المحامي والخبير بالأعمال الفنية جيوفاني روسي:
ما نهبه هتلر من مقتنيات بحكم المجهول ولا يقدر بثمن
لطالما شغلت اللوحات الفنية التي سُرقت من قبل النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، العالم في كل عصر وزمان. ونسمع بين الحين والآخر خبر استعادة متحف أو ورثة للوحة كانت ضمن مجموعة مقتنياتهم. وما لا يعرفه الكثيرون أن نسبة اللوحات التي أعيدت لأصحابها الشرعيين أو المتاحف التي كانت تمتلكها منذ انتهاء الحرب وحتى اليوم لا يتجاوز 10 %.
»تبدأ الحكاية من بداية الحرب العالمية الثانية عام 1936 حينما صدر القانون المدني السويسري الذي يحفظ سرية الحسابات المصرفية للعملاء، بهدف حماية ثروات الفارين سواء من الحكم النازي في ألمانيا أو الفاشي في إيطاليا«، هذا ما يؤكده المحامي السويسري جيوفاني روسي، الذي يعمل في مكتب المحاماة »بونارد لو سن« في دبي، وهو معني بالأعمال الفنية من بيع وشراء وتأمين وحفاظ على المجموعات الفنية الخاصة بالمقتنين وغيرها.
بداية يعرّف روسي بمحوري قصة سرقة اللوحات من قبل النازية على امتداد أوروبا، المحور الأول مرتبط بالنازيين وحلم هتلر بإقامة متحف فني عالمي يحمل اسم »متحف القائد« في بلدة مسقط رأسه لينز بالنمسا، وبالتالي سرق النازيون الأعمال الفنية من كافة البلدان التي احتلوها بما فيها الكنائس والمتاحف. وكانوا يخفونها في كهوف الجبال. ولولا شجاعة وجرأة بعض الرجال الذين حالوا دون تنفيذ رغبة هتلر بتدميرها جميعاً لدى هزيمته، لفقد العالم ثروة فنية تاريخية لا تقدر بثمن.
وينتقل إلى المحور الثاني للقصة قائلاً : سارعت العديد من العائلات الأوروبية وبالأخص الإيطالية مع بداية الحرب إلى تخبئة أموالها ومقتنياتها من اللوحات في مصارف سويسرا، وحرصت الكثير من العائلات اليهودية إلى فتح حساباتها بأسماء أصدقاء لها في سويسرا تحسباً للظروف. كذلك الأمر بالنسبة للضباط النازيين الذين احتفظوا بالعديد من اللوحات لأنفسهم.
ويضيف روسي: بعد انتهاء الحرب بقيت الكثير من الأرصدة مغلقة، إما بسبب تصفية العائلات بعد اعتقالهم أو هجرتهم ووفاتهم قبل معرفة ورثتهم بحساباتهم السرية. واستمرت الحال على ما هي عليه حتى عام 1998 وانعقاد »مؤتمر واشنطن« بشأن نظم تتبع الأعمال الفنية المفقودة التي صادرها النازيون، ليعتبر البادرة الأولى بشأن المطالبة والبحث عن اللوحات المسروقة في 43 دولة وقعت الاتفاقية. وعلينا هنا الأخذ بالاعتبار القانون السويسري الذي يحفظ حق المشتري بالنوايا الحسنة. أي أن المواطن السويسري الذي يشتري عملاً فنياً مسروقاً (دون دراية) يحميه القانون. وهكذا نجد في رصيد المقتنين السويسريين من تلك المرحلة عدداً كبيرا من لوحات فنانين مشهورين.
هتلر والانطباعية
ثم يفتح روسي باباً آخر لحكايته: لا بد من الإشارة إلى أهمية تلك المرحلة التي ازدهر فيها الفن الانطباعي، والذي عشقته العائلات اليهودية لتقتني أعداداً كبيرة منها لاسيما للفنانين سيزان ومونيه وماتيس وميرو وغيرهم والتي كانت حينها زهيدة الثمن وليس بالملايين كما هي الآن، علماً أن النازيين اعتبروا التيار الانطباعي فناً هابطاً وبالتالي أحرقوا الكثير من نتاجه.
مؤتمر واشنطن
يعود روسي إلى التسعينات من القرن الماضي ويقول عن نتاج مؤتمر واشنطن: كانت سويسرا في موقف حرج بين الحفاظ على سرية الحسابات وبين التعاون لأجل استرجاع الأعمال سواء من قبل المتاحف أو ورثة مالكيها. وعليه أنشأت المصارف السويسرية مكتباً خاصاً بهذه القضية. وتتمثل مهمة المكتب في استلام طلبات الأفراد والجهات المعنية مع إرفاقها بدليل أو دلالات، وثانيها الذهاب إلى المتاحف والمقتنين السويسريين والبحث في مجموعاتهم عن شرعية الأعمال وهذا أمر في غاية الصعوبة لا سيما مع القانون الذي يحمي المشتري، فكيف إذا كان العمل وصله بعد عدة مشترين!.
يعلق روسي ضاحكاً: بالطبع لم يكن هناك سهولة في الحصول على المعلومات والتقصي عن الأسماء كما في عصر التكنولوجيا وتقنيات التواصل الحالية. كان بإمكان أي إنسان فتح حساب في أحد المصارف السويسرية عام 1930، والإجراء الوحيد المطلوب آنذاك كتابة الاسم والتوقيع.
ابتسامة غامضة
أما ماذا يحدث لحساب وإيداعات العائلات التي قتلت في المعسكرات وغابت معها جميع المعلومات الخاصة بحساباتها، فيقول: تبقى الحسابات التي لا حركة فيها مفتوحة لمدة عشر سنوات، بعدها يصبح حساباً نائماً. وإذا ظهر أحد الورثة فعليهم تفعيل الحساب من خلال مكتب خاص بالحسابات النائمة قبل مضي 15 سنة، ويرسم على وجهه ابتسامة غامضة، لدى سؤاله لمن تعود ملكية إيداعات تلك الحسابات.
أشهر 5 لوحات سرقها النازيون
أشهر 5 لوحات فنية سرقها النازيون من إجمالي 750 ألف عمل:
»القديسة جوستا وروفينا« التي عثر عليها بمتحف »ميدوز« في دالاس بالولايات المتحدة.
»رسام في الطريق إلى تاراسكون« للفنان الهولندي فنسنت فان كوخ الذي انتحر عام 1890 .
»بورتريه للدكتور غاشيه« للفنان الهولندي فنسنت فان كوخ، الذي اعتبره هتلر من الفنانين الهابطين.
»بورتريه أديل بلوش-بوير 1« للفنان النمساوي غوستاف كليمت التي رسمها عام 1904.
»صبي شاب بجيليه حمراء« للانطباعي الفرنسي بول سيزان، ضمن متحف الضابط الألماني إميل غيورغ بورلي في سويسرا.
القديسة غوستاوروفينا للفنان الاسباني بارتولومي إيستابان موريلو من القرن 17
رسام في الطريق إلى تاراسكون للفنان الهولندي فنسنت فان غوخ
بورتريه للدكتور غاشيه للفنان الهولندي فنسنت فان غوخ
بورتريه أديل بلوش-بوير 1 للفنان النمساوي غوستاف كليمت
صبي شاب بجيليه حمراء للانطباعي الفرنسي بول سيزان
عائلة تستعيد لوحتها بعد 74 عاماً
بقيت لوحة »بورتريه سيدة« التي رسمها الفنان الهولندي يوهانز فيرسبرونك في القرن 17، معلقة في غرفة نوم ألما سالومونشون في برلين حتى مصادرتها من قبل النازيين عام 1940. واكتسبت هذه اللوحة قيمة مضاعفة لدى ألما بعد وفاة زوجها المصرفي والصناعي الألماني الشهير آرثر عام 1930، قبل وصول هتلر إلى السلطة بثلاث سنوات، وكان آرثر قد اقتنى خلال حياته مجموعة من الأعمال الفنية القيّمة.
وبادر النازيون بعد مصادرة لوحات العائلة إلى عرضها في العام التالي خلال مزاد. وبعد هجرة ألما وأسرتها إلى الولايات المتحدة غيرت اسم عائلتها إلى سولمسن، وبدأت رحلة البحث عن ممتلكات الأسرة الفنية. وساهم في البحث حفيدها المحامي الشهير في فيلادلفيا بيتر سولمسن، الذي أسس مع الأسرة مكتباً في برلين مختصاً بتعويض الأعمال المصادرة من قبل النازيين.
وفي عام 2003 عثرت العائلة على لوحة »بورتريه سيدة« في غاليري »إيه جي إتش« الكندية.
مساجلات في المحاكم
رفعت السيدة الباريسية ليون ماير أخيراً دعوة قضائية على جامعة أوكلاهوما في الولايات المتحدة، لاسترجاع لوحة »الراعية تعيد الخراف« للفنان الفرنسي كاميل بيسارو التي رسمها عام 1886. وتدّعي ليون أن هذه اللوحة سرقت من والدها رجل الأعمال في باريس خلال احتلال النازيين لفرنسا.
وهذه اللوحة حالياً معلقة في متحف الفن الخاص بفريد جونز الأصغر. وكان المسؤولون عن الجامعة قد رفضوا إعادة اللوحة في دعوة مسبقة أقيمت بسويسرا والتي تجاهلت مطالبة العائلة استناداً على جوانب مرتبطة بالتقنيات. وفي الوقت نفسه لا تنكر الجامعة أن اللوحة سرقت من عائلة خلال الحرب العالمية الثانية.
ويذكر مشرّع القانون مايك رينولدز في رسالته إلى فورد بيل رئيس حلف المتاحف الأميركية، أن الجامعة انتهكت معايير المؤسسة المعتمدة لدى فشلها في تقصي مصدر اللوحة. ويشير إلى الاستقالة المفاجئة لمديرة المتحدة إيملي نيف، بعد مضي يوم أو يومين من استلامها لرسالة من لجنة بيت حكومة أوكلاهوما بخصوص تساؤلاتها حول كيفية تعامل المتحف مع هذه القضية.
فرنسا تعيد 7 لوحات إلى أصحابها
أعادت فرنسا في العام الماضي سبع لوحات لأصحابها من عائلتين يهوديتين، كخطوة جديدة ضمن خطة إعادة مئات الأعمال التي لا تزال معلقة في قاعات متحف اللوفر وغيره من المتاحف. وكانت اللوحات قد بيعت قبل 70 عاماً. وكان من المقرر أن تعرض اللوحات السبع في متحف اللوفر.
وأنهى استلام العائلتين للوحاتهم صراعاً دام سنوات مع الحكومة الفرنسية وقال برونو سونيير من وكالة المتاحف الوطنية، »هذه حالة نادرة جداً، وهو أكبر عدد من اللوحات نعيده للعائلتين بعد أكثر من 10 سنوات«.
وست من هذه اللوحات للفنانين أليساندرو سيباستيانو ريتشي وغاسبار ديزياني، كانت ملكاً للنمساوي ريتشارد نيومن، الذي كان ثمن هربه من فرنسا تخليه عن لوحاته تلك.
رجال الآثار
يتناول الفيلم الحربي »رجال الآثار«، من كتابة وإنتاج غرانت هيسلوف والممثل الشهير جورج كلوني وإخراج الأخير الذي عرض العام الجاري، نجاح فريق من الحلفاء في استعادة الكنوز التي سرقها النازيون بما فيها الأعمال الفنية. وتمثلت مهمة الفريق في العثور على الأعمال الفنية وإنقاذها من التلف ووضعها في مكان آمن. وشارك مات ديمون في بطولة الفيلم إلى جانب كلوني.
اكتشاف مخبأ
اكتشفت قوات الحلف وفي مقدمتها الأميركية في 7 إبريل عام 1945، كنزاً من الذهب والبلاتينيوم والفضة والأعمال الفنية، التي أخفاها النازيون في كهف ملح ميركيرز بالقرب من قرية ميركيرز. وتجاوزت قيمة الأعمال الفنية من لوحات وتماثيل نصف مليار دولار. وسارعت بنقلها إلى مكان آخر قبل وصول القوات الروسية إليها. ومن ضمن القادة الأميركيين الذين أشرفوا على نقل الكنز دويت إيزنهاور وجورج باتون وعمر برادلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق