الجمعة، 30 مارس 2012

السعادة جوهرة يبحث عنها الجميع




المصدر: رشا المالح

التاريخ:
 
ما السعادة؟ هل هي وهم وحالة افتراضية، أم فعل مكتسب؟ هل تحقيقها مرتبط بالظروف أم بموروثات الإنسان؟ هل هي شعور مطلق أم نسبي؟ هل تحقيق الإنسان لأحلامه وأمنياته يضمن له السعادة، وإن حرم من بعضها غابت عنه؟ أم ان السعادة ترتبط بالقناعة؟ وهل صحيح أنها غاية لا تدرك؟

كانت السعادة هاجس البشرية منذ الأزل، واختلف الفلاسفة قديماً وحديثاً حول مفهومها، إن كانت مرتبطة بالمحيط الخارجي أم انها شعور نابع من داخل الإنسان، وله القدرة على التحكم به. وكان السفسطائيون في ما مضى يعتقدون بأن السعادة مرهونة باتباع الأهواء، بينما كانت قناعة سقراط وأفلاطون بأن السعادة تكمن في الفضيلة.

وقال أصحاب مذهب المنفعة ان الخير الأفضل يكمن بأكبر مساهمة في المجتمع، وبالتالي في إسعاد الآخرين، أما في الطاوية والبوذية فيقولون ان السعادة تكمن في التقشف والتخلي عن الملذات، وفي الأديان السماوية تربط السعادة بالرضا والقناعة وصفاء النفس. أما الفيلسوف الصيني الكونفوشي مينكوس، فقال قبل 2300 عام، ان العقل يلعب دوراً في الموازنة بين الذات العليا (المثل والقيم) والذات السفلى (النفسية)، وكلاهما بحاجة إلى غذائهما المعنوي المتوازن.

«كيمياء السعادة»

نشر الصوفي الغزالي (1058 1111) كتاباً في (كيمياء السعادة) وفيه العديد من التعاليم الروحية من العالم الإسلامي التي تتبع في يومنا هذا، ويذكر في فصل واحد، ثلاثة أشياء تبنى عليها السعادة: (تمام السعادة مبني على ثلاثة أشياء: قوة الغضب، قوة الشهوة، قوة العلم..

فيحتاج أن يكون أمرها متوسطاً؛ لئلا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك، أو تزيد قوة الغضب فتخرجه إلى الجموح فيهلك. فإذا توسطت القوتان بإشارة قوة العلم، دل على طريق الهداية، وكذلك الغضب إذا زاد سهل عليه الضرب والقتل.

وإذا نقص ذهبت الغيرة والحمية في الدين والدنيا، وإذا توسط كان الصبر والشجاعة والحكمة. وكذا الشهوة إذا زادت كان الفسق والفجور، وإن نقصت كان العجز والفتور، إن توسطت كان العفة والقناعة وأمثال ذلك).

ينابيع

علينا أن نميز بين السعادة الآنية التي ترتبط بزمن محدود، مثل الفرح أو البهجة التي نشعر بها من خلال جمالية المكان الذي يحيط بنا، أو في دائرة الأصدقاء الطيبين التي تحيط بنا، أو متعة مشاهدة جمال الطبيعة، وتذوق الأطعمة الشهية والروائح الزكية. وترتبط قيمة وعمق هذا النوع من السعادة بمدى نقائها وصفائها.

أما السعادة الأكثر ديمومة وأثراً في حياة الإنسان، فهي النابعة من الأفعال الإنسانية النبيلة، والأمثلة عليها عديدة، منها العطاء والكرم والإيثار. ومدى السعادة مرتبط بمراتب ودرجات الفعل، فأثر سعادة الكرم بما هو فائض، أقل من مقاسمة الغير بما يرغبه ويشتهيه لنفسه، كذلك العطاء المعنوي كزمن ومؤازرة، وحب وطاقة واستيعاب. وينسحب هذا الأمر على المشاعر أيضاً فالسعادة الناجمة عن الشفقة أقل زخماً من مشاعر التعاطف.

وما يكسبه الإنسان من أفعاله النبيلة يتجلى في البداية بالرضا عن النفس، الذي يتحول إلى نوع أعلى من السعادة التي تتمثل بحالة السكينة والسلام والطمأنينة التي تخيم على روحه، والتي تبقى معه بعكس السعادة الآنية، وهذا النوع من السعادة يمده بالحيوية والطاقة المتجددة.

هذه السكينة تمنح الإنسان القدرة على التأمل، وبالتالي الارتقاء بوعيه الإنساني والتواصل مع ذاته الداخلية والتعرف على كوامن نفسه ومساره في الحياة. ويكتسب خلال هذه المرحلة من الارتقاء، البصيرة والحكمة التي تتناسب طردا مع قدرته على التأمل والوعي بإنسانيته والفهم لنفسه وللمحيط من حوله.



فارق

إن مفهوم السعادة متحول ومرتبط بكل مرحلة عمرية وبكل حضارة وبيئة ومجتمع، آخذين في الاعتبار الفارق بين جوهر السعادة، وما يتم الترويج له في الإعلام من منظور جديد أو مختلف للسعادة والمرتبط دوماً بصناعة الاستهلاك وتحقيق المكاسب والأرباح، ابتداء من ارتباط السعادة بمفهوم الجمال أو الشباب، ووصولا إلى كماليات ورفاهيات الحياة.

ويمكن ربط مفهوم السعادة المتحول، بأبرز المراحل العمرية للإنسان، وهي السنوات الأولى من عمر المولود، سنوات الدراسة والمراهقة، ومرحلة الشباب، ومنتصف العمر. والمرتبطة بدورها بحضارة وثقافة وبيئة كل مجتمع في مراحل ازدهاره ونكوصه.

السنوات الأولى

ترتبط سعادة الطفل في سنواته الأولى بإشباع احتياجاته الأساسية من الطعام والشراب ووصولا إلى دفء التواصل في إطار الأسرة، والاستقرار النفسي والإحساس بالأمان، والحصول على الاهتمام الكافي.

المراهقة

ترتبط السعادة في هذه المرحلة، باكتشاف المراهقين لقدراتهم التي تميزهم عن الآخرين، وبروح المنافسة، والمغامرة واكتشاف العالم الخارجي. وغالباً ما ينشدونها من محيطهم الخارجي، وبكسر الروتين وكل ما هو متعارف عليه، وغالباً ما يمنحهم تحديهم لأسرتهم ومحاولة تجاوز الخطوط الحمراء، شعوراً بالقوة والحبور والتفاخر.

الشباب

فتيات وأحلام وشطآن خيال، لحرية الانطلاق والعيش كحورية في حكايات الجدات. شبان وبطولات وفتوحات .. لأراض بكر لم يكتشفها أحد من قبل، ويلتقي فارس الأحلام بأميرة الزمان في مملكة شيدت قصورها من الرمال. وهكذا تبدأ الحكايات لتنتهي بانهيار الأبطال.

هذه بعض الأحلام التي ترسمها مخيلة الشباب عن السعادة، لكن سرعان ما يصطدمون بحقيقة الواقع البعيد عن المثل والنظريات التي درسوها وقرؤوها في الأدب والفلسفة، ليبدؤوا البحث عن حقيقة السعادة من خلال دخولهم في صراعات الحياة. وصعوبات هذه المرحلة ترتبط بمدى الوعي الذي اكتسبه الشباب في مراحلهم السابقة.

ومدى حماية أو عزل أسرهم بعيدا عن مصداقية ومعترك الحياة. وكثير منهم يتملكهم اليأس في بداية الطريق ويعجزون عن إيجاد طريقهم ويستسلمون للأقدار دون أية محاولة لإدراك معنى السعادة التي يعتبرونها مجرد وهم وجزء من رومانسية المراهقة.

وتجد كل فئة في هذه المرحلة، سعادتها في منظومة معينة من القيم أو المكتسبات أو النجاحات، حيث تلعب المفاهيم السائدة في المجتمع دوراً كبيراً في تشكيلها والترويج لها، ففي حضارة نجد السعادة تكمن في العيش في رحاب العلوم والأدب والمعرفة، وغيرها في الانتصارات والحروب والبطولات، وأخرى في التعايش السلمي والاكتفاء الذاتي والتركيز على الروحانيات.

منتصف العمر

غالباً ما ينشد من تجاوزوا مرحلة الشباب السعادة، في السلام الداخلي والسكينة والاستقرار. ويرجع ذلك إلى تحرر فكر الإنسان من الانطباعات السلبية السابقة والمرونة في التعامل مع الحياة والتخلص من التوتر، وقد أثبتت نتائج دراسات في جامعة وسكونسن الأميركية، أن مهارات الإنسان الفطرية كسرعة التفكير وتحسين الخبرات والمرونة الذهنية تزداد في متوسط العمر.

ويؤكد الدكتور آرثر. إيه. ستون من جامعة ستوي بروك ذلك في دراسته التي يذكر فيها، أن الإنسان كلما تقدم به العمر، زادت حنكته وحكمته وذكاؤه، وأن الأشخاص من الفئة العمرية المتقدمة يتذكرون السلبيات بنسبة أقل، مما يسهل عليهم تحكمهم بمشاعرهم وأوضاعهم النفسية.

في الأدب

تناولت الرواية مفهوم السعادة منذ نشأتها، وأخذت في الاعتبار الفرق بين الأعمال التي تبحث في هذا المفهوم والأعمال التي تمنح قارءها شعوراً من السعادة يبقى معه طويلاً، ويعود إليه كلما احتاجه.

ومن أبرز تلك الأعمال في الأدب الكلاسيكي العالمي، رواية (كبرياء وتحامل) للروائية البريطانية جين أوستن، ورواية (جيم المحظوظ) لكينغسلي إيميس والتي تتميز بحس الفكاهة الاستثنائي المسخر في نقد كل من وسط الأكاديميين في أعلى المراتب والزيف الاجتماعي في الطبقات الراقية والمثقفة.

كما تناول الأديب الاميركي اللبناني الأصل جبران خليل جبران، مفهوم السعادة في مجمل أعماله، وأبرزها كتابه (النبي) الذي يحكي عن مفهوم السعادة في مختلف جوانب الحياة.

ويشكل أسلوب السرد واللغة والإيقاع والعوالم التي يخلقها الأديب من شاعر أو روائي أو قاص، واحة من السعادة التي تمنح القارئ في البداية شعوراً بالراحة والسكينة، لينتقل بعدها تبعاً لعمق وقيمة العمل، إلى التأمل والتفكر وإعادة صياغة العديد من أفكاره حول مفهوم السعادة في الحياة.

وظهر في الحقبة الأخيرة من القرن الماضي اهتمام كبير بهذا الجانب، ونشرت آلاف الكتب التي تتناول العوامل النفسية التي تساعد الإنسان على تجاوز محنة وتحقيق السعادة، ومن أبرز الكتب العربية التي لاقت إقبالاً واسعاً في هذا الإطار كتاب (لا تحزن) للدكتور عائض القرني الذي يقدم فيه بعض المفاتيح التي تتنقل بالإنسان من حالة الحزن إلى طريق السعادة.

ومن ذلك: (اعلم أنك إذا لم تعش في حدود يومك تشتت ذهنك، واضطربت عليك أمورك، وكثرت همومك وغمومك، وهذا معنى: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح").

أما الكتاب الأجنبي الذي حقق نجاحاً نوعيا في مختلف بلدان العالم والذي ترجم إلى العربية، فهو كتاب (السر) للإعلامية الاسترالية روندا بايرن، والذي بيع منه ما يزيد على 21 مليون نسخة منذ صدوره عام 2006، وترجم إلى 44 لغة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق