«الحنين والزمن».. طبيعة لبنان الجبلية بالمائيات
هناك لوحات لا تكشف عن نفسها إلا للمتمعن فيها، كما هو حال النص الأدبي، فكلما استزاد القارئ منه، تكشفت له أبعاد جديدة من الجماليات. ويتجلى هذا القول في زيارة المعرض التشكيلي الفردي «الحنين والزمن» للفنان اللبناني هادي يزبك الذي افتتح أول أمس في منتجع شاطئ دبي مارين.
يستوقف الزائر في الجولة الأولى للمعرض الذي يضم 51 لوحة ويستمر حتى 26 يناير الجاري، براعة الفنان يزبك في رسمه لطبيعة لبنان الجبلية وبيوته الحجرية بشفافية المائي، ووجوه البورتريه المعبرة التي تعكس خصوصية بيئتها وتاريخها.
وخلال تلك الجولة يتوقف الزائر زمناً أطول أمام عدد من اللوحات دون غيرها، والتي يخرج فيها الفنان عن إطار المشهد البانورامي العام للطبيعة إلى مشهد يعنى بجزئية ما من تفاصيل المشهد.
جزئيات التفاصيل
لا يملك الزائر بعد انتهاء جولته إلا العودة إلى تلك اللوحات المعنية بالتفاصيل، ليتمعن في سر انجذابه إليها. ويتكشف له خلال تأمله في جزئيات تفاصيلها، جماليات تبهر العين وتشبع الروح، في تداخل الألوان والتكوين. كلوحة «نهر إبراهيم» التي تصور جريان المياه بين الصخور تحت ظلال أوراق الشجر، ولوحة «عنب» التي تصور عدداً من العناقيد البنفسجية اللون المتدلية من العريشة المشعة بالنور، والتي تتداخل في عمق ظلالها علاقة من الألوان تأسر شغاف النفس، كما هي الحال مع لوحة «التين» وحباتها الداكنة اللون بحمرتها المزرقة، وأوراقها التي تُرى في جزء منها أجمل ما في ألوان الخريف.
نهر إبراهيم
وسرعان ما يعود إلى «نهر إبراهيم» ليكمل بمخيلته عوالم اللوحة ليسمع خرير جريان المياه ويتنشق النسيم البارد من انعكاسات وريقات الشجر وزرقة الصخور. ويرتقي الزائر إلى حالة من الإحساس الشفيف مع كل سنتيمتر من اللوحة بما فيها من روعة تشكيلات الألوان وتناغمها، والتي لا تتجلى إلا بالألوان المائية التي تحاكي رقة الطبيعة وسحرها.
درفة مفتوحة
يحكي هادي يزبك في لقائه مع «البيان» عن علاقته بالمائي كفنان والطبيعة كإنسان ويقول، «أرسم منذ 32 عاماً، وواجهت الكثير من التحديات في علاقتي بالألوان المائية حتى تمكنت من تطويعها، لأصل إلى المرحلة التي أحاول من خلال ضربة فرشاة واحدة رسم ما أريد التعبير عنه. وبأسلوب يقارب من النصيحة التي قالها لي الروائي اللبناني توفيق عواد »1911-1988« الذي نشأنا على أدبه، »الفن نافذة.. درفة مفتوحة وأخرى مغلقة«؟
وتابع لحظات صمت: «وعليه بدأت في المرحلة الأخيرة الرسم بهذا المفهوم الذي تجلى في لوحاتي مثل »نهر إبراهيم« و»عنب«، أي الاعتماد على جزئية في التكوين، ليكمل المتلقي بمخيلته بقية المشهد، وبذا تتحقق للوحة قيمة فنية إضافية».
لحظة توهج
ينتقل يزبك إلى الحديث عن ارتباطه بالطبيعة ويقول: »أستمد شفافيتي الداخلية من جمال الطبيعة التي تشكل بالنسبة لي لحظة توهج. كاللحظة التي أطل فيها لأول مرة من تلة في قرية جزين على جلال الصنوبر كالسجادة الخضراء الموشاة بالقرميد الأحمر لبيوت قديمة يعبر بينها شلال مياه، لأشهد ببصري لوحة بانورامية بين تراب الأرض وزرقة السماء. هذا المشهد أصابني بقشعريرة وشعرت بحالة من السمو والارتقاء الإنساني".
سيرة
درس يزبك «1956» في المعهد العالي للفنون في أوتاوا. ونظّم معرضه الفردي الأوّل في بكندا عام 1986، ليتبعه معرض فردي عام 1987 في الأشرفية بلبنان. كما أقام معارض في بوسطن، ونيويورك، واشنطن دي سي، ونيو جيرسي، والقاهرة وأبوظبي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق