الخميس، 2 يونيو 2016

الأفلام المقتبسة من عالم الأدب .. تقلص احتمالات الفشل وتضمن جمهور القراء


دبي – رشا المالح


معظم قصص الأفلام السينمائية التي اقتبست من عالم الأدب، على صعيد الرواية والقصة الطويلة والقصيرة، وأيضاً المسرحية، حصدت العديد من جوائز الأوسكار التي تعد في عالم الجوائز في المرتبة الأولى من حيث الأهمية والقيمة.
وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الأفلام الفائزة بجوائز أوسكار والمقتبسة من الرواية، منذ تأسيس الجائزة عام 1929 وحتى العام الجاري، هو 44 من أصل 82 فيلما. أما عدد الأفلام الفائزة والمقتبسة من نصوص مسرحية فهو 12 من أصل 82 فيلما. من المعروف لدى صناع السينما أن تحويل العمل الأدبي إلى فيلم سينمائي سلاح ذو حدين، وإن كانت إيجابياته تطغى في المحصلة. وبحد أدنى على الصعيد الإيجابي، يساهم الفيلم في تحقيق الشهرة للكاتب وتسويق الرواية مجدداً، أما على الصعيد السلبي، فقارئ الرواية يخرج في معظم الأحيان محملاً بالخيبة لإدراكه المفارقة الكبيرة بين الرواية والفيلم، سواء على صعيد المضمون أو الاختلاف الكبير بين صورة الشخصيات المرسومة في الكتاب ومخيلة القارئ، والأخرى في الفيلم.
ومع ذلك استطاعت بعض الأفلام التفوق على العمل الروائي، سواء في الطرح أو بناء الشخصيات، وإن كانت هذه الأعمال تعد على أصابع اليد الواحدة منذ تأسيس السينما وحتى يومنا هذا. ومثال على ذلك، فيلم (خارج إفريقيا) الذي فاز بالأوسكار عام 1985، وكذلك فيلم (الجسر على نهر كواي) الذي فرض تغيير اسم موقع جغرافي في اليابان لخطأ ورد في الرواية، والذي فاز بالأوسكار عام 1957. في حين أضافت بعض الأفلام عددا من المصطلحات التي بات يستخدمها العامة للتعبير بصورة مختزلة عن فكرتهم، مثل جملة (اعزفها مجدداً، سام) من فيلم كازابلانكا الذي فاز بالأوسكار عام 1944، وجملة (الحياة مثل وعاء مليء بالشكولاته) المأخوذة من فيلم (فوريست غامب)، الذي فاز بالأوسكار عام 1994.
وربما من المفيد هنا إدراج ملخص لأهم عشرة أفلام مقتبسة من أدب الرواية في مجمل تاريخ الجائزة، والتي يأتي ترتيبها تبعا لعدد جوائز التي حصدتها، علما أن اثنين من الأفلام التي حققت الأرقام القياسية في عدد الجوائز، عبر تاريخ الأوسكار، هي مقتبسة من الرواية: فيلم «بين - هور»، حصد 11 جائزة أوسكار 1959. إخراج الأميركي وليام ويلر. الرواية (بين - هور: قصة المسيح)للكاتب الأميركي لو والاس، ونشرت عام 1880

.
وقد حققت هذه الرواية لدى نشرها، نجاحاً كبيراً، واستمرت في التربع على رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعاً على الرغم من نجاح رواية (كوخ العم توم) للكاتبة هارييت بيشر ستو عام 1853، حتى عام صدور رواية (ذهب مع الريح) لمارغريت ميتشل 1936، لتعود مجدداً إلى رأس القائمة مع صدور الفيلم المقتبس من الرواية.
وتحكي الرواية التي تتمحور حول نشوء الديانة المسيحية، مغامرة الأمير والتاجر اليهودي يهوذا بن هور، في القدس، في القرن الأول. ومع عودة صديق طفولته ميسالا إلى الوطن، كضابط طموح في جحافل الجيش الروماني، أدرك كلاهما كم تغيرا واختلفت رؤيتهما وتطلعاتهما في الحياة. وخلال مسيرة عسكرية تسقط قطعة قرميد من سقف بيت يهودي، وبالكاد تصيب المحافظ الروماني.
على الرغم من ثقة ميسالا ببراءة عائلة بن هور، إلا أنه يدينهم بلا محاكمة. وعلى أثرها تسجن والدته وأخته ويحكم عليه كعبد روماني بالعمل المؤبد كطباخ سفينة، مع مصادرة أملاك الأسرة. ويبقى يهوذا على قيد الحياة ويسعفه الحظ في العودة لوطنه، ولكن هاجس الانتقام من ميسالا يسيطر عليه، إلا أنه يصادف في الطريق المسيح الذي يستلهم منه رؤية جديدة للحياة.
براعة
وأما فيلم «قائمة شيندلر»، والذي حصد 7 جوائز أوسكار 1993، ومن إخراج الأميركي ستيفن سبيلبرغ (مقتبس من رواية «فُلك شيندلر» للكاتب الأسترالي توماس كينالي -نشرت عام 1982)، فتحكي الرواية المستمدة فيه من واقع الحياة، قصة رجل الأعمال الألماني، الذي أنقذ ما يزيد عن 1000 يهودي بولندي وألماني من المعتقلات إبان الحرب العالمية الثانية، من خلال توظيفهم في مصانعه.
وقد برع سبيلبرغ في تحويل القصة إلى دراما سينمائية بمشاركة عمالقة من الممثلين، مثل البريطاني بين كينغسلي (الذي قام بدور غاندي) والإيرلندي ليام نيسون (الذي قام بدور الثوري مايكل كولينز) .
والبريطاني رالف فينس (الذي قام بدور المريض الإنجليزي). وصور سبيلبرغ الفيلم بالأبيض والأسود ولم يظهر فيه اللون سوى مرتين، الأولى مع المعطف الأحمر والثانية مع إنارة الشموع.
اتسم فيلم «الجسر على نهر كواي» الذي حصد 7 جوائز أوسكار 1957(من إخراج البريطاني ديفيد لين، ومقتبس من رواية «الجسر على نهر كواي» للكاتب الفرنسي بيير بول -نشرت عام 1952)، بملمح معالجاته التاريخية المعمقة، وتدور أحداث الرواية مابين عامي 1942 و1943، في موقع تاريخي، وتتمحور حول بناء السكة الحديدية، وتجسد الصراع بين سجناء الحرب البريطانيين وجيش الإمبراطور البريطاني، لبناء جسر سكة الموت، حيث أطلق عليه هذا الاسم بسبب موت عدد كبير من السجناء خلال بنائه.
وعن نجاح هذا الفيلم الإنجليزي، يكفي القول إن الخطأ الوارد في الرواية والخاص باسم موقع الجسر، على نهر كواي والذي يقع في الحقيقة على نهرماي خلونغ والذي انسحب على الفيلم أيضا، قد دفع تايلند إلى تغيير اسم الموقع الحقيقي، تبعا لما ورد في الفيلم والرواية، وذلك نتيجة الوفود السياحية التي كانت تقصد المكان الذي دارت فيها الأحداث. علما أن الفيلم تم تصويره في سيريلانكما.
وتدور أحداث الرواية في فيلم «الرقص مع الذئاب»، والذي حصد 7 جوائز أوسكار 1990
إخراج الأميركي كيفن كوستنر، ومقتبس عن رواية «الرقص مع الذئاب» للكاتب الأميركي بيير بول -نشرت عام 1986)، حول الحرب الأهلية في الولايات المتحدة والصراع مع الهنود الحمر، سكان المنطقة الأصليين.
وتؤدي إصابة بطل العمل، الضابط جون جيه دانبار، إلى نقله لمعسكر آخر، ومن ثم ما يشبه نفيه إلى قلعة مهجورة. وهناك تنشأ صداقة متينة بينه وبين أحد الذئاب، والتي تشبه صداقته بحصانه، ومن ثم مع إحدى القبائل الهندية التي يختار حياتها نهجا له.
وجزء من الجوائز التي حصدها الفيلم، تعود إلى التصوير الإيجابي لحياة وثقافة شعب أميركا الأصلي. وللأسف لم يستطع كوستنر بعد ذلك تحقيق نجاح مشابه في الإخراج.
ويحفل فيلم» فورست غامب»، الذي حصد 6 جوائز أوسكار 1994، وهو من إخراج الأميركي روبرت زيميكيس، ومقتبس عن رواية «فورست غامب» للكاتب الأميركي وينستون غروم، التي نشرت عام 1986، بالكثير من الاحداث الجاذبة.
وقد انقلبت حياة الروائي الأميركي غروم، بعد أن تحولت روايته إلى فيلم سينمائي، إذ ارتفعت المبيعات من 40 ألف نسخة، قبل الفيلم، إلى مليون وسبعمئة ألف نسخة بعد عرضه وانتشاره.
ويحكي فيها بأسلوب إنساني كوميدي قصة حياة شاب بقدرات عقلية محدودة، يشق طريقه في الحياة ويحقق النجاح. ومن أسباب نجاح الفيلم هو إعجاب المخرج زيميكيس، بشخصية فوريست غامب، وتكريس طاقاته وطاقات الفريق الفنية لإبراز هذه الشخصية. وبعد عرض الفيلم باتت مقولة البطل غامب: (الحياة مثل إناء مليء بالشوكولاته)، جزءاً من المصطلحات الأميركية الدارجة.
وأما فيلم «أحدهم طار فوق عش العصفور»، الذي حصد 5 جوائز أوسكار 1975، ومن إخراج الأميركي ميلوز فورمان، وهو مقتبس من رواية «أحدهم طار فوق عش العصفور» للكاتب الأميركي كين كيسي، نشرت عام 1962. فقد استلهم الكاتب موضوع روايته من مرحلة عمله كمناوب ليلي في مهجع الأمراض النفسية في إحدى المستشفيات، بهدف الحصول على دخل إضافي.
أظهر في العمل قناعته بشأن سوء نظام العلاج والذي يتعارض مع حجز الأطباء للمرضى. ويعتبر هذا الفيلم، الأول في جوائز الأوسكار الذي حصد فيه كل من جائزة أفضل فيلم ومخرج وممثل وممثلة وسيناريو، وذلك منذ عام 1934.
وهو يحكي قصة مجرم يدعي الجنون للهروب من الحكم بالسجن، وفي المصحة يتحول إلى نصير للمرضى ويقودهم في ثورة تمرد ضد سوء المعاملة التي يواجهونها. وقد استطاع مخرج فيلم «صمت الحملان»، الأميركي جوناثان ديم، هذا الفيلم الذي حصد 5 جوائز أوسكار 1991، المقتبس من رواية «صمت الحملان» للكاتب الأميركي توماس هاريس، التي نشرت عام 1988، استطاع تحويل هذه الرواية إلى نسيج سينمائي يصعب على المشاهد نسيانه لزمن طويل، فقد جمع بين الإثارة والرعب وعمق التحليل النفسي.
ويقال إن كاتب الرواية استوحى شخصية بطلها، الطبيب النفسي هانيبال، ليحمي المجرم وآكل اللحم البشري، من خمسة سفاحين على أرض الواقع. ويعتبر هذا الفيلم الثالث في تاريخ الجوائز الذي يحصل خمسة جوائز رئيسية، أسوة بفيلم (أحدهم طار فوق عشر العصفور).
في النص الدرامي لم يقتص مساق الاقتباس في هذا الخصوص على الروايات، إذ طال أيضاً النصوص المسرحية، ومن أبرزها فيلمين من الأفلام المقتبسة من النصوص المسرحية الإثني عشر، والتي حصدت عدداً من جوائز الأوسكار، وعلى رأسها فيلم (صوت الموسيقى) 1966 الذي حاز على 5 جوائز أوسكار، والمقتبس من مسرحية موسيقية تحمل العنوان نفسه.
والتي عرضت على مسرح برودواي ابتداء من عام 1959 وحتى 2009، وأيضا فيلم (سيدتي الجميلة) 1965 الذي حاز على 8 جوائز أوسكار، والمقتبس من مسرحية بعنوان (بجماليون) للكاتب المسرحي الايرلندي جورج برناردشو.
الفيلم «لا تستطيع أخذها معك» حصد جائزتين من أوسكار 1939
إخراج الأميركي فرانك كابرا
المسرحية لا تستطيع أخذها معك للكاتب الأميركي جورج كوفمان ومس هارت وعرضت عام 1936. حازت تلك المسرحية الكوميدية على جائزة بولتيزر لنصوص الدراما، وتنتقد الفوارق الطبقية والحياة المزيفة، وذلك من خلال عائلتين، الأولى عائلة سيكامور المتواضعة التي توحي في البداية أنها عائلة غريبة الأطوار أقرب إلى الجنون مقابل عائلة كيربي الثرية والمرتبطة بالتقاليد العريقة.
لكن تتالي الأحداث سرعان ما يؤكد أن الاعتقاد بأن عائلة سيكامور يحكمها الجنون يعني بالتأكيد جنون العالم، فهذه العائلة المتماسكة تحتضن أفرادها بالحب والود بعكس عائلة كيربي التي ينسحب منها الابن العاشق لابنة سيكامور وليلحقه والده في نهاية العمل. نال الفيلم جائزتي أفضل صورة وإخراج، علما أنها الجائزة الثالثة للمخرج فرانك كابرا من أصل ستة أوسكارات فاز بها سواء كأفضل مخرج أو أفضل عمل.
يتضمن فيلم «كازابلانكا» الذي حصد 3 جوائز من أوسكار 1944، وهو من إخراج الأميركي مايكل كورتيز، ومأخوذ عن مسرحية «الجميع يأتي إلى ريك» للكاتبين الأميركيين: موراي بورنيت وجوان أليسون، والتي لم تنشر.
يتضمن ملامح تشويق وتميز خاصين، فحين فشل كاتبا المسرحية بورتيت وأليسون في العثور على منتج في برودواي، باعا حقوق المسرحية بمبلغ 20 ألف دولار لشركة وورنر براذرز. فحولت الشركة النص إلى سيناريو فيلم بعنوان كازابلانكا، والتعديلات التي تمت على نص المسرحية طفيفة جداً.
وتقع أحداث الفيلم في المغرب في أوائل ديسمبر عام 1941، قبل الهجوم على ميناء هاربر، ومعظم مشاهد الفيلم وأحداثه تدور في مقهى ريك الشخصية الباردة والساخرة من العالم. هذا المقهى الذي يستقطب نماذج مختلفة من الزبائن، من الفرنسيين الفاشيين والطليان وضباط ألمانيا النازيين، إلى جانب اللاجئين الهاربين من بلدانهم والراغبين في الوصول إلى أميركا التي لم تشترك في الحرب بعد.
ويتضح من خلال الحادث أن الصورة الخارجية الحيادية التي يظهر فيها ريك، تخفي وجهاً آخر، فهو يهرب السلاح إلى أثيوبيا لموجهة الاحتلال الإيطالي عام 1935، ومناصرة الجمهوريين في حرب إسبانيا الأهلية ضد جماعة الدكتاتور فرانشيسكو فرانكو. ويتصاعد هذا الكشف من خلال لقائه مجدداً بحبيبته النرويجية السابقة إليسا لوند، التي دخلت مقهاه مصادفة برفقة زوجها.
ومن ثوابت نجاح هذا الفيلم رسوخه في ذاكرة المشاهدين، إضافة إلى اعتبار الجملة الأخيرة في الفيلم من أجمل وأهم ما قدم في تاريخ السينما، حيث يقول البطل ريك لقائد الشرطة الفرنسي، في المشهد الأخير: (لويس، أعتقد أن هذه اللحظة ستكون بداية لصداقة جميلة)، إضافة إلى جملة ريك التي يقول فيها لصديقه عازف البيانو الأميركي الإفريقي: (اعزفها مجدداً سام)، وذلك لكون تلك المعزوفة تحمل ذكرى ماضي العلاقة بين ريك وإلزا.
في الختام
لا يزال صناع السينما حتى يومنا هذا يبحثون عبر أرفف المكتبات، عن كتب تقدم لهم مادة جديرة بترجمتها إلى فيلم سينمائي. واختيار رواية أو مسرحية ناجحة، يضمن للمخرج عدم فشل الفيلم وضمان جمهور كبير، أو هو بحد أدنى قراء الرواية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق