الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011


2006-11-06 03:47:21 UAE


روايات خالدة

أطلس يتنحى
الفكر الموضوعي المستقل محرك القوة في العالم


بقلم :رشا المالح
 



كان لأعمال الكاتبة والفيلسوفة الأميركية آين راند الروسية الأصل دور كبير في تغيير تفكير شريحة واسعة من المجتمع الأميركي من خلال فلسفتها الموضوعية للحياة التي شملت الجانب الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ولدت راند في روسيا في 2 فبراير عام 1905 وكان والدها عصامياً وبنى محله المختص بالكيمياء بجهوده الخاصة.

منذ طفولتها شعرت أنها مختلفة عن المحيط من حولها وقررت أن تصبح كاتبة منذ أن كانت في التاسعة من عمرها. وفي مرحلة مراهقتها شهدت الثورة الروسية عام 1917 وحرب العصابات البلشفية التي أممت مخزن والدها وجردتهم من كافة ممتلكاتهم. وبعد تخرجها من الجامعة ودراستها للتاريخ، سافرت في عام 1926 إلى أميركا بدعوى زيارة بعض الأقارب لتستقر هناك طيلة حياتها. ومنذ وصولها بدأت العمل على روايتها الأولى (نحن الذين نعيش) ونشرتها في نهاية عام 1933، ومن ثم كتبت مسرحية «ليلة 16 يناير» التي عرضت على مسارح أميركا لزمن طويل. أما روايتها الثانية التي حققت لها نجاحاً نوعياً كانت (رأس النافورة) التي نشرت عام 1943 بعدما تم رفضها من قبل 12 ناشراً، وحققت مبيعاتها المستمرة رخاء مادياً لها.

توفيت آين راند في منزلها في نيويورك بسبب أزمة قلبية في 6 مارس 1982 وهي في الثامنة والسبعين من العمر. تدافع راند في روايتها «أطلس يتنحى» التي نشرت في عام 1957 واستغرقت في كتابتها مدة 14 عاماً، عن تفرد الإنسان واستقلالية الفكر المنتج الذي يمنح المجتمع استمراريته والتقدم.

وتؤكد من خلال أحداث الرواية أن التطور والإنتاج في المجتمع يتطلب عقلانية موضوعية ومنظومة قيم ومثل بعيدة عن هيمنة الوصاية، مع التوضيح بأن التضحية بالذات تؤدي إلى تدمير الإنسان وبالتالي المجتمع، وبأن القدرية على الدوام مرتبطة بالسببية. وعلى الرغم من أن أحداث الرواية تدور في مدينة نيويورك إلا أن راند لم تحدد زمناً لها وذلك للتأكيد على الفكرة بالمطلق التي لا ترتبط بحقبة زمنية محددة.

وأبطال الرواية ينقسمون إلى فئتين في المجتمع، والشعب الذي يكون على الدوام ضحية أي صراع ثالثهما. وأبطال الفئة الأولى هم، الأدمغة المفكرة والمنتجة على مختلف أصعدة الحياة سواء في الصناعة أو الطب أو الإنتاج أو الزراعة وغير ذلك. أما الفئة الثانية فهي الفئة التي تدين أصحاب الأدمغة والمفكرين والمبدعين الذين يدفعون بعجلة التطور والازدهار الاقتصادي، تلك الفئة التي منحت لنفسها حق الوصاية والسيطرة على هؤلاء المفكرين، ورسمت لنفسها منظومة من القيم والأخلاق تخولها بمعاقبة كل من استخدم عقله للابتكار والإبداع سواء على الصعيد العلمي أو الصناعي.

كما عممت منظومتها على الشعب وقدمت له شعارات تفيد بأن الفكر إنما يخدم ثروات أصحاب الأدمغة فقط، وبأن ثرواتهم ونجاحهم من حق الشعب أولاً وأخيراً. وبذلك جعلت تلك الفئة من نفسها وصية على المنتجين لتجردهم من حقوقهم في الإنتاج ولتكتسب لنفسها قوة ونفوذاً يؤمنان لها ثروة كبيرة على الصعيد الشخصي من دون الحاجة إلى العمل أو الإنتاج.

وأبطال الفئة الأولى التي تناصر العقل هم داغني تاغارات التي تعمل في مؤسسة السكك الحديدية التي أنشأها أجدادها منذ أجيال والتي آلت على نفسها تطوير الشركة واستمراريتها، وهناك أيضاً صديق طفولتها فرانشيسكو داكونيا، صاحب مناجم النحاس الشاب الثري والدون جوان،

وكذلك هانك ريردان الصناعي الذي يبتكر تركيبة جديدة للحديد الصلب الذي ينافس بمواصفاته ما هو متوفر في الأسواق، إلى جانب جون غالت مخترع المحرك الذي يحول الكهرباء الساكنة في الجو إلى طاقة محركة كبديل للفحم أو النفط، مع مجموعة من الصناعيين سواء في استخراج النفط أو الزراعة أو الفلسفة أو العلوم.

وهؤلاء الأدمغة ينحدرون من مختلف طبقات المجتمع.أما أبطال الفئة الثانية التي تكرس تغييب العقل لصالح منظومة القيم والربح السهل، فتتمثل بجيمس تاغارات شقيق داغني ذي الشخصية الضعيفة والعقل الخمول الذي يعيش صراعاً دائماً مع أخته بسبب إرادتها الصلبة وعقلها المفكر، وكذلك مجموعة من الانتهازيين المرتزقة الذين يبحثون عن مكان لهم في العالم يمنحهم السلطة والنفوذ بأسرع الطرق وأيسرها. ولا أسهل عليهم من ممارسة لعبتهم على الشعب بدعوى حق المساواة في الثروات وتشييع الإنتاج والفكر مع منع استخدام العقل.

ومع ازدياد نفوذ المرتزقة يتدهور الاقتصاد على مختلف الأصعدة، وتتصاعد الأحداث باطراد مع عنصر التشويق حينما يبدأ رؤوس الفكر ودعامة الاقتصاد بالاختفاء تدريجياً الواحد تلو الآخر، وهذا الأمر أشبه بإضراب فكري. ليجد أصحاب النفوذ أنفسهم في مأزق أشد صعوبة من الذي سبقه سيما مع عجزهم على إدارة وإنتاج ما تم تشييعه من الصناعات.

وفي خضم هذه الأحداث تأخذ كل من داغني وهانك على عاتقهما مواجهة الظروف الجديدة ومحاولة التغلب عليها للاستمرار في الإنتاج، وفي ذات الوقت البحث عن مخترع ذلك المحرك العجيب الذي يعد بمرحلة صناعية جديدة.

ومنذ بداية العمل يتردد السؤال «من هو جون غالت؟» على لسان الناس كلما طرح سؤالاً مهماً يتطلب التفكير ولا إجابة له.هذا السؤال الذي كان يستفز داغني يتم الإجابة عليه في نهاية الرواية، فجون غالت هو الرجل الذي يحتقر الأعضاء غير المنتجين من الفئة الثانية في المجتمع والذين يسخرون القانون والإحساس بالذنب لاستنزاف الآخرين والشعب.

وينتصر في النهاية أصحاب الفكر الذين يأخذون عهداً على أنفسهم بأن أحدهم لن يعيش حياته أبداً لأجل رجل آخر، أو أن يسأل رجلاً آخر أن يعيش حياته لأجله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق