ثيمبي جونز تجسد مأساة شعب بالكوميديا السوداء وعبدالحكيم الصالحي يتحدى نفسه
«في انتظار امرأة» تتألق برمزيتها و«مجرد نفايات» بسردها
ثيمبي تعتني بأطفال مخدوميها
أمضى جمهور العرض الأول من الدورة السادسة من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما والذي جاء من من جنوب أفريقيا "امرأة في الانتظار" لفرقة يايل فاربر للإنتاج الفني وإخراج يائل فاربر، وقتاً نوعياً مع الحكاية التي جسدتها الممثلة ثيمبي متشالي جونز على خشبة مسرح جمعية دبا، وتفاعل معها على الرغم من حاجز اللغة الذي تجاوزته بالتعبير والإيماءة والجسد والأغنية والدمعة. تأخذ ثيمبي الجمهور في رحلة عبر سيرتها الذاتية من زمن التمييز العنصري في جنوب إفريقيا حينما كانت طفلة تعيش في كنف جدتها ولا تفهم أسباب عدم تمكنها من رؤية والديها سوى مرة واحدة في العام، حيث كانت تعد توالي ظهور القمر على مدى العام حتى لقائها بوالديها وحتى تبلغ 12 عاماً كي تذهب لتعيش في كنف والدتها في بلدة بين.
حلم يتشظى
ما إن يتحقق حلمها حتى يتشظى حينما ترى أمها التي تعتبرها محور الكون، تتضاءل وتنكمش أمام مخدومها لترتطم بواقع كسر قلبها، لتعيش في مدينة مزدحمة لا مكان لها فيه، وليستمر تعطشها لحضن أمها الذي لا تلقاه سوى في العطلة الأسبوعية لوالدتها التي تأتي منهكة بعد نهار تمضيه في مطبخ أحد السادة البيض، لتعيل سبعة أطفال هجرهم والدهم، ليتكفل القدر بتربيتهم.
مفارقات عالمين
تبدأ مأساة ثيمبي التي لا تعرف عن الحياة شيئا حينما تجد نفسها حاملا وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وتقرر العمل كخادمة لإعالة ابنتها، حينها تدرك أسباب غياب والدتها عنها. تقوم ثيمبي برعاية وتربية أبناء مخدوميها البيض وهي تتحسر على حرمانها من رعاية ابنتها واحتضانها كما تحتضن أبناء الغرباء، الذين وإن تعلقت بهم تدرك أنها في أية لحظة يمكن أن تطرد لتحمل حبها معها.
وتتابع المشاهد الدرامية المؤرقة واللاذعة والتي لا تخلو من مواقف كوميدية تعكس تلك المفارقات بين العالمين. ويبتسم لها القدر أخيراً، حينما تشاء المصادفة أن تعمل لدى عائلة تساهم ابنتهم الشابة التي أعجبت بصوت وغناء ثيمبي في تغيير حياتها حينما تقترح عليها أن تشارك في تجربة أداء للغناء أعلن عنها في إحدى الصحف. وهكذا تتحرر ثيمبي من حياة أسلافها السابقة لتشق طريقها وتصبح إنسانة مستقلة لتشارك أول مرة في الانتخابات بعد إطلاق سراح نيلسون مانديلا.
أجواء متخيلة
استطاعت ثيمبي التي تجاوزت الستين من عمرها، أن تقنع المشاهدين بلعبها دور الطفلة التي تحكي مع القمر والطيور، والفتاة اليافعة التي يصدمها واقع المدينة والشابة الأم التي تستنزفها الحياة الشاقة، وتمكنت من خلال غنائها بلغتها الأم لتعود إلى اللغة الانجليزية أن تجسد أجواء بيئتها بمهارة وعفوية آسرة.
كما ساعدت أدوات الديكور البسيطة في خلق الأجواء المتخيلة بين صندوق خشبي يتحول من مأوى لها يحميها من العواصف، إلى مركبة تنقلها إلى المدينة فسرير لأطفال مخدوميها، وحبل الغسيل الذي تنشر عليه ثياب مخدوميها. أما المشهد الرمزي الإخراجي الذي ترك أثراً قوياً في نفوس المشاهدين فتمثل في الثوب الضخم الذي أنزل من أعلى خشبة المسرح والذي يجسد أمها التي بدت عملاقة أمام ابنتها التي كانت تسير بصحبتها في المدينة. ليتهاوى هذا الثوب تدريجياً أمام تأنيب مخدوم البيت الذي تعمل فيه أمها أمامها، لتخرجه ثيمبي من المرحاض بعدما انكمش ليصبح لطفلة صغيرة. والمأخذ الوحيد على العرض الإطالة في المشاهد الأخيرة التي استنزفت المشاهد بعد شحنة كثيفة من الانفعالات.
التجربة الأولى لعُمان
قدم العرض الثاني العماني "مجرد النفايات" على مسرح بيت المونودراما للمخرج خالد العامري، حكاية سجين سابق جسدها الممثل الشاب عبد الحكيم الصالحي. وتمثلت حكاية العرض في معاناة رجل هجرته زوجته مع ولديها ليبقى في عزلة يواجه فيها آلامه. ليتعرف المشاهد على مأساته التي بدأت باعتقاله بحثا عن أخيه الهارب، ليضطر تحت التعذيب والتهديد بالإعدام الوشاية بمكان أخيه، وليقوم لقاء حريته بتنفيذ حكم الإعدام بالرصاص لعدد من المحكومين ليكتشف بعدها أن أخيه كان واحداً منهم.
وفي مونولوجات درامية يجلد الرجل نفسه ويحتقر جبنه وعدم مقدرته على الانتحار والخلاص من عذابه الداخلي ويتساءل بصورة دائمة كيف تخوف من الموت في المعتقل، بينما ينشده ويتمناه وهو حر طليق. وتنتهي الحكاية باعتباره جزءاً من نفايات الكتب التي لم تتمكن البطولات التاريخية من منحه الشجاعة والشهامة حينما كان بأمس الحاجة إليها، وبالتالي يضع نفسه بين نفاياتها بانتظار قدوم سيارة القمامة التي تمر على حيه المهجور كل أسبوع.
إيقاع واحد
تميز الممثل عبد الحكيم الصالحي بتمكنه من أدواته وصوته، وإن كان المأخذ على أدائه الاعتماد على السرد في التعبير عن مختلف المراحل في إيقاع واحد من بداية وحتى نهاية العرض. ولم يساعده ديكور العرض في التلوين بالأداء والاستعانة بالمتخيل في تجسيد الحالات والشخصيات الأخرى كرجل الأمن وغيره.
واللفتة البارعة في الإخراج تمثلت باستعانة المخرج خالد العامري بمشهد سينمائي في بداية العرض جمع بين النار والعواصف والماء وغيرها لينزل عليها اسم العرض والعاملين فيه، مما ساعده على الاستئثار بالجمهور وتهيئته قبل العرض، وتعكس هذه المبادرة موهبة وقدرات المخرج المستقبلية، خاصة وأنها التجربة الأولى لعرض مونودرامي تقدم في عمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق