بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الثلاثاء، 6 يوليو 2010

عرض لكتاب مشاهير الفن الإيطالي




شهرة الموناليزا لم تنبع من الابتسامة وحدها، عصر النهضة يجسد المرحلة الأكثر تألقاً لعباقرة الفن


يجمع كتاب «مشاهير الفن الإيطالي» ، الذي نناقشه هنا، الأعمال الفنية الكاملة لأشهر ثمانية فنانين إيطاليين ممن ينتمون الى عصر النهضة، وممن كان لهم دور ريادي في عالم الفن وتطوره خلال القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر.وما يميز هذا الكتاب، هو تقديمه موجزاً للسيرة الذاتية لكل من هؤلاء الفنانين مع دراسة وافية وتفصيلية لجميع أعمالهم الفنية الموثقة بدراسات نقدية رصدت مراحل تطورهم الفني وتميز أسلوبهم، لاسيما في الأعمال التي نالت شهرة عالمية حتى يومنا هذا.

يقدم مؤلف هذا الكتاب المطبوع في فلورنسا عام 2001 ويضم 638 صفحة من القطع المتوسط، أعلام الفن الإيطالي مثل، بييرو ديلا فرانشيسكا وبوتشيللي وليوناردو دافنشي ورفائيل، وتيتان وكارافاجيو وأخيرا فنانو البندقية. وقبل التطرق لحياة وفن أكثر هؤلاء الفنانين شهرة وتقديم عرض لأعمالهم التي حققت شهرة عالمية حتى عصرنا الحالي، قد يكون من المناسب تقديم لمحة موجزة عن مفهوم عصر النهضة الإيطالية من زاوية الفن.

فهو عصر تطوير لقدرات الفنون وانطلاق الفنان ذي الشخصية الخلاقة نحو واقعية جديدة في تصوير الطبيعة وما تحويه من عناصر وأشكال تتصدرها الشخصية الإنسانية. وعصر النهضة يجسد الثورة الثقافية والفنية في إيطاليا، التي بنيت على أكتاف المجددين الذين أزاحوا عراقيل القرون الوسطى ونادوا بحرية الفكر والبحث. فما أن بلغت روح النهضة إلى الفنانين حتى تبدلت الأحوال وانطلق الفنانون إلى المستويات الفنية العالمية لعصر النهضة.

كان المنهج الديني هو الملهم الأول لفن هؤلاء المبدعين، وعلى ذلك فإن أعمال التصوير والنحت التي أبدعها الفنانون من حياة المسيح والعذراء والقديسين وجدت سبيلها إلى مجال الحياة اليومية وأضفى الفنانون على هذه الأعمال مسحة مؤثرة.وقد استطاع فنانو النهضة بنزعتهم الإنسانية أن يتفاعلوا مع الطبيعة، ويتعايشوا مع شفافيتها، ومن ثم تجسيدها في أعمالهم التي تشمل الموضوعات الدينية اليومية.

ويقوم فن عصر النهضة على موضوعات ومضامين معنوية عبر مجموعة من الأشكال المستمدة مما تبصره عين الفنان في الحياة المرئية المحيطة به، حيث يقدمها في صيغة تتجلى فيها محاولاته في محاكاته الطبيعة ومشكلات الواقع المنظور من دون اللجوء إلى التحرير أو التغيير، مراعياً في ذلك النسب الطبيعية والأبعاد الرياضية، متوخياً الدقة والمماثلة.

كما هي الحال في أعمال الكلاسيكيين والرومانسيين والانطباعيين، وغيرهم من الفنانين الذين يندرجون في سياق الواقعية، والواقعية التسجيلية، حيث اعتمد معظم هؤلاء على الموضوعات الأدبية والدينية والميثيولوجية، بالإضافة إلى تسجيل الموضوعات التاريخية والمشاهد اليومية والمناظر الخلوية والطبيعة الصامتة، وهي موضوعات لا تحتاج إلى عناء في فهمها لمن توافرت له المعرفة الأدبية والتاريخية.

ويعتبر بييرو ديلا فرانشيسكا من أهم الفنانين الذين كان لهم تأثير على الحركة الفنية في إيطاليا. والقليل عرف عن هذا الفنان الذي ولد في قرية بورغو سان سبولكرو، لكونه عاش معظم حياته بعيدا عن فلورنسا التي كانت مركز الفن. وقد ساهم في نشر الفن الحديث وتميزت لوحاته بمنظور المساحة كما اعتمد على الألوان المشرقة والناعمة الملمس، وعلى تقصير نسب الشخوص التي رسمها سعيا لإبرازها وتركيز الرؤية عليها.

ومن أهم وأشهر لوحاته التي تعكس أسلوبه الفني، جدارية فلاجيلاتون، التي رسمها خلال وجوده في أوربينو. وقد صمم اللوحة بدقة متناهية آخذا في الاعتبار البناء المعماري المدروس وعمق المساحة الذي كان أحد اهتماماته منذ باكورة أعماله. ولا بد للناظر إلى اللوحة أن يقف مباشرة قبالة مركزها الذي يمثل النقطة المركزية للمنظور الخاص باللوحة كاملة.

وقد رسم شخوص الحكام والمسئولين في ذلك الحين معتمدا على تقصير النسب واستخدام الألوان البراقة المشرقة، مع عناية وتركيز على تفاصيل العمارة مثل سقف البناء على الرغم من كونه في أقصى خلفية اللوحة وكذلك أبدى عناية بمعالجة القماش.أما اليساندرو بوتشيللي فهو هو الابن الرابع والأصغر لأبويه.

ولد في قرية فياديل بورتشيلانا بالقرب من نهر أرنو وكان في طفولته ضعيفا كثير المرض، مما جعله منعزلا عن الآخرين. وفي عام 1464 انضم إلى ورشة الفنان الشهير فرا فيليبو ليبي وبقي فيها حتى بلغ 22 عاما.وقد اكتسب لقب بوتشيللي الذي منح لعائلته لاحقا من خلال عمل أخيه الأكبر مع الحكومة في المراسلات وحصوله على منصب مسئول كبير.

وتميزت شخوص لوحاته بالانفعال الداخلي والتوتر والحزن والتأمل الدائم. ويعود ذلك إلى مرضه المتواصل في طفولته. ولم يكن الجمال السطحي العابر يعنيه، بل كان يركز على محاكاة شاعرية للقيم الجمالية البعيدة عن الواقع. فقد كانت صوره تحمل العديد من الأسرار الغامضة والدلالات ذات التأثير التعبيري غير المألوف في زمنه، مازجا بين القيم اللمسية الحسية والقيم الحركية في موضوعاته التي كان يستوحيها من الخيال، كما نرى في أعماله الخالدة «الربيع» و«ميلاد فينوس» و«منيرفا تروض القنطور».

و«الافتراء»، والتي تحمل أستاذية عالية في فن التكوين.قد أثرى بوتشيللي شخوص لوحاته بالانفعال الداخلي والتوتر والحزن والتأمل الدائم، ويعود ذلك إلى طفولته ومرضه. وتتميز لوحاته بالخط الديناميكي والطاقة في التشخيص والحركة المبالغ فيها والملائمة والاعتماد على الإضاءة والتظليل لإظهار الموضوع.

وتعتبر لوحة «فورتيتيود» التي أبدعها عام 1470من أهم أعمال اليساندرو، وتعني الثبات مع الشجاعة والألم والأسى معا. وما يميز اللوحة تصوير توتر وتأمل الشخصية مع الطاقة والحيوية التي تشع من وجهها ووضعيتها. ومن خاصيتها أيضا، العمل على اللون الأزرق للزي الحربي المعدني، والذي ينم عن تمرس ومهارة في الفن الخاص برسم المعادن، إلى جانب عنايته الفائقة في معالجة الثياب. تمثل تلك اللوحة إبداع بوتشيللي الأصيل وتظهر أسلوبه الخاص والغني إذا تمت مقارنته بمعاصريه من الفنانين.

كما تعتبر جدارية «بالاس وسانتور» التي رسمت في عام 1482 نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة في التدين، حيث اقتصرت رسوماته بعدها،على المواضيع الدينية الخاصة بالكنائس. و«بالاس وسانتور» هي اللوحة الأخيرة من ثلاثية لوحات «بريمافيرا» و«ميلاد فينوس».

ويركز اليساندرو في هذا العمل على أهمية الإنسان وتفوقه، فالجسد القوي لبالاس، الذي اعتمد في رسمه على أسلوب النحت الكلاسيكي يمثل حكمة الإنسان التي تتغلب على حدس سانتور. وقد نفذت اللوحة بمهارة وخطوط انسيابية وتناغم في العلاقة الإنسانية بين الشخصيتين والصخور في الخلفية التي تمثل آثار الحضارة الرومانية.

التلميذ الذي أذهل أستاذه

ولد الفنان ليوناردو دافنشي في 15 ابريل 1452 في قرية فينشي، وهو ابن غير شرعي وإن احتضنه والده الذي كان يعمل كاتبا للعدل ورعاه وأشرف على تعليمه. وعندما حمل أبوه رسومه وهو صبي صغير إلى صديقه الفنان فيروشيو ليطلعه عليها، أدرك الأستاذ من فوره عبقرية الصغير وطلب إلى أبيه أن يتتلمذ ابنه لديه.

ومن أعجب ما يروى عن هذا التلميذ العبقري أن أستاذه في خضم عمله طلب إليه إن يساعده في رسم ملاك في إحدى اللوحات ولما أنجز - ليوناردو - رسم الملاك طغت روعته على أشخاص اللوحة ورأى أستاذه ذلك فتولاه الذهول لتفوق تلميذه عليه، فترك فرشاته وهجر التصوير واشتغل بالنحت بقية حياته. ولدى انتقال والده إلى فلورنسا، ولموهبته الظاهرة، بعثه والده ليتتلمذ على أيدي أشهر رواد الفن في تلك المرحلة مع دراسته لمختلف أنواع الفنون كالنحت والرسم المعدني وغير ذلك.

ومنذ عام 1472 اعتمد أستاذاً في مجموعة الفنانين. وفي عام 1480 أصبح عضوا في أكاديمية حديقة سان ماركو تحت رعاية الفنان لورانز. وهي المرة الأولى التي يدخل فيها ليوناردو عالم النحت الذي جذبه نظرا لتكامله.بات جو فلورنسا بعد حين أضيق من احتوائه، نظرا لطبيعته الديناميكية وهاجسه الدائم في البحث عن آفاق جديدة في الابتكار والإبداع.

وخلال الفترة من 1494 وحتى 1503 استحوذت فكرة الطاقة المائية على اهتمامه التام مما جعله غير قادر على الالتزام بموعد محدد لإنهاء رسوم الجداريات التي كلف بها.وفي مايو 1513، لبى دعوة ملك فرنسا فرنسيس الأول، واستقر في أمبواز حتى وفاته. وصمم ليوناردو خلال حياته في فرنسا العديد من المهرجانات والاحتفالات، كما تابع عمله على مشاريع الطاقة المائية والتي تم استخدامها في عدة أنهر.

وتعتبر لوحته الكبرى العشاء الأخير من أعماله التي بلغت حد الاعجاز، وقد جلس وسط المائدة المسيح وعن يمينه وشماله حواريوه الذين يموجون بحركات وإشارات هي الإبداع نفسه، كما توج هذا العمل بما ارتسم على وجوههم من تعبيرات عميقة متنوعة.ولم تنل جدارية اهتماما عالميا مثل تلك اللوحة على الرغم من أن ألوانها باتت ظلالا باهتة مقارنة بما كانت عليه في الماضي.

ولهذا العمل أهمية دينية وفنية، فقد قبلها الكاثوليك والبروتستانت على السواء من دون أي اعتراض، لكونها تجسد النقطة المركزية للديانة المسيحية.

ومن ميزات تلك اللوحة أيضا، المعدل العالي من السعادة السائدة في الجو العام وبالتحديد في الخلفية حيث تظهر من خلال الفتحات الثلاث سماء أحد مساءات آخر أيام الصيف، والتي تبرز التناقض في الصورة الدرامية للمؤامرة التي صرح بها المسيح لأتباعه بقوله، «إن واحدا منكم سيخونني».

والحركة في لوحة العشاء الأخير جماعية، وتظهر تناقل الكلمات التي صرح بها المسيح بسرعة الريح من فرد إلى آخر، وفي أحد الجوانب تعليق ثلاثة من أتباعه على الأمر، وتبدو الغرفة ذات البناء المعماري الكلاسيكي الثابت وقد قوضت بفعل المعلومة التي صرح بها والتي أثارت زوبعة في المكان.

وقد تطلب هذا العمل سنوات من التخطيط وعددا لا يحصى من الرسومات التحضيرية التي تظهر حلولا مختلفة أوصلت الفنان إلى الموضوع النهائي لتلك اللوحة الفريدة. وتعكس اللوحة الاندفاع الروحي المكثف للفنان وجهده الدؤوب في التصميم الذي ترك بصماته على اللوحة حتى يومنا هذا، مما يدل على أهمية وعظمة هذا الفنان.

كما وضع ليوناردو العديد من الرسومات والدراسات للشخوص ونسبها، خلال إعداده لتلك اللوحة، وقد اعتمد الكثير من الفنانين طريقته في حساب النسب.يضاف لرصيد ليوناردو بأنه أول من رسم وجوه الإنسان بعيوبه، وقيل بأنه كان يزور الأحياء الأكثر فقرا في ميلانو لرسم وجوه الأشخاص الذين ترك الفقر علامته الدامغة على أجسادهم وأرواحهم.

والعمل الفني الآخر الذي ضاهى بشهرته على مدى القرون جدارية «العشاء الأخير»، هو لوحة «الموناليزا»، التي احتفظ بها ليوناردو لنفسه بعد رسمها ثم انتقلت بعد ذلك إلى ملك فرنسا فرنسيس الأول ومن ثم إلى متحف اللوفر لتبقى فيه حتى يومنا هذا.

ويعتقد الخبراء بأنها رسمت في فلورنسا في عام 1503، وبأن موناليزا التي رسمها ليوناردو هي زوجة فرانشيسكو ديل جيوكاندو، وهو مواطن وتاجر فلورنسي.

وقد خرج ليوناردو في رسم لوحته عن الأسلوب التقليدي المتبع لرسم الوجوه، فقد رسم نصف القامة في وضعية الجلوس وأحد الكتفين مائلاً قليلا إلى الخلف، ورسم للخلفية مشهدا طبيعيا في جو ضبابي رطب وحالم مع احتفاظه بدقة التضاريس وتفاصيلها وذلك بدلا من الخلفية السوداء السائدة في ذلك الوقت.



وما يميز تلك اللوحة الفريدة بالإضافة إلى الابتسامة الغامضة وسحر تلك المرأة وهو معروف لدى الغالبية، يكمن في ما فيها من تكامل وتناغم وتواصل التعبير بشفافية بين شخصية اللوحة والطبيعة المستخدمة كخلفية. وكذلك الإحساس القوي في حالة الثبات الداخلي للمرأة والظاهر في تعبير وجهها الذي بات رؤية عالمية بما يحمله من معان يلفها الغموض.



وقد نجح ليوناردو من خلال هذه اللوحة في التغلب على المعضلة الأزلية التي تفصل بين الفكرة والواقع، حيث جعل من اللوحة مرآة لتأملاته وأفكاره أو وسيطا مباشرا، وأيضا تجاوز نفسه في تقديم تطلعاته الفكرية والفنية.



وباختصار كان ليوناردو دافنشي مصورا ونحاتا ومخترعا سبق عصره بما اخترعه من أدوات الحرب والسلم على السواء، وكان إلى جانب ذلك موسيقيا وكذلك قام بوضع أول كتاب عن التشريح كما أنه كان كيميائيا وعالما.



السقف المذهل



عاش مايكل انجلو لما يقارب القرن، حيث ولد في عام 1475 وتوفي 1564، ولم يتوقف عن العمل إلا قبل 6 أيام من وفاته.وقد تأثرت أعماله الفنية بالمرحلة التي عايش فيها تطرف الكنيسة المسيحية وتعصبها، وعاصر مرحلة اكتشاف العالم الفلكي البولندي كوبورنيكس للمجموعة الشمسية وتصريحه بذلك.



وقد تفوق مايكل انجلو على أقرانه في تصوير تغير تلك المرحلة وكذلك تفاعله معها كإنسان.يتجلى ذلك خلال المنحوتة الجدارية «معركة سانتاروس» التي أنجزها وهو في السادسة عشرة من عمره، واستلهم موضوعها من الأسطورة الإغريقية «المتعقلة بالبدء». ويجسد محور تلك اللوحة صراع الرجال وقتالهم.



وقد اعتمد في نحتهم على النسب الجمالية للجسد الإنساني مع التركيز على توتر الحركة وعنف إيقاعها، من خلال بروز أجزاء من الجسد بعيدا عن الخلفية ليعود للالتصاق بها مجددا، إلى جانب تقاطع الأجساد وتداخلها. كما أن سلاحهم الوحيد في المعركة كان قطعا صخرية وهراوات.



وقد اعتمد العمل بأكمله على الخطوط المنحنية من دون أية حسابات هندسية أو اعتبار لدراسة قوة الجاذبية الأرضية. واللوحة ترمز من خلال تلك المعركة إلى قوة جسد الرجل وعزيمته وشجاعته فقط.وقد كسر مايكل أنجلو الأسلوب التقليدي المتعارف عليه، عندما كلف بنحت تمثال للنبي موسى في عهد لجمهورية في البندقية في عام 1501، إذ لم يلجأ إلى النمط التقليدي المعهود في تجسيده منتصرا ومعتمرا سيفه مع وضع رأس العملاق المقطوع أسفل قدمه.



بل جسد شابا في حالة تأهب قبل بدء المعركة مباشرة، وفي حركته تحفز اللحظة التي سمع فيها بأن قومه مترددون، وقد منح مايكل أنجلو التمثال الجسد الذي استعمله الإغريق لتماثيل أبطالهم.فالجهة اليمنى من التمثال ناعمة الملمس مصقولة ذات وضعية تماشي مسار الحركة، في حين أن الجهة اليسرى، ابتداء من القدم وباتجاه الأعلى حتى الشعر غير المنظم مشدودة بصلابة وفيها حيوية وديناميكية.



فالعضلات بارزة والأعصاب متحفزة فقط، والتمثال ينم عن القوة والجرأة وعن إرادة قوية بعيدا عن الاستغراق في فردية التحكم بالذات.ولدى اكتمال التمثال قررت اللجنة المكونة من كبار علية القوم والفنانين، بأنه لا بد من وضعه في الساحة العامة للمدينة مقابل القاعة العامة.كانت المبادرة الأولى من نوعها منذ العصور القديمة التي يسمح فيها بعرض تمثال ضخم عار في مكان عام. وفي عام 1534 كلف البابا كليمنس في روما مايكل أنجلو برسم جدارية يوم الحساب، وهي أكبر جدارية منفصلة في ذلك القرن.



والانطباع العام الأول لدى مشاهدة تلك الجدارية بأنها عمل كوني، في مركز الجدارية جسد السيد المسيح القوي، وفي أسفل اللوحة العالم السفلي. وفي تلك اللوحة لم يختر مركزا لنقطة رؤية منظور اللوحة، كما اعتمد في نسب أجساد الشخوص الفردية والمجموعة على مقاييس العصور الوسطى، وقد رسم خلفية لكل شخصية ولكل مجموعة على حدة وبخصوصية منفردة، وقد أنجز اللوحة في عام 1541.



والجدير بالذكر بأن مايكل انجلو اضطر وهو النحات المرموق للقيام برسم سقف كنيسة سستين، عندما كلفه البابا بهذا العمل وأحرجه سيما بعدما رفض رجاءه الفنان رفائيل. وفي يوم 10 مارس من سنة 1508 كتب الفنان هذه العبارة - اليوم أنا مايكل انجلو، انجلو النحات، ابدأ في تصوير المصلى - وفي العام التالي أضاف العبارة - ليست هذه مهنتي فأنا أضيع وقتي .

ولكن العالم يشهد بأن ما حققه انجلو في تصويره موضوعات كنيسة سستين هو الإعجاز بعينه، فقد مزج الفنان بين النحت والتصوير في هذه الأعمال فبدت وكأنها لفرط قوتها وروعتها بارزة مجسمة على الحائط.

العمق والجمال

ولد رفائيل في عام 1493 لوالد فنان عرف في محيط دائرة الفنانين في أوربينو، وتتلمذ رفائيل لدى عدد من الفنانين، ولدى انتقاله إلى فلورنسا تأثر بأهم فنانيها مثل ليوناردو دافنشي ومايكل انجلو وبوناروني وغيرهم.

والعمل الأول الذي نفذه في روما بمفرده كان «القربان المقدس» للفاتيكان، وقد بنيت اللوحة اعتمادا على مركزيتين، فالنصف العلوي من الدائرة يمثل المسيح وهو يبارك المحيطين به من الجانبين والجالسين على غيمة نصف دائرية، ويجمع نصف الدائرة السفلي شخوص وكهنة الكنيسة.

وقد كان لبنية الموضوع صفة الوضوح والبساطة الشديدة، والتي توصل إليها رفائيل من خلال العديد من الرسومات والدراسات. ويمثل موضوع اللوحة قوة الكنيسة في الحكم والمستمد من القوة العليا.

والعملان الفنيان اللذان كانا علامة بارزة ومؤشرا على نضجه الفني نفذهما في عام 1506، وهما لوحتا «أغنولو» و «مادالينا دوني» وهما تصوران تاجرا وزوجته.

وموضوع اللوحتين يشابه لوحة الموناليزا. فوضعية الأشخاص وحركة اليدين مماثلة، غير أن أفق النظر للخلفية منخفض، وقد تأثر ببييرو في تقييم ودراسة الجسد من خلال دراسة الضوء الذي يحدد السطوح والأحجام. إن الصلة بين المشهد الخلفي والشخصية يقدم تناقضا واضحا مع «موناليزا» ليوناردو.

وما يميز هاتين اللوحتين عن لوحة ليوناردو، الإحساس العام بالثبات والعناية بالتفاصيل الدقيقة مثل نوعية الأقمشة والمجوهرات التي تعكس ثراء أصحابها، كما أنه لم يغفل أية تفاصيل مهما كانت ثانوية مما أعطى للعملين توازنا.

وقد تأثر رفائيل بتقنية ليوناردو في السيطرة على استخدام الضوء لتحقيق هدفه، كما يبدو تأثره بمايكل أنجلو واضحا في لوحته «مادونا ميدو».

وقد اكتسب رفائيل شهرته ومكانته كفنان مبدع بين أقرانه، لدى قيامه برسم جدارية «ستانزا ديلا سيجناتورا» والتي تتطلب إعدادها القيام بعدد كبير من الدراسات والرسومات التي أظهرت طاقته الهائلة في الابتكار والإبداع.وقد عكست لوحات رفائيل المهمة، خشوعه الديني الذي برز في الانسجام والتوازن.

وهذا أحد الأسباب التي جعلت رفائيل، واحدا من أهم مبدعي الفن في زمنه، مما جعله موضع الاحترام والدراسة في كل قرن. وقد توفي شابا وهو السابعة والثلاثين من العمر بعد مساهمته في جعله من مدينة روما أحد أهم مراكز الفن والثقافة التي وجدت على مر العصور.

ويشتهر رفائيل بأنه الفنان الذي صور الجمال وأشاعت لمساته الإحساس به في أعماله خلال عمره القصير حيث صورت لوحاته مختلف الشخصيات وما تعبر عنه من معان بالغة العمق.

ولا جدال في ان أسلوب الفنان وطريقته في التصوير قد جعلا منه شخصا محبوبا من الناس وله مريدون كانوا يحيطون به وهو يسير في شوارع روما. ثم كان أن أصيب الفنان العظيم بالحمى خلال قيامه بأعمال التصوير في الفاتيكان ومع غرب شمس السادس من أبريل عام 1520 م طويت بموته صفحة مشرقة من تاريخ التصوير في عصر النهضة.

وبصورة عامة فإن أعمال ليوناردو ومايكل أنجلو ورفائيل تشكل تركيباً مفتوحاً وهو تركيب حيوي متصاعد البناء، تكون اللوحة فيه دون أبعاد محددة، إذ إن الكتل المتواجدة فيها لا تتجمع في بؤرة واحدة، بل تتوزّع من خلال قوة طاردة، تتحرك من داخل اللوحة إلى خارجها ومحيطها، وفي كلا النوعين يكون التركيب متوازناً.

ويتم بناء العمل الفني على أساس ذهني أو غريزي أو كلاهما معاً. فالأساس الذهني لبنية اللوحة الفنية يقوم على أسس رياضية ذات نسب وأبعاد محددة كما في العمارة أو النحت الإغريقي، وهو الأساس الذي اعتمد عليه معظم فناني عصر النهضة الأوربية، أما الأساس الغريزي، فهو بناء عفوي للوحة الفنية، يتجاوز النسب والأبعاد الرياضية المعهودة من أجل أبعاد معنوية وجمالية جديدة.وشملت النهضة العمرانية في البندقية حركة نشطة مزدهرة في الفن.

فقد طلب من الفنانين تزيين الأبنية الجديدة بلوحات جدارية. وقد ألم فنانو البندقية إلى جانب رسمهم للوحات الضخمة ذات المواضيع الدينية والتاريخية والأسطورية بكافة أنواع الفن الأخرى.ولم يكن فنهم يحظى بالاحترام الكامل في البداية، بل كان ينظر إليه بدونية مقارنة بفن زملائهم في المدن الأخرى على الرغم من أهمية هذا الفن الذي شهر المدينة الفريدة وقنواتها في كافة أنحاء العالم.

وقد أثبت هؤلاء الفنانون وجودهم في ساحة الفن بجدارة، ففي العقد الأخير من القرن الخامس عشر قدم الفنان جنتيل بلليني ومساعدوه عملا متميزا لمجموعة رسومات تيليري في قاعة البيرغو ديلا سكولا.والجدير بالذكر أن العديد من فناني شمال أوروبا استقروا في البندقية وساهموا في ازدهار الحركة الفنية فيها، مثل الفنان جوزيف هينتز الأصغر ( 1600-1687) والذي ولد في أغسبرغ وتدرب في بلاط بوهيميا، وأعاد إحياء فن الفيدوتا الخاص بالبندقية.

كان ذلك في القرن السابع عشر، وقد أنتج مجموعات عديدة من اللوحات ذات المواضيع التاريخية والدينية والتي كانت جزءا من احتفالات ومهرجانات البندقية. ويظهر في لوحاته طابع فن شمال أوروبا المتسم بالرسم الواقعي مع مراعاة الدقة المتناهية مع اعتماده على الألوان الحيوية والتي طغى تأثيرها على لوحات فناني القرن الثامن عشر.

ومن أشهر الفنانين أيضا، لوكا كارليفاريجس ( 1663 - 1730) الذي ولد في فيريولي، وقد اعتبر الأب الروحي لفن القرن الثامن عشر الفينيسي (فيدوتا). كان في بداية إقامته في البندقية يرسم المشاهد الطبيعية معتمدا على نمط فن شمال أوروبا، ثم مع مضي الوقت تحول إلى الفن الخاص بالبندقية، وبات يرسم مسيرات القوارب في المياه ومشاهد من الاحتفالات العامة حيث بدا تأثره بالفنان بليني واضحا.

لقد أصبحت تطورات الواقعية في عصر النهضة على أيدي هؤلاء الكبار أدوات رئيسية لجميع مستكشفات الحياة فيما بعد في الفن وبهذا المعنى يكون عصر النهضة نهاية حقبة وبداية حقبة أخرى. فهذا الفن وعلى أيدي هؤلاء العظام يعتبر من إلهامهم الذين فرضوا فيما بعد الرعاية المستنيرة على من جاء بعدهم وحتى يومنا الحاضر.

تأليف :أنتيللا فلورنس

عرض ومناقشة رشا المالح





هناك تعليق واحد:

  1. فياضان الحرف هنا كان بتدفق محبرتك

    فكم اسرنا حرفك بابجديات الكلمات الرنانه


    يارا نعوم

    http://hawaa.alnaddy.com/article/262355

    ردحذف