بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الاثنين، 12 ديسمبر 2011

روايات خالدة - حكاية الهايكي


2007-01-01 00:05:34 UAE


روايات خالدة

حكاية الهايكي

بقلم :رشا المالح

 
 

هذه الرواية أو الملحمة لا توثق مرحلة تاريخية من حروب اليابان، أو الانتقال من عهد الهايكي إلى عهد الجينجي فقط، بل تذهب إلى بعد أعمق وأشمل بكثير وهو الكونية، ولذا فإن هذا العمل بات من الأعمال الكلاسيكية الخالدة على المستوى العالمي.

فمن خلال الحروب التي شهدتها اليابان على مدى 90 عاما ابتداء من 1131 إلى عام 1221، التي دونت في هذه الملحمة والتي كان الرهبان العميان يروونها شفاهة بمرافقة العزف على الناي أو آلة وترية تدعى بيوا، يجد القارئ بين يديه خلاصة دورة كاملة للحياة والمتمثلة بالحكمة الإنسانية.

تلك الحكمة التي جعلت من صراع القادة في الحروب، والقوة والنفوذ خلفية لدور العدالة الإنسانية، وعليه فإن هذه الرواية تحفل بعدة محاور سواء على صعيد التحول الاجتماعي أو السياسي أو الإنساني.

وإن تناولنا البعد المباشر للعمل، سنجد أن الأحداث تكشف للقارئ عدة أبعاد منها الجانب التاريخي الذي يوثق صراع السلطة بين عائلة تايرا التي استمر نفوذها لما يقارب من عقدين والمتمثلة بقائدها كيوموري المقرب من العائلة الحاكمة، والعائلة المتمردة جينجي المتمثلة بقائدها يوريتومو الذي لم يتورع عن قتل عمه يوشيناكا وأخيه يوشيستون الذي قاد الصراع فعليا وحقق الانتصار.

أما البعد الثاني فيشير إلى علو مكانة المحاربين في المجتمع والتركيز أهمية مبادئ ومثل المحاربين مثل الولاء والشجاعة والإخلاص، أما البعد الثالث فيشير إلى الصراع بين القيم والقناعات القديمة المثمثلة في بلاط الحاكم والقيم الجديدة المستمدة من جيوش الأقاليم، إلى جانب بروز الجانب الديني المتمثل في البوذية حيث يتحول العديد من قادة الحروب وجنودها إلى رهبان متنسكين من خلال دورة الحياة التي تأخذ مجراها.

وجدير بالذكر أن معظم العروض التي تناولت هذه الملحمة اقتصرت على البعد المباشر أو خلفية العمل، غافلين عن المغزى العام الذي يتجلى من خلال تفاصيل الحياة اليومية وسلوكيات الأفراد لاسيما القادة وقراراتهم التي ترسم بنفسها مصيرهم المأساوي.

تبدأ الرواية بعرض لحياة القائد الشديد البأس كيوموري الذي تتجسد فيه القسوة والشراسة والأنانية، الذي يتخلى عن محظيته الأثيرة إلى نفسه جيو حينما يلتقي بالراقصة الشابة الجديدة هوتوكي. يدفع الهجران بجيو إلى سلك الرهبنة بعدما عاشت بضعة أشهر تعاني من البؤس والألم. وفي أحد الأيام تفاجأ بدخول الراقصة هوتوكي عليها حليقة الرأس لتنذر نفسها للرهبنة هي الأخرى، لعدم قناعتها بجدوى الحياة التي تعيشها.

ومن خلال السرد يتضح للقارئ ظلم كيوموري وفداحة جرائمه ووحشيته. وتتوالى أحداث القصة لتصور في كل فصل مشهدا جديدا لأفراد من القادة وصراعاتهم ومواقفهم الإنسانية والبطولية على كافة الأصعدة.

ومنذ البداية تشير جميع الدلائل إلى النهاية المرتقبة لهذا القائد من خلال عدة ظواهر غيبية كما في الواقعية السحرية، حيث يصاب كيوموري بحمى شديدة لا تفارقه وتدفع كل من حوله إلى تحاشيه لدرء الوهج الحراري المنبعث منه، كما قيل بأن المياه التي كان يستحم بها كانت تصل إلى درجة الغليان ما إن تلامس جسده، وهكذا تأتي منيته من خلال مضاعفات مرضه.

ومن الأحداث البارزة التي تستوقف القارئ والتي يتجلى فيها قمة الصراع الداخلي للإنسان، بين الواجب والعاطفة، النبل الإنساني والطموح، الجزء الذي يتناول موت أتسوموري تايرا.

يبدأ المشهد حينما كان نبلاء عائلة تايرا ينسحبون إلى سفنهم على الشاطيء هربا من الأعداء. في تلك الأثناء كان المحارب كوماجاي ناوزان، يسير على صهوة جواده على الشاطئ بحثا عن أحد القادة من الأعداء للقضاء عليه بهدف الإعلاء من شأنه ومكانته بين قومه.

وبعد حين تلتقط عيناه مراده، ويكب باتجاه محارب على صهوة حصانه على الشاطئ كان يسعى للحاق بالسفينة. حينها يلوح كوماجاي براية الحرب ويخاطب المحارب بصوت عال قائلا، «من العار أن تدير ظهرك للعدو.. ارجع».

وبلا تردد يستدير المحارب باتجاه عدوه، ويبدآ قتالا شديد البأس، وبسرعة يستطيع كوماجاي أن يرميه أرضا، وحينما يترجل ويجرد المحارب من خوذته لجز رأسه، يفاجأ بوجه شاب صغير لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وعلى حين غرة يتبادر إلى ذهنه ابنه الذي يماثله في العمر ويتساءل عن شعور والد الفتى إن وصله خبر مقتله.

عندها يتوقف ويسأله عن اسمه ويفاجأ بصلابة الشاب وجرأته. وبعد صراع داخلي تنتصر عاطفة الأبوة في داخل القائد على طموحه الشخصي ويتخذ قراره بإخلاء سبيله.

لكن القدر يمنع كوماجاي من تنفيذ رغبته بالإبقاء على حياته، حينما يلحظ قدوم مجموعة من محاربي قومه، عندها يخاطب الشاب بأسى عميق قائلا له والدموع تنساب من مقلتيه، «على الرغم من أنني أفضل إطلاق سراحك، إلا أنك لن تستطيع النجاة من الآخرين. لذا من الأفضل أن تموت بيدي وسأتلو لك الصلوات لتذهب إلى الجنان».

ولا يدري القائد في خضم انفعاله كيف قطع رأسه، كل ما كان يدركه أنه استسلم لبكاء مرير وعنيف، ومن بعدها تحول إلى سلك الرهبنة.

وهكذا تتوالى الصراعات والأحداث ليمثل كل مشهد عبرة ومغزى حياتي زاخرا بالمعاني الإنسانية والصراع مع الذات والمحيط والعدو، فهناك المحاربة الشابة تاموي غوزين التي آلت على نفسها الدفاع عن قائد الحملة كيسو يوشيناكا والتي حامت عنه حتى النهاية ووقفت بالمرصاد للعديد من الأعداء شديدي البأس وقضت عليهم بلا تردد.

وكذلك قائد أحد الحملات الذي يطلب من أحد جنوده أن يقضي عليه ويجنبه العار بالموت على أيدي الأعداء، وحينما يرفض الجندي قتله، وأخيرا يتفق الاثنان حيث يطعن القائد نفسه ومن ثم يقوم الجندي بقطع رأسه، ورميه باليم بعد ربطه ببعض الحجارة وذلك لحرمان الأعداء من ادعاء قتله.

وتأتي نهاية عائلة تايرا، حينما تحاصر سفن العدو سفن عائلة تايرا الهاربة، فلا تجد أرملة كيوموري مفرا من أن ترمي نفسها مع نجلها في اليم، ويسجل موتهما نهاية عهد حكم تايرا وبروز عهد الجنيجي.



2007-01-01 00:05:34 UAE


روايات خالدة

حكاية الهايكي

بقلم :رشا المالح



هذه الرواية أو الملحمة لا توثق مرحلة تاريخية من حروب اليابان، أو الانتقال من عهد الهايكي إلى عهد الجينجي فقط، بل تذهب إلى بعد أعمق وأشمل بكثير وهو الكونية، ولذا فإن هذا العمل بات من الأعمال الكلاسيكية الخالدة على المستوى العالمي.

فمن خلال الحروب التي شهدتها اليابان على مدى 90 عاما ابتداء من 1131 إلى عام 1221، التي دونت في هذه الملحمة والتي كان الرهبان العميان يروونها شفاهة بمرافقة العزف على الناي أو آلة وترية تدعى بيوا، يجد القارئ بين يديه خلاصة دورة كاملة للحياة والمتمثلة بالحكمة الإنسانية.

تلك الحكمة التي جعلت من صراع القادة في الحروب، والقوة والنفوذ خلفية لدور العدالة الإنسانية، وعليه فإن هذه الرواية تحفل بعدة محاور سواء على صعيد التحول الاجتماعي أو السياسي أو الإنساني.

وإن تناولنا البعد المباشر للعمل، سنجد أن الأحداث تكشف للقارئ عدة أبعاد منها الجانب التاريخي الذي يوثق صراع السلطة بين عائلة تايرا التي استمر نفوذها لما يقارب من عقدين والمتمثلة بقائدها كيوموري المقرب من العائلة الحاكمة، والعائلة المتمردة جينجي المتمثلة بقائدها يوريتومو الذي لم يتورع عن قتل عمه يوشيناكا وأخيه يوشيستون الذي قاد الصراع فعليا وحقق الانتصار.

أما البعد الثاني فيشير إلى علو مكانة المحاربين في المجتمع والتركيز أهمية مبادئ ومثل المحاربين مثل الولاء والشجاعة والإخلاص، أما البعد الثالث فيشير إلى الصراع بين القيم والقناعات القديمة المثمثلة في بلاط الحاكم والقيم الجديدة المستمدة من جيوش الأقاليم، إلى جانب بروز الجانب الديني المتمثل في البوذية حيث يتحول العديد من قادة الحروب وجنودها إلى رهبان متنسكين من خلال دورة الحياة التي تأخذ مجراها.

وجدير بالذكر أن معظم العروض التي تناولت هذه الملحمة اقتصرت على البعد المباشر أو خلفية العمل، غافلين عن المغزى العام الذي يتجلى من خلال تفاصيل الحياة اليومية وسلوكيات الأفراد لاسيما القادة وقراراتهم التي ترسم بنفسها مصيرهم المأساوي.

تبدأ الرواية بعرض لحياة القائد الشديد البأس كيوموري الذي تتجسد فيه القسوة والشراسة والأنانية، الذي يتخلى عن محظيته الأثيرة إلى نفسه جيو حينما يلتقي بالراقصة الشابة الجديدة هوتوكي. يدفع الهجران بجيو إلى سلك الرهبنة بعدما عاشت بضعة أشهر تعاني من البؤس والألم. وفي أحد الأيام تفاجأ بدخول الراقصة هوتوكي عليها حليقة الرأس لتنذر نفسها للرهبنة هي الأخرى، لعدم قناعتها بجدوى الحياة التي تعيشها.

ومن خلال السرد يتضح للقارئ ظلم كيوموري وفداحة جرائمه ووحشيته. وتتوالى أحداث القصة لتصور في كل فصل مشهدا جديدا لأفراد من القادة وصراعاتهم ومواقفهم الإنسانية والبطولية على كافة الأصعدة.

ومنذ البداية تشير جميع الدلائل إلى النهاية المرتقبة لهذا القائد من خلال عدة ظواهر غيبية كما في الواقعية السحرية، حيث يصاب كيوموري بحمى شديدة لا تفارقه وتدفع كل من حوله إلى تحاشيه لدرء الوهج الحراري المنبعث منه، كما قيل بأن المياه التي كان يستحم بها كانت تصل إلى درجة الغليان ما إن تلامس جسده، وهكذا تأتي منيته من خلال مضاعفات مرضه.

ومن الأحداث البارزة التي تستوقف القارئ والتي يتجلى فيها قمة الصراع الداخلي للإنسان، بين الواجب والعاطفة، النبل الإنساني والطموح، الجزء الذي يتناول موت أتسوموري تايرا.

يبدأ المشهد حينما كان نبلاء عائلة تايرا ينسحبون إلى سفنهم على الشاطيء هربا من الأعداء. في تلك الأثناء كان المحارب كوماجاي ناوزان، يسير على صهوة جواده على الشاطئ بحثا عن أحد القادة من الأعداء للقضاء عليه بهدف الإعلاء من شأنه ومكانته بين قومه.

وبعد حين تلتقط عيناه مراده، ويكب باتجاه محارب على صهوة حصانه على الشاطئ كان يسعى للحاق بالسفينة. حينها يلوح كوماجاي براية الحرب ويخاطب المحارب بصوت عال قائلا، «من العار أن تدير ظهرك للعدو.. ارجع».

وبلا تردد يستدير المحارب باتجاه عدوه، ويبدآ قتالا شديد البأس، وبسرعة يستطيع كوماجاي أن يرميه أرضا، وحينما يترجل ويجرد المحارب من خوذته لجز رأسه، يفاجأ بوجه شاب صغير لا يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وعلى حين غرة يتبادر إلى ذهنه ابنه الذي يماثله في العمر ويتساءل عن شعور والد الفتى إن وصله خبر مقتله.

عندها يتوقف ويسأله عن اسمه ويفاجأ بصلابة الشاب وجرأته. وبعد صراع داخلي تنتصر عاطفة الأبوة في داخل القائد على طموحه الشخصي ويتخذ قراره بإخلاء سبيله.

لكن القدر يمنع كوماجاي من تنفيذ رغبته بالإبقاء على حياته، حينما يلحظ قدوم مجموعة من محاربي قومه، عندها يخاطب الشاب بأسى عميق قائلا له والدموع تنساب من مقلتيه، «على الرغم من أنني أفضل إطلاق سراحك، إلا أنك لن تستطيع النجاة من الآخرين. لذا من الأفضل أن تموت بيدي وسأتلو لك الصلوات لتذهب إلى الجنان».

ولا يدري القائد في خضم انفعاله كيف قطع رأسه، كل ما كان يدركه أنه استسلم لبكاء مرير وعنيف، ومن بعدها تحول إلى سلك الرهبنة.

وهكذا تتوالى الصراعات والأحداث ليمثل كل مشهد عبرة ومغزى حياتي زاخرا بالمعاني الإنسانية والصراع مع الذات والمحيط والعدو، فهناك المحاربة الشابة تاموي غوزين التي آلت على نفسها الدفاع عن قائد الحملة كيسو يوشيناكا والتي حامت عنه حتى النهاية ووقفت بالمرصاد للعديد من الأعداء شديدي البأس وقضت عليهم بلا تردد.

وكذلك قائد أحد الحملات الذي يطلب من أحد جنوده أن يقضي عليه ويجنبه العار بالموت على أيدي الأعداء، وحينما يرفض الجندي قتله، وأخيرا يتفق الاثنان حيث يطعن القائد نفسه ومن ثم يقوم الجندي بقطع رأسه، ورميه باليم بعد ربطه ببعض الحجارة وذلك لحرمان الأعداء من ادعاء قتله.

وتأتي نهاية عائلة تايرا، حينما تحاصر سفن العدو سفن عائلة تايرا الهاربة، فلا تجد أرملة كيوموري مفرا من أن ترمي نفسها مع نجلها في اليم، ويسجل موتهما نهاية عهد حكم تايرا وبروز عهد الجنيجي.


الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011


2006-11-06 03:47:21 UAE


روايات خالدة

أطلس يتنحى
الفكر الموضوعي المستقل محرك القوة في العالم


بقلم :رشا المالح
 



كان لأعمال الكاتبة والفيلسوفة الأميركية آين راند الروسية الأصل دور كبير في تغيير تفكير شريحة واسعة من المجتمع الأميركي من خلال فلسفتها الموضوعية للحياة التي شملت الجانب الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي. ولدت راند في روسيا في 2 فبراير عام 1905 وكان والدها عصامياً وبنى محله المختص بالكيمياء بجهوده الخاصة.

منذ طفولتها شعرت أنها مختلفة عن المحيط من حولها وقررت أن تصبح كاتبة منذ أن كانت في التاسعة من عمرها. وفي مرحلة مراهقتها شهدت الثورة الروسية عام 1917 وحرب العصابات البلشفية التي أممت مخزن والدها وجردتهم من كافة ممتلكاتهم. وبعد تخرجها من الجامعة ودراستها للتاريخ، سافرت في عام 1926 إلى أميركا بدعوى زيارة بعض الأقارب لتستقر هناك طيلة حياتها. ومنذ وصولها بدأت العمل على روايتها الأولى (نحن الذين نعيش) ونشرتها في نهاية عام 1933، ومن ثم كتبت مسرحية «ليلة 16 يناير» التي عرضت على مسارح أميركا لزمن طويل. أما روايتها الثانية التي حققت لها نجاحاً نوعياً كانت (رأس النافورة) التي نشرت عام 1943 بعدما تم رفضها من قبل 12 ناشراً، وحققت مبيعاتها المستمرة رخاء مادياً لها.

توفيت آين راند في منزلها في نيويورك بسبب أزمة قلبية في 6 مارس 1982 وهي في الثامنة والسبعين من العمر. تدافع راند في روايتها «أطلس يتنحى» التي نشرت في عام 1957 واستغرقت في كتابتها مدة 14 عاماً، عن تفرد الإنسان واستقلالية الفكر المنتج الذي يمنح المجتمع استمراريته والتقدم.

وتؤكد من خلال أحداث الرواية أن التطور والإنتاج في المجتمع يتطلب عقلانية موضوعية ومنظومة قيم ومثل بعيدة عن هيمنة الوصاية، مع التوضيح بأن التضحية بالذات تؤدي إلى تدمير الإنسان وبالتالي المجتمع، وبأن القدرية على الدوام مرتبطة بالسببية. وعلى الرغم من أن أحداث الرواية تدور في مدينة نيويورك إلا أن راند لم تحدد زمناً لها وذلك للتأكيد على الفكرة بالمطلق التي لا ترتبط بحقبة زمنية محددة.

وأبطال الرواية ينقسمون إلى فئتين في المجتمع، والشعب الذي يكون على الدوام ضحية أي صراع ثالثهما. وأبطال الفئة الأولى هم، الأدمغة المفكرة والمنتجة على مختلف أصعدة الحياة سواء في الصناعة أو الطب أو الإنتاج أو الزراعة وغير ذلك. أما الفئة الثانية فهي الفئة التي تدين أصحاب الأدمغة والمفكرين والمبدعين الذين يدفعون بعجلة التطور والازدهار الاقتصادي، تلك الفئة التي منحت لنفسها حق الوصاية والسيطرة على هؤلاء المفكرين، ورسمت لنفسها منظومة من القيم والأخلاق تخولها بمعاقبة كل من استخدم عقله للابتكار والإبداع سواء على الصعيد العلمي أو الصناعي.

كما عممت منظومتها على الشعب وقدمت له شعارات تفيد بأن الفكر إنما يخدم ثروات أصحاب الأدمغة فقط، وبأن ثرواتهم ونجاحهم من حق الشعب أولاً وأخيراً. وبذلك جعلت تلك الفئة من نفسها وصية على المنتجين لتجردهم من حقوقهم في الإنتاج ولتكتسب لنفسها قوة ونفوذاً يؤمنان لها ثروة كبيرة على الصعيد الشخصي من دون الحاجة إلى العمل أو الإنتاج.

وأبطال الفئة الأولى التي تناصر العقل هم داغني تاغارات التي تعمل في مؤسسة السكك الحديدية التي أنشأها أجدادها منذ أجيال والتي آلت على نفسها تطوير الشركة واستمراريتها، وهناك أيضاً صديق طفولتها فرانشيسكو داكونيا، صاحب مناجم النحاس الشاب الثري والدون جوان،

وكذلك هانك ريردان الصناعي الذي يبتكر تركيبة جديدة للحديد الصلب الذي ينافس بمواصفاته ما هو متوفر في الأسواق، إلى جانب جون غالت مخترع المحرك الذي يحول الكهرباء الساكنة في الجو إلى طاقة محركة كبديل للفحم أو النفط، مع مجموعة من الصناعيين سواء في استخراج النفط أو الزراعة أو الفلسفة أو العلوم.

وهؤلاء الأدمغة ينحدرون من مختلف طبقات المجتمع.أما أبطال الفئة الثانية التي تكرس تغييب العقل لصالح منظومة القيم والربح السهل، فتتمثل بجيمس تاغارات شقيق داغني ذي الشخصية الضعيفة والعقل الخمول الذي يعيش صراعاً دائماً مع أخته بسبب إرادتها الصلبة وعقلها المفكر، وكذلك مجموعة من الانتهازيين المرتزقة الذين يبحثون عن مكان لهم في العالم يمنحهم السلطة والنفوذ بأسرع الطرق وأيسرها. ولا أسهل عليهم من ممارسة لعبتهم على الشعب بدعوى حق المساواة في الثروات وتشييع الإنتاج والفكر مع منع استخدام العقل.

ومع ازدياد نفوذ المرتزقة يتدهور الاقتصاد على مختلف الأصعدة، وتتصاعد الأحداث باطراد مع عنصر التشويق حينما يبدأ رؤوس الفكر ودعامة الاقتصاد بالاختفاء تدريجياً الواحد تلو الآخر، وهذا الأمر أشبه بإضراب فكري. ليجد أصحاب النفوذ أنفسهم في مأزق أشد صعوبة من الذي سبقه سيما مع عجزهم على إدارة وإنتاج ما تم تشييعه من الصناعات.

وفي خضم هذه الأحداث تأخذ كل من داغني وهانك على عاتقهما مواجهة الظروف الجديدة ومحاولة التغلب عليها للاستمرار في الإنتاج، وفي ذات الوقت البحث عن مخترع ذلك المحرك العجيب الذي يعد بمرحلة صناعية جديدة.

ومنذ بداية العمل يتردد السؤال «من هو جون غالت؟» على لسان الناس كلما طرح سؤالاً مهماً يتطلب التفكير ولا إجابة له.هذا السؤال الذي كان يستفز داغني يتم الإجابة عليه في نهاية الرواية، فجون غالت هو الرجل الذي يحتقر الأعضاء غير المنتجين من الفئة الثانية في المجتمع والذين يسخرون القانون والإحساس بالذنب لاستنزاف الآخرين والشعب.

وينتصر في النهاية أصحاب الفكر الذين يأخذون عهداً على أنفسهم بأن أحدهم لن يعيش حياته أبداً لأجل رجل آخر، أو أن يسأل رجلاً آخر أن يعيش حياته لأجله.