لوحات فيصل لعيبي واقعية رمزية بغاليري ميم في دبي
«أوجاع ومسرات» تسرد عمق وتفاصيل البيئة العراقية
يأخذ الفنان التشكيلي العراقي، فيصل لعيبي صاحي، الزائر لمعرضه «الأوجاع والمسرات» الذي افتتح أول من أمس في غاليري «ميم» بالقوز في دبي، في رحلة مختلفة بكافة المعايير. ويتجلى هذا الاختلاف في معايشة الزائر لعوالم لوحاته التي ترحل به إلى عمق البيئة العراقية، لتسرد بتنوعها الغني على مستوى فئات المجتمع وجماليات تراث الفن العراقي الشعبي.
ويستغرق الزائر بتفاصيل كل لوحة بمعرضه الذي يستمر حتى 3 مارس، وهو يتساءل عن سر الإحساس المربك الذي ينتابه أمام كافة لوحاته باستثناء لوحة الشهيد. ليدرك بعد عدة جولات أن السر يكمن أولاً، في نظرات شخوص مسرح لوحاته المجتمعة إما في مقهى أو في محل لبيع الأقمشة أو الخضرة وغيرها، والتي تحدق بنظرة صريحة في عينيه مباشرة.
ويدفعه هذا الارتباك إلى المزيد من التمعن في تفاصيل الشخوص علّه يتلمس رسالة الفنان. رجال وأحياناً نساء من أعمار متباينة، يشتركون في سمات الملامح العامة للوجه الواقعي المبسط المختزل في العين الواسعة والشعر المنحسر والابتسامة المغلقة على نفسه، ليختلفوا في الملبس الذي يحمل رموز العمل.
رموز صريحة
ويتوصل الزائر بعد التمعن في الرموز الصريحة - لمن يبحث عنها، إلى التقاط رسالة لعيبي، ومنها على سبيل المثال، حذاء الضابط العسكري الذي يضعه على صندوق الفتى الذي يلمعه، بمفارقة تعكس قدميه الحافيتين الملوثتين، وإلى جوارهما حذاء بنعل سميك يرتديه الشاب الذي يعنى بتنظيف المقهى وخدمة الزبائن. بالمقابل، تحمل الجرائد التي يقرؤها شخوص لوحاته رموزا لمراحل زمنية من تاريخ أحداث العراق، ولتعكس كل منها توجهات لفئات ثقافية متنوعة.
يشعر الزائر بعد إدراكه رسالة الفنان، التي تشبه نوع السهل الممتنع، أن هناك المزيد مما عليه اكتشافه لتحديد العوامل الفنية التي تجعل من أسلوب اللعيبي فريداً بخصوصيته، إلى جانب براعته في الرسم الواقعي. ويتحاور مع عدد من الفنانين البارزين الموجودين في المعرض، علّهم يفتحون بصيرته على ما استعصى عليه.
سكون الزمن
ويبدأ بالتدريج في امتلاك المفاتيح التي يبحث عنها، حيث يلتقط التباين في رسم اللوحة بين اهتمامٍ بالرسم الواقعي، المعني على سبيل المثال، بالجانب التشريحي لعضلة الساق المكشوفة لعامل المقهى، الذي لفّ بنطاله بهدف حمايته من الماء، مقابل انتقاله إلى التبسيط والبعد الواحد في رسمه للجراب والحذاء، ما يخلق نوعاً من المفارقة البصرية عند المشاهد. ويتجلى البعد الواحد أيضا، في رسم بعض التفاصيل أو مجملها بأسلوب طفولي، كالصينية بأكواب الشاي المسطحة كالمرآة، واصطفاف القدمين من الجانب على خط واحد، وحالة سكون الزمن.. وغير ذلك من التفاصيل التي تكسر، بصورة دائمة، المنظور التقليدي.
هوية الأسلوب
تشكل معالجة لعيبي للألوان الصريحة ونقائها، عاملاً آخر في جذب المشاهد، خاصة وأنها مستلهمة من البيئة المحلية، التي تعكس هويته التي تميزه كفنان، عن باقي الفنانين، خاصة في الغرب. ويعد هذا المعرض بمثابة رحلة معرفية لمن يرغب من الفنانين الناشئين إدراك معنى خصوصية الهوية والانتماء للبيئة.
سيرة
درس فيصل لعيبي صاحي (1947)، الفن التشكيلي في بغداد في نهاية الستينيات من القرن الـ20، وغادرها عام 1974 ليتابع دراسته في فرنسا وروما، ثم استقر في بريطانيا. وساهمت دراسته للحضارات القديمة في العراق، في تشكيل فرادة أسلوبه الذي يعكس إحساسه العميق بحضارة بلده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق