ساد لزمن ليس بالبعيد، اعتقاد بأن أول رواية كتبت في العالم العربي هي (زينب) للأديب المصري الدكتور محمد حسين هيكل، والتي نشرت عام 1914.
ولكن سرعان ما تبين أن ما يزيد عن خمس كاتبات كانت لهن الأسبقية في القرن التاسع عشر. أي أن المرأة لم تدخل عالم الرواية حديثا ،ولم يكن هذا العالم حكراً على الرجل ،كما أشيع من قبل.حضور الروائية العربية لم يغب عن الساحة منذ القرن التاسع عشر، وقسم النقاد والباحثون مسيرتها من خلال الأجيال التي كان لها الريادة أو الحضور القوي، خاصة في عصر النهضة العربية في الخمسينيات والستينيات، وإن بقي نتاجها في الظل أو على هامش نتاج الرجل حتى أواخر القرن العشرين، لتأخذ الروائية العربية الريادة وليحتل نتاجها خاصة في الزمن المعاصر قوائم الكتب الأعلى مبيعاً.
نستعرض فيما يلي الخطوط الرئيسية لملامح مسيرة إبداع وانجازات الروائية العربية عبر التاريخ وما قدمنه اللواتي أقمن في المهجر، بما في ذلك التحديات التي واجهنها والدعم الذي حظين به لصقل وتبلور إبداعهن، وذلك من خلال الدراسات التي قدمت في هذا الإطار، بعيداً عن جدليات النقاد حول الأدب النسوي والأدب النسائي الذي نظمت له مؤتمرات وندوات لا حصر لها. سجل اختلف النقاد حينا واتفقوا حيناً آخر على من كتب الرواية العربية الأولى، وكل منهم يسحب البساط لصالح بلده، ولكن في المجمل ضم جيل رائدات الرواية في القرن التاسع عشر كل من:
الروائية اللبنانية زينب فواز (1846 - 1914) التي نشرت روايتين هما (حسن العواقب ـ غادة الزهراء) التي نشرت عام 1899 وقد أودعتها الكثير من العادات العاملية لا سيّما عادات الاُسرة التي قضت مدّة في خدمتها في جبل عامل بلبنان، ورواية (الملك كورش أول ملوك الفرس) ونشرت عام 1905، وهي رواية تاريخية عاطفية. تلقت زينب التي لقبت بـ (درة المشرق) تعليمها في الاسكندرية، بعدما عاشت بين لبنان وسورية. وفي مصر تفتحت موهبتها في الشعر والسرد. واللبنانية لبيبة هاشم (1880 ـ 1952) التي نشرت روايتها (قلب رجل) عام 1904. عاشت لبيبة في البداية بين لبنان ومصر. وهناك أصدرت مجلتها التي حملت عنوان (فتاة الشرق) عام 1906، حيث تتلمذت في مصر على يد الشيخ ابراهيم اليازجي، ثم عينتها الحكومة السورية عام 1930 في وزارة المعارف للتفتيش على المدارس لاهتمامها الكبير بالتعليم.
وبعد فترة قصيرة هاجرت إلى تشيلي وأصدرت في سنتياغو سنة (1923) مجلة (الشرق والغرب) التي استمرت لمدة عام، ثم عادت إلى مصر لتشرف على مجلتها السابقة.
واللبنانية لبيبة ميخائيل صوايا (1876 ـ 1916) التي نشرت رواية (حسناء سالونيك) عام 1909والصادرة من دمشق. كانت روايتها تلك بمثابة تاريخ للحركة الإصلاحية التي قام بها رجال جمعية الاتحاد والترقي ونشرتها بعد إعلان الدستور (1908) ولاقت رواجاً كبيراً، إلى جانب ترجمتها لرواية بالانجليزية بعنوان (الحنو الطاهر) عام 1913، وتوفيت إبان الحرب العالمية الأولى في حمص بسورية حيث كانت تدير إحدى المدارس.
ويضاف إلى القائمة كل من اللبنانية أليس بطرس البستاني ولها رواية »صائبة» التي نشرتها عام 1891، وعالجت فيها قضية نسائية هي أقدر على فهمها والكتابة فيها. واللافت للانتباه أن عنوان روايتها اتخذ من اسم امرأة.
ومن سورية رواية عفيفة آظن الدمشقية (فابيولا) التي نشرت عام 1895، كما ترجمت آظن العديد من الروايات من الفرنسية إلى العربية كرواية (الرحلة الكاليفورنية) للكاتب الفرنسي الكسندر دوماس عام 1892 وتميزت بعباراتها الرشيقة السلسة.
ومن مصر عائشة التيمورية (1840 ـ 1902) ولها رواية (نتاج الأحوال في الأقوال والأفعال) التي نشرت عام 1885، ورواية (اللقاء بعد الشتات). نشأت عائشة في بيت علم سياسة، وتزوجت في الرابعة عشر من عمرها، وأتاحت لها حياتها الرغيدة في بيت زوجها محمد بك توفيق الإسلامبولي، الاستزادة من العلم وأتقنت نظم الشعر والسرد إلى جانب إتقانها للغتين الفارسية والتركية وهي من تولت تعليم شقيقها الأصغر العالم الأديب أحمد تيمور.
الجيل الثاني
شهدت البلدان العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، نهضة عربية ثقافية نادت بتحرر المرأة وحقها في التعليم والعمل. وكان لهذه النهضة وروادها أمثال عبد الرحمن الكواكبي وقاسم أمين والشيخ محمد عبده، دور كبير في تفعيل دور المرأة بمختلف قطاعات الحياة. وفي تلك الأجواء الثقافية الخصبة برز عدد كبير من الأديبات والروائيات اللواتي استطعن من خلال نتاجهن الأدبي ترسيخ مكانتهن على خارطة الأدب العربي.
تناولت أديبات الجيل الثاني في باكورة أعمالهن قضايا الوطن وهمومه، لينتقلن بعد اكتسابهن المزيد من المصداقية والجرأة إلى الجمع بين الشأن العام والخاص. وأبرزهن في لبنان كل من ليلى بعلبي (1934)، وإميلي نصرالله (1931)، وفي سوريا ألفة أدلبي (1912 ـ 2007) وكوليت خوري 1937، وفي مصر نوال السعداوي (1930)، وفي الجزائر زهور ونيسي (1936).
ومن كاتبات المهجر الروائية الجزائرية آسيا جبار (1936) التي رشحت لجائزة نوبل أكثر من مرة، والتي نشرت أول رواية لها بعنوان (العطش) عام 1953 ولم تكن أكملت العشرين عاماً من عمرها بعد. من أهم أعمال آسيا واسمها الحقيقي (فاطمة الزهراء) التي هاجرت إلى فرنسا عام 1980 حباً بالسينما، رباعيتها الروائية، التي تحمل العناوين التالية حسب ترتيب نشرها، (نساء الجزائر)، و(ظل السلطانة)، و(الحب والفنتازيا)، و(بعيداً عن المدينة).
أطلت بعلبكي على الساحة الأدبية بروايتها (أنا أحيا) عام 1958، واستقبلتها الأوساط الأدبية بالإعجاب وجزء من المجتمع بالتجهم، لتحدي بطلة روايتها (لينا الطيبي) التقاليد وتجاوز الممنوعات.
ويذكر أن ليلى قوبلت بزوبعة نقدية واسعة لدى نشر مجموعتها القصصية بعنوان «سفينة حنان إلى القمر» عام 1964، حيث بادرت وزارة الإعلام بمنع الكتاب نظراً لاحتواء إحدى القصص مقطعاً أو جملة وصفت بـ (الإباحية). حوكمت ليلى آنذاك وأوقفت، ثم تراجعت المحكمة عن قرار المنع مع تبرئتها. والمقطع الذي أثار تلك البلبلة في تلك المرحلة لا يقارن بما وصلت إليه الجرأة في الزمن الراهن على أيدي الكاتبات. انصرفت ليلى بعد تلك المحنة إلى الصحافة وتوقف عن كتابة الرواية.
كما أثارث الروائية والباحثة والمؤرخة الفلسطينية سحر خليفة، نقداً لاذعاً لدى نشرها روايتها الأولى (لم نعد جواري لكم) عام 1974 من دار المعارف في القاهرة، والتي كتبتها سرا خلال فترة زواجها الذي أرغمت عليه وبقيت في أسره 13 عاماً.
حققت سحر نجاحاً متميزاً على صعيد دراستها الأكاديمية التي توجت بشهادة الدكتوراه من جامعة آيوا في الولايات المتحدة. وعلى صعيد الرواية، كانت قضية فلسطين والمشهد الاجتماعي تسيران معاً في خطين متوازيين في معظم أعمالها. وقد حازت سحر على العديد من الجوائز الأدبية العالمية القديرة.
وفي سورية لفتت رواية (أيام معه) لكوليت خوري التي صدرت عام 1959، انتباه النقاد والمثقفين وأثارت عاصفة من حولها بسبب ما ينطوي عليه النص من جرأة في التعبير والمكاشفة. وكشفت لاحقاً أنها استلهمت موضوع روايتها من قصة حبها مع الشاعر ونصير المرأة الراحل نزار قباني، حيث أجبر كلاهما على السفر شرقا وغرباً، وما تبقى بينهما هو الرواية و35 رسالة بحوزة الكاتبة.
الجيل الثالث
مهد الجيل الثاني من الروائيات الطريق أمام من تلاهن، وكان الثمن الذي دفعنه كبيراً سواء على صعيد المجتمع أو الهيمنة الذكورية في الأوساط الأديبة. ومع نهضة التعليم ودخول المرأة معترك الحياة، برز عدد كبير من الكاتبات والروائيات من مختلف البلدان العربية، وتميزت كل منهم بخصوصية وتفرد أسلوبها.
ومن أبرز الروائيات اللاتي لا يزال نتاجهن حاضراً ومقروءاً، فاطمة المرنيسي (1941) من المغرب التي اشتهرت بروايتها (أحلام النساء الحريم - مذكرات طفولة) المنشورة عام 1987، والتي استطاعت من خلالها أن تنقل بمهارة حياة كاملة بما فيها من وقائع وأحداث على لسان طفلة. واللبنانية حنان الشيخ (1945) التي أطلت على الساحة الأدبية بروايتها التي حققت شهرتها وهي بعنوان (حكاية زهرة) ونشرت عام 1980.
ومن سورية ماري رشو (1942)، وغادة السمان (1942) التي تميزت بغزارة إنتاجها وفرادة أسلوبها وبالجمع بين حياتها الشخصية والأدبية، ومعاصرة القضايا القومية والحرب الأهلية في لبنان وغيرها.
ومن مصر رضوى عاشور (1946) ولها ثلاثية غرناطة التي نشرت خلال عامي 1994 و1995. وتتضمن المجموعة العديد غيرهن مثل سلوى بكر (1949) من مصر، وليلى عثمان (1943) من الكويت، وأحلام مستغانمي (1953) من الجزائر، وهدى بركات (1952) من لبنان، وسميحة خريس (1956) من الاردن.
ومن المهجر الروائية المصرية أهداف سويف (1950) التي استطاعت أن تثبت مكانتها الأدبية في الغرب والشرق أسوة بآسيا جبار، ومن أهم أعمالها، (عين شمس) ونشرت عام 1992 (خارطة الحب) عام 1999.
الجيل المعاصر
برز في أواخر القرن العشرين أصوات عدد كبير من الروائيات من مختلف البلدان العربية وفي مقدمتها السعودية. وتحلى الجيل المعاصر من الكاتبات بجرأة كبيرة وكسرن الكثير من القيود والتابوهات، لتكتب المرأة والأنثى فيهن عن تجاربها وعلاقتها بجسدها وبالرجل والمجتمع المحيط بها. وجمع نتاجهن الغزير الذي تشهده الساحة العربية، بين الإبداع وقوائم الأكثر مبيعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق