الأحد، 1 فبراير 2015

روائع السريالية مع علي أكبر صادقي









علي أكبر صادقي : السوريالية الإيرانية تحمل إرثاً من الرموز والعناصر

من مهد حضارة الفرس العريقة، برز اسم الفنان الإيراني المخضرم المتعدد المواهب علي أكبر صادقي الذي وهب نفسه للفن فأبدع وأثرى الفن التشكيلي السوريالي وقدم رؤية نقية سامية للعالم لا يشوبها التلوث البصري أو الفكر المادي. فأعماله الفنية وعلى الأخص الحديثة منها تدعو للمحبة والسلام والتفاؤل ويتجلى ذلك من خلال الألوان المشرقة المتناغمة عبر عناصر ترمز إلى الحياة والمستقبل. الفنان صادقي قال ل«مسارات»خلال افتتاح معرضه في غاليري بيسمنت في دبي، «اخترت دبي لعرض لوحاتي الجديدة لأول مرة، لان دبي مدينة الحداثة التي تحتض الفن المعاصر وتحتفي به».ويعود تاريخ أقدم لوحة له في المعرض إلى عام 2004. وصادقي واحد من الفنانين المتمكنين من أدواتهم الذين بإمكانهم تنفيذ أية فكرة تخطر في البال، فمهارته التقنية التي اكتسبها خلال خمسة وأربعين عاما، مكنته من ولوج مختلف حقول الفن البصري الثلاثي الأبعاد الذي تدخل فيه عناصر مواد خارجية يتم تطويعها حسب الرغبة مثل الصلصال والألوان والبلاستر.



ويجسد صادقي في عدد من لوحاته، العلاقة بين الامتداد خارج إطار اللوحة وبين الدخول في العالم الخارجي، وهو نزوع لتشكيل لغة جديدة تتجه نحو اللا محدود واللا مرئي الذي يخلقه فضاء الفن البصري في علاقته بالمشاهد، حيث تتجاوز الرؤية السوريالية الإدراك العقلاني إلى الإدراك الحسي، الذي يلعب دوره الأساسي في كشف الرؤى الفنية التي تمتد في نسبية الزمان والمكان.

محطة تأمل
وفي إطار وصفه لمرحلته الفنية الجديدة، قال صادقي انه توقف عن الرسم قبل أربعة أعوام لإصابته بحالة اكتئاب استمرت لمدة عامين خرج منها عبر كتابته للقصائد والأشعار التي سيقوم بنشرها قريبا. ومن خلال تلك القصائد تجاوز المحنة وعاد إلى فنه، كما استلهم منها مواضيع لوحاته التي تزين جدران الغاليري، والتي تحمل المشاهد إلى عوالم تشيع في داخله البهجة والأمل وتبعث فيه حيوية تثير الدهشة، فكل لوحة لها رموزها وطقوسها وعوالمها، فالتفاحة العنصر الأساسي في معظم لوحاته دائما نضرة متألقة بصرف النظر عن المحيط الذي يحاصرها أو يضغط عليها سواء بسهام أو رؤوس معدنية حادة، وكذلك الحال مع العصافير والورود والزهور والنباتات التي تعتبر من عناصر فن المنمنمات الإيراني الذي يرجع إلى عهد السلاجقة.



ويؤكد صادقي أن الفن السريالي يستطيع أن يجمع بين العناصر المتناقضة والبناء عليها مضيفا: أعرف مثل الآخرين عن السماوات السبع والجحيم. لكن قراءتي للأمثال والألقاب والتغيرات والقناعات تترجم إلى صور. مثل جملة «غمر البطل بالمعدن والفولاذ» التي جسدتها باختناقه تحت أسلحته».



علاقته بالسوريالية
بدأ تأثر علي أكبر صادقي بالسوريالية في مرحلة دراسته للفن في كلية الفنون الجميلة في طهران عام 1950، أي بعد ظهورها بسنوات، وكان متابعا لأعمال سلفادور دالي وماك غريد وماك ارنست وأنه استلهم مواضيع أعماله من الأساطير الفارسية وفلسفتها، وبذا كان يجمع ما بين حداثة الفن في الحركة الأوروبية وما بين عراقة تاريخ الأسلاف.



وعن علاقته بالألوان، قال صادقي ان الرسم بالألوان المائية بمثابة محطة استراحة له، يلجأ إليها بعد عودته من الأستوديو والرسم لساعات طويلة بالألوان الزيتية. ومن خلالها يتحرر من الانضباط والتركيز الذي يتطلبه عمله على اللوحات الزيتية. وكذلك يبتعد عن عالم السوريالية والكوابيس ليرسم الأشياء المحيطة به بحرية وعفوية مطلقة.




أما عن تعامله مع الألوان الزيتية فيوضح أنها مرتبطة عنده بمعاني العالم ورؤيته للوجود، ومدخل لمخيلة أفكاره، وتتطلب أعماله الزيتية الكثير من الدقة والوعي، لتنفيذ عناصره التي تستدعي دراسة توازنها مع مضمون اللوحة واللعب من خلال اللون بالأحجام. وهو نادرا ما يستعمل الألوان كما هي في الأصل، فهو يمزج ويخلط، وغالبا ما يهيمن لون أوحد على لوحاته، وهذا أمر شاق إن أخذ في الاعتبار الألوان الزاهية التي يستخدمها في أعماله.

وعن الفن المعاصر في القرن الحادي والعشرين قال، «تثير اهتمامي الحركة الفنية المعاصرة وأتابع أعمالها منذ عام 1940، وأنا أؤمن بريادة الفن بأي أسلوب كان وفي أي عصر ومكان».

وشارك في العديد من المعارض الفنية الجماعية والفردية في أوروبا والولايات المتحدة، وقد استأثرت أعماله بحب الجمهور في سويسرا وكاليفورنيا. ولوحاته التي عرضت في دبي تشكل بداية مرحلة جديدة يتجاوز فيها انتقاله من الشخوص المغيبة التي تبحث عن هويتها أو الجانب المظلم من نفسها إلى التصالح مع الذات والانسجام مع العالم.



نقلة نوعية للسوريالية
وعن مشاريعه المستقبلية أعلن أنه سينتقل مجددا إلى مفهوم جديد في الفن يعتمد في التركيز على عنصر الأشياء لينتقل بذلك خارج إطار اللوحة المسطحة إلى سوريالية بأبعاد متعددة ذات صلة بالفراغ المحيط. وتتجلى تلك النقلة النوعية في أعماله التي قدمت في المعرض.



ويجتمع في كل عمل العديد من العناصر المختلفة. فالكرسي الخشبي بأرضيته النارية التي تحتضن قلبا صافيا من البياض المعكوس في غيوم الطبيعة الحالمة لمسنده القشي، يرتكز على أرجل ما هي بأرجل في توازيها أو تساويها، ليخترق معدن البراغي الفولاذية الداكنة نضرة وصفاء ألوان سوقها، المختوم واحد منها بمحور معدني لولبي.
أما السترة فقد امتلكت حجما من الفراغ الداخلي، لتستمد وجودها من رموز عناصر الطبيعة، فمن أسماك تطوق الأكمام السابحة بمياه تمتد إلى شاطئ واجهة السترة الذي تلامسه الغيوم المتداخلة، التي يسبح فيها التفاح الأحمر والأصفر المربوط بخيوط إلى جيب السترة اليمنى واليسرى.

والتي يحط على سطح كل منها عصفور من سرب يملأ الصدر بحياة وحيوية الربيع الذي ترى أنصاره في الخنافس الحمراء لشقائق النعمان المصطفة على حواف ياقة السترة التي تفصلها عن الأكمام رؤوس معدنية لرتب عسكرية تلقى صداها في العزقات التي تلعب دور الأزرار.



مواهب متعددة
يمارس الفنان علي أكبر صادقي اهتمامات ابداعية أخرى فإلى جانب كتابة الشعر ونظم القصائد، يهتم بفن الرسوم المتحركة الذي برع فيه. وكان صادقي من مؤسسي هذا الفن في إيران وشارك في العديد من لجان التحكيم لمسابقات ومهرجانات في مختلف بلدان العالم من ضمنها مهرجان باريس العالمي قبل عشر سنوات وتم تكريمه من خلال تسمية المهرجان باسمه. كما حاز على العديد من الجوائز العالمية، مثل جائزة غاندي للسلام عام 1974.

الفنان في سطور
بدأ علي أكبر صادقي الذي ولد عام 1937، بتدريس الرسم لصفوف الثانوية عام 1950 وكان يرسم حينها بأسلوب الجرافيك وبالألوان المائية إلى جانب رسومات المطبوعات. وفي عام 1958 التحق بكلية الفنون الجميلة في طهران وبدأ الرسم بالألوان الزيتية. وسرعان ما ابتكر أسلوبا خاصا به متأثرا بفن مدرسة المقهى، وفن الأيقونات والرسم الإيراني التقليدي للوجوه وأسلوب القاجار الذي يجمع بين السوريالية وفن الزجاج الملون.
وشارك في 25 معرضا فرديا و7 معارض جماعية، وأنتج ما يزيد عن 7 مجلدات عن أعماله، وكان عضوا محكما في 10 معارض بينالي، كما قدم ستة أفلام رسوم متحركة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق