ودعم مشاعرنا، ويقنعنا بالاستسلام لظرفنا بدلاً من نشدان ما نرغب به في حياتنا. وإن كنا نسمع فيما مضى مقولة (اهرب وانج بحياتك أو قاتل)، فإن الرديف الثالث لهذه الحالة هو الشلل والعجز عن الحركة والتصرف.

مفهوم الخوف بين الماضي البعيد والحاضر كبير، فبينما كان الخوف فيما مضى حارس الإنسان الأمين لنجاته من مخاطر الموت في الحياة البرية، فإن الخوف في العصور الحديثة بات معقداً وشائكاً ومتشعباً.

ومثال جيد على ردود الفعل الثلاثة، هو رصد ردة فعل مسافرين في مركب يوشك على الغرق، فنجد أن عدداً كبيراً من الركاب غرقوا بسبب جمودهم في مقاعدهم، بينما أفقد الرعب قلة منهم توازنهم، في حين اختار البعض مسك زمام الأمور ومساعدة الآخرين على النجاة.

الخوف الخارجي والداخلي
ينقسم الخوف الخارجي إلى قسمين، خوف جماعي وخوف فردي. الخوف الجماعي يتمثل في الأوبئة التي تجتاح المجتمع كالطاعون والجدري والشلل إلى أمراض العصر كالسيدا والسرطان والتهاب الكبد الوبائي وغيرها، إضافة إلى تهديدات الطبيعة كالبراكين والزلازل والأعاصير، والحروب، إلى جانب تهديدات البيئة والنتائج التي تواجهها البلدان نتيجة الإساءة إليها في الأزمنة السابقة.

والخوف الفردي يتمثل، بالخوف من شيء ما كالعناكب، أو الصراصير، أو المرتفعات، أوالأماكن المغلقة، أو الظلمة. وتصل درجة الخوف عند البعض حد البارانويا والرهاب، حيث يفقد الإنسان توازنه وتتسارع نبضات قلبه، ويصعب عليه التنفس ليصل في بعض الحالات إلى حالة فقدان الوعي والإغماء أو مفارقة الحياة.

أما الخوف الداخلي فينشأ، نتيجة أسباب عديدة ابتداء من تقليل شأن الذات، إلى عدم الثقة بالنفس أو الآخرين، إلى مواجهة صدمات نفسية عاشها الإنسان شخصياً أو عايشها.

مركزية الخوف
تمكن علماء بريطانيون من تحديد منطقتين للشعور بالخوف في دماغ الإنسان، وذلك من خلال مراقبة تغير ردود فعله على اقتراب الخطر منه أثناء ممارسته لألعاب الكمبيوتر.

ويعتقد الباحثون أن هناك منطقتين رئيسيتين مسؤولتين عن الخوف في المخ تسيطر أكثرهما نشاطاً على رد الفعل في حالة اقتراب الخطر، ولذلك فإن الخلل في التوازن بين المنطقتين قد يفسر بعض أسباب الإصابة باضطرابات القلق.

ولاكتشاف مواطن الخوف الحقيقية في المخ قام العلماء بإخافة مجموعة من المتطوعين عبر لعبة مطاردة إلكترونية وإذا قبض على بطل اللعبة يتم صعق اللاعب بشحنة خفيفة من الكهرباء.

وأظهر مسح المخ الذي يقيس تدفق الدم لدى اللاعب نشاطاً في الأجزاء السفلى من الفص الجبهي للمخ خلف الحاجبين حينما كان بطل اللعبة بعيداً عن مصدر الخطر، والأجزاء السفلى من الفص الجبهي للمخ هي المنطقة المسؤولة عن إصدار القرارات المعقدة مثل التخطيط للهرب أثناء التعرض للخطر.

ولكن حينما اقترب مصدر الخطر من بطل اللعبة، انتقل النشاط إلى منطقة المادة السنجابية المركزية في المخ والمسؤولة عن آليات رد الفعل السريع الخاصة بالبقاء على قيد الحياة مثل القتال والفرار أو تجمد الحركة. ونشرت نتائج الدراسة التي قام بها الدكتور دين موبس وزملاؤه من مركز (ويلكم تراست) للتصوير العصبي في جامعة لندن.

وقال موبس إن (الأمر مثل الأرجوحة فكلتا المنطقتين تلعب دوراً، ولكن واحدة منهما تصبح أكثر سيطرة من الأخرى في مراحل مختلفة من الشعور بالخطر). ويبدو أن الأجزاء السفلى من الفص الجبهي للمخ هي المسؤولة عن الأنظمة الأكثر بدائية في المخ، وأي خلل في هذا النظام قد يفسر ما الذي يدفع المصابين بنوبات الهلع لاتخاذ ردود أفعال مبالغ فيها تجاه مواقف لا تمثل خطراً مباشراً.

الخوف في الأدب
تناول الأدب موضوع الخوف في العديد من الأعمال الكلاسيكية والمعاصرة، إما بهدف الكشف عن تأثيراته وأسباب هيمنته على الإنسان أو المجتمع، أو بهدف عنصر التشويق والإثارة كما هو في أدب الرعب.

ومن أبرز الأعمال الأدبية التي تناولت الخوف كمحور بارز، قصة (موت موظف) للأديب الروسي أنطوان تشيخوف (‬1860 ــ ‬1940)، حيث انقلبت حياة بطل القصة الموظف البسيط ايفان ديمتريفيتش تشرفياكوف، إلى كابوس نتيجة وصول رذاذ عطسته إلى صلعة الجنرال الذي كان جالساً أمامه في المسرح.

هيمنت على ديمتريفيتش هواجس الخوف من نقمة الجنرال العجوز عليه، على الرغم من اللامبالاة التي أظهرها الأخير، وظلت مشاعر الخوف تتعملق في داخله حتى قضت عليه في النهاية.كما يعتبر الأديب الأميركي إدغار الآن بو (‬1809 - ‬1849) أول من وضع قواعد أدب الرعب لمن خلفه، من خلال سبعين قصة قصيرة كتبها.

ويرى بو أن الرعب أقصى مشاعر الخوف، يطهر الإنسان ويجعله أفضل، وتدور قصص الرعب عنده في عوالم سوداوية كئيبة قريبة من أجواء الكوابيس، ومفردات تشمل الدفن حياً وموت الأحباب والجنون والاضطراب والفصام والتي ترتبط دوما بالمآسي.

ومثال على ذلك قصة «سقوط بيت آشلر» حيث تحفل القصة من بدايتها وحتى نهايتها بكل المؤثرات، فيصف الراوي الجو الغامض المحيط بقصر أسرة «آشر» من الخارج والداخل، إلى جانب حواراته عن صديقه «آشر» واضطرابه العقلي، ومرض اخته الذي انتهى بدفنها .

وهي لاتزال حية، ثم انهيار البيت نفسه، والذي يرمز في النهاية إلى أسرة «آشر» نفسها. وقد حول المخرج «روجر كورمان» هذه الرواية إلى فيلم باسم «سقوط بيت آشر» عام ‬1960، تلاه بفيلم «الغراب» عام ‬1963.يبرز على صعيد القصة الطويلة والرواية، الكاتب السلافي فرانز كافكا (‬1883 ــ ‬1924) الذي برع في تصوير حالات الرعب الفردية،.

وتأثيرات مخاوف الإنسان التي تفرض عليه الوحدة والعزلة، ومثال على ذلك قصته الشهيرة (التحول)، حيث يصدم كافكا القارئ من الجملة الأولى، (استيقظ غريغور سامسا ذات صباح بعد أحلام مزعجة، فوجد نفسه قد تحول في فراشِه إلى حشرة هائلة الحجم).

ويُجري (كافكا) هذا الحدث غير الواقعي وغير محتمل الوقوع، في أجواء واقعية تماماً، موهماً القارئ بصدق هذا الكابوس حيث تمنى (غريغور) أن يكون ما يعيشه مجرد حلم مزعج مع وعيه باستحالة أمنيته.

ويصل المفكر والكاتب الفرنسي جان بول سارتر في روايته (الجدار) إلى أوج إبداعه في الكشف عن أعماق المشاعر الإنسانية، ووصف الحالات النفسية في أوج توترها وقلقها والعواطف الحادة التي تعصف بها من انعكاسات هواجس الحرب.كما ساعدت العديد من الأعمال الأدبية على كسر الشعوب لحاجز الخوف في داخلها.

والتمرد على واقعها، كرواية (كوخ العم توم) للكاتبة الأميركية هارييت بيتشر ستو (‬1811 - ‬1896) التي سلطت الضوء فيها على واقع حياة الأفارقة في أميركا والظلم الذي يعانون منه في ظل العبودية، وقد ساهمت هذه الرواية التي صدرت عام ‬1852 في اندلاع الحرب الأهلية بين شمال وجنوب الولايات المتحدة.

سينما الخوف
تمحورت السينما الغربية في معظم الأعمال التي قدمتها على عنصر الإثارة والرعب، بعيداً عن معالجة مفهوم الخوف بمختلف حالته إلا في حالات الفوبيا والبارانويا. وفي عام ‬2010 دعا مهرجان (ويركليتز) في برلين، إلى تقديم منعطف جديد في السينما تحت عنوان (للخوف عينين كبيرتين ).

حيث تجاوز المهرجان المعادلة المستهلكة للبطل الذي لا يصيبه أي أذى من الحروب والمخاطر والأهوال، إلى تقديم الخوف في أوجه جديدة مثل الجانب النفسي والجينات المتوارثة والخوف الاجتماعي المرتبط بالإعلام والحرب والخوف الفردي.

وقدمت السينما والتلفزيون المصري العديد من الأفلام والمسلسلات التي تناولت موضوع الخوف على مختلف الأصعدة. ففي السينما قدم فيلم (الخوف) عام ‬1972 حيث ترحل سعاد عن السويس إلى القاهرة بعدما فقدت أسرتها في حرب ‬67، لتتعرف بالصحافي أحمد، ومعه تعيش مأساة الخراب والدمار وموت أمها بين يديها، والفيلم من إخراج سعيد مرزوق.

وعن الخوف الاجتماعي قدم المخرج حسين كمال فيلم (شيء من الخوف) عام ‬1969 بالأبيض والأسود، حيث يصبح عتريس (محمود مرسي) الحفيد صورة من جده في القسوة والبطش والجبروت والإجرام ويتحكم في حياة قرية الدهاشنة بالإرهاب الذي يفرضه على أهلها.

يخطب عتريس فؤاده (شاديه) التي يحبها منذ الصغر ويطلب زواجها من والدها، لكن فؤاده ترفض، في حين يعلن والدها الذي يخشى غضب عتريس، عن موافقتها عليه. يتم الزواج مع رفض فؤاده الدائم له، وتعلمه بأن زواجهما باطل شرعًا لأنها لم توافق على الزواج.

في هذه الأثناء يحرض الشيخ إبراهيم الأهالي على عتريس وعصابته معلناً أن زواجه من فؤاده باطل، وتتحدى فؤاده أوامر عتريس وتسمح للمياه أن تروي أرض الفلاحين بعد أن منعها عتريس عنهم. وهكذا يتحدى الأهالي خوفهم من عتريس وعصابته ويحرقون قصره وهو بداخله.