بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الثلاثاء، 23 يونيو 2015

«المجرة» منحوتات تحتفل بالشهر الفضيل



مطر بن لاحج يختتم بها رحلته مع الحرف

«المجرة» منحوتات تحتفل بالشهر الفضيل









للعام الثالث على التوالي يقدم النحات والتشكيلي مطر بن لاحج بمناسبة شهر رمضان الكريم، ثلاث منحوتات ضخمة من الستينليس ستيل تم تدشينها أول من أمس في دبي مول. وتكمن خصوصية منحوتاته التي حملت عنوان «المجرة» في استلهام محاورها وتكوينها وتشكيلها من الفنون الإسلامية زخرفة وهندسة وخطاً.
 

وتعتبر كل منحوتة بمثابة تحد لعلاقة الفنان مع المجسم والفراغ، خاصة وأن الخامة المستخدمة هي معدن صلب وبارد. وأسوة بأعماله السابقة نجح بن لاحج في تطويع المادة والاستفادة من كل مزاياها كالبريق المعدني والسطح الأملس مقابل المزخرف كالجواب والقرار.

بداية النهاية
يقول بن لاحج في لقائه مع «البيان» عن سلسلة منحوتاته التي تضم «الغفران» و«انصهار» ومشواره معها: «منحوتات المجرة هي المرحلة الأخيرة من رحلتي مع الحرف ومع الطاقة الكامنة في الدائرة. ليتدفق من هذه الأعمال قوة الجذب المتمثلة بتيار الحروف في مسار أفقي وعمودي مع إدخال الإضاءة كعنصر فني مكمل».
مجرة الإنسان
ينتقل بعدها إلى الحديث عن المعايير الفنية الجديدة الخاصة بمنحوتاته الثلاث قائلاً: «استلهمت فكرة الأعمال من المقاربة بين المجرة ذات النظام الكوني بما فيها من نجوم وعناصر، وبين مجرة الإنسان التي يسبح في فلكها مخزونه وموسوعته الخاص من البيانات والمعلومات الخاصة بتخصصه أو محيطه. لتبدأ الرحلة مع المنحوتة الأولى «كوكب» التي نجد فيها الكواكب الصغيرة التي تدور في فلك المجرة ومخزون المعلومات العشوائي. وفي المنحوتة الثانية «استعداد» نجد تكثيف المعلومات وفلترتها، لتتم في المنحوتة الثالثة معالجة المعلومات وفرزها تبعاً لمنهج مدروس كما هي الكواكب الصغيرة داخل مسار اسطواني يعيد معالجة البيانات بين مرحلة وأخرى.



مركزية الحروف
ويشير بن لاحج قائلاً حول مشاريعه المستقبلية: «رحلتي الجديدة تنطلق من كسر الشكل الهندسي التقليدي كالدائرة والمستطيل وغيرها، واعتماد إيقاعات مختلفة خارج مركزية الحروف».

«أسبوع دبي للتصميم» مُبادرات عالمية تفاعلية






منصة تجمع مبدعي العرب والعالم

«أسبوع دبي للتصميم» مُبادرات عالمية تفاعلية



يثمر حصاد الفعاليات الكبرى التي أسست في السنوات الماضية للبنية التحتية لفن التصميم في دبي، عن إطلاق مبادرة جديدة على مستوى عالمي بأبعاد أكثر تفاعلاً مع الجمهور، وذلك من خلال «أسبوع دبي للتصميم» الذي يقام في الفترة من 26 إلى 31 أكتوبر من العام الجاري تحت رعاية سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس مجلس إدارة هيئة دبي للثقافة والفنون، والذي أعلنت عنه اللجنة المنظمة في مؤتمر صحفي أقيم صباح الأمس في مقر مجلس دبي للتصميم والأزياء بحي التصميم، والذي يندرج تحت مظلته العديد من الفعاليات وذلك وبالشراكة مع حي دبي للتصميم، ومجلس دبي للتصميم والأزياء، وهيئة دبي للثقافة والفنون ومجموعة «آرت دبي».

جلسة حوارية

اتخذ المؤتمر طابع جلسة حوارية مع المتحدثين الرسميين وهم كل من ناز جبريل الرئيسة التنفيذية لمجلس دبي للتصميم والأزياء، وسيريل زاميت، من «مجموعة آرت دبي» ومدير معرض «أيام التصميم دبي»، وليندسي ميلر، مدير عام «حي دبي للتصميم»، والدكتور نوح رافورد المستشار في مكتب رئاسة مجلس الوزراء، وحمد خوري، الشريك في «لوكاي للتصميم المعماري» فيما أدارت الجلسة الإعلامية سوزان تروكمي من مجلة وول بيبر.

اكتشاف المواهب

تحدثت ناز جبريل، عن عالم التصميم وصناعته مستشهدة بإحصائيات وأرقام، والمحاور التي تؤهل دبي لتكون عاصمة التصميم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقالت: «ستمنحنا الدورة الأولى من »أسبوع دبي للتصميم« الفرصة للتعرف على المواهب المحلية، ضمن التزامنا بتعزيز مكانة دبي لتنضم إلى قائمة المدن العالمية الرائدة في مجال التصميم، وتمثل هذه المبادرة منصة رئيسية تجمع المصممين العرب مع المفكرين والمبدعين من أنحاء العالم».

مشاريع مبتكرة

وتناول سيريل زاميت في حديثه البعد الاستراتيجي قائلاً: يقدم هذا الحدث عدداً من المشاريع المبتكرة من أعمال خريجين جدد من جامعات عالمية رائدة في مجال التصميم الذي سيقام في منطقة حي التصميم، كما استعنا بشركة «لوكاي للتصميم المعماري» المحلية لتصميم الأجنحة الخاصة بمبادرة «أبواب» والتي ستكون مفاجأة للجميع.

إضافة نوعية

كما استعرض المتحدثون بقية فعاليات ومبادرات هذا الحدث التي تعزز تلك التطلعات وفي مقدمتها، التعاون مع ست مدن تنظم لديها «اسبوع التصميم». ليقدم كل بلد في جناح خاص بها ثلاثة تصاميم من معروضات أسبوعها ومن باكورة إنتاج ثلاث من العلامات التجارية الواعدة المحلية تحت سقف واحد. هذا النتاج يغني التنوع، ويشكل إضافة نوعية كذلك الأمر مع فنون الأعمال التركيبية التي تخلق تفاعلاً مع عامة الجمهور في دبي.

توجهات

قالت رئيسة مجلس دبي للتصميم والأزياء، الرئيس التنفيذي لمجموعة «تيكوم» للاستثمارات، الدكتورة أمينة الرستماني عن توجهات هذا الحدث: «إنه خطوة أساسية ضمن مساعي دبي نحو بناء مكانتها عاصمة عالمية رائدة ومركزاً لصناعة التصميم».

الاثنين، 15 يونيو 2015

تأملات معاصرة



رشا المالح - البيان
http://www.albayan.ae/opinions/last-round/2015-06-16-1.2396571
16 يونيو 2015


ما هو الحد الفاصل بين الواقع والوهم، وبين الوهم والحلم، وبين الأنانية والطموح، وحب النفس والنرجسية، وكيف نستبين رحيق الحقيقة والعدل من شوائب التعاطف والميول والمصالح؟!

كيف نستشف الفارق بين مصالحة أو مهادنة الآخرين والمصالحة مع النفس؟ وأين وكيف ومتى تكشف لنا تلك الحدود عن أسرار فواصلها؟

كيف نصل إلى الحكمة التي تمنحنا سر أسرارها في القدرة على الإبصار ورؤية ما يكمن خلف الصورة واللون والتعبير، واستقراء الملامح وما تخفيه النفوس؟

كيف نتحرر من رهبة المجهول، والخوف من تبدل الأحوال، وأين تكمن قدراتنا ومتى نستعين بصبرنا، وكيف ندرك أنه سمة قوة فينا، وليس حالة عجز وتسليم؟
هل تكفي تجاربنا في الحياة ومحنها لبناء جسر وصولنا إلى الحكمة، أم أن قراءة ما كتبه من سبقنا من الفلاسفة والمفكرين الذين خلدهم التاريخ كفيل ببناء دربنا إليها؟ أم أن الاستهداء بتجارب الآخرين واختزالها في وعينا كاف للوصول، أم علينا ابتكار طرق جديدة لبناء طريقنا، وكيف ندرك أن الدرب المختار لا يقودنا إلى الحكمة بل الهاوية؟!

هل استخدام الإنسان للأقنعة حاجة فطرية أم تفرضها الانتهازية، وهل جميع الأقنعة التي يتخفى خلفها الإنسان سوداء، أم هناك أقنعة بيضاء موشاة بالتخفي والصمت لتلجم الغضب ولحظات الجنون، وضبط النفس عن التعامل بردود الأفعال؟.

وهل يحتاج الحكيم في حياته للأقنعة، وهل من الحكمة استخدامه لها كالآخرين، والسؤال الأكبر متى يصل الإنسان إلى المرحلة التي يتخلى فيها عن جميع الأقنعة؟ أهي لحظة موته أم فراق طفولته؟.


    فنجان قهوة رمز عالمي للتواصل أم بؤرة للصراع؟

     القهوة تدخل فيينا تحت عباءة الحصار العثماني
    تأليف :ستيوارت لي ألن 


                                                            
    عرض ومناقشة: رشا المالح

        بين سطح فنجان القهوة التركي، أو الكاباتشينو أو الاسبريسو أو الموكا وبين قاعه يكمن تاريخ حضارات عالمية ازدهرت وأفلت، وأمم ارتقت من عصور الظلمات الى عهود الامبراطوريات والتقدم. وقد آلى المسافر الجوال ستيوارت لي ألن على نفسه، أن يدرس تاريخ القهوة التي شكلت قوة لا يستهان بها عبر التاريخ فضلاً عن ارتباطها الوثيق بالحضارات العالمية.
    وهذا الكتاب من تأليفه الذي نناقشه هنا بحث شيق وملهم لمعرفة أصول وتأثير القهوة التي أصبحت حاجة ملحة في حياتنا المدنية والتي شربها الانسان على مدى العصور وطبيعة تأثيرها. وقد استهدف ستيوارت الذي اختار ان يكون باحثا ودارسا لتاريخ القهوة، الترحال والسفر أسوة بعلماء الآثار، الا أن ما ميزه عنهم هو اختباره الميداني لحقل بحثه فقد شرب خلال رحلته ما يعادل 2920 فنجان قهوة بأنواعها المختلفة

    تحمل ستيوارت أنواع المشاق كافة وركب كافة وسائل النقل البدائية مثل الدواب والقوارب وغيرها، شرب القهوة مع ذواقتها في اليمن واسطنبول وفي الأزقة الخلفية في أندونيسيا وفي الصالونات الراقية في باريس وفيينا وفي مقاهي لندن حيث كانت مقرا لسوق الأسهم والتأمين وأيضا منشأ أول مجلة منوعات.
    ويستعرض المؤلف الأميركي ستيوارت لي ألن في كتابه الصادر مؤخراً عن دار نشر سوهو برس انكوربوريشن في نيويورك، وهو من القطع الصغير ويضم 231 صفحة، تاريخ القهوة ابتداء من اكتشافها في أثيوبيا ومن ثم انتقالها الى اليمن فالهند والى هيمنة الامبراطورية العثمانية عليها ومن بعد ذلك تأثيرها الفعال في دول أوروبا


    الفنجان الأول 

    بدأ المؤلف رحلته من أثيوبيا وتوجه الى مدينة هراري، مركز زراعة البن، حيث أقام الشاعر الفرنسي رامبو حتى وفاته، والذي جاء من فرنسا طمعا في تكوين ثروة من خلال التجارة، وما زالت آثار منزله المهجور تحمل ذكريات مرحلة حياته الأخيرة. وقد وصلت ثمرة البن الى أثيوبيا من خلال التجارة مع زائير

    وهناك الكثير من الروايات والأساطير التي تدور حول كيفية اكتشاف الانسان لثمرة البن، غير أن ما يشاع في أثيوبيا بصورة عامة يدور حول قصة الراعي الذي كان يرعى قطيعاً من الماعز، ولاحظ خلال جولاته أنه في كل مرة يمر بمنطقة محددة تتصرف الماعز بصورة غريبة وتقوم بحركات أقرب الى الرقص، وحينما دقق في الأمر اكتشف أن ما تتعرض له يتم بسبب أكلها لاحدى النبتات.
    وتجرأ الراعي وأكل من الثمر نفسه، ولدهشته أحس بالنشاط والحيوية وبطاقة متجددة. وهكذا عرفت نبتة القهوة.
    عرف الأثيوبيون في البداية شراب «الكاتي» والذي يعتمد على غلي الأوراق الخضراء لثمرة البن المجففة في الظل كما كانوا يأكلون حبوب البن مطهية ومعجونة بالدهن والتي كانت تقدم على شكل كرات

    الدهباني والصوفي

    وفي عام 1400 قدم رجل عربي يدعى الدهباني وتعرف على شراب «الكاتي» ثم تلاه تابعه رجل الدين الصوفي الشادهبان الذي أضاف لشراب الكاتي حبوب البن وذلك بعد زراعته لتلك الثمرة في جنوب اليمن. كان اليمنيون يحمصون البن في مقلاة مسطحة حتى تصبح حبوب البن داكنة اللون كثيفة الملمس، لتغلى بعد ذلك على نار هادئة لمدة عشر دقائق مع الماء والسكر وذرة من الملح. وتعرف نبتة القات في اليمن بالأخت الشريرة للبن

    وذهب المؤلف مع أحد المرشدين لحضور مزار ديني يقصده العديد من سكان أثيوبيا للشفاء، , وتمثل دافع زيارته في كون القهوة جزءاً من طقوسه

    وكان القائمون على زراعة القهوة في هراري يحجزون في مزارعهم ولا يسمح لهم أو لعائلاتهم بمغادرتها خوفا من تسرب فنون زراعتها. وكان المزارعون ومع شربهم لأول فنجان قهوة في الصباح تعلو أصواتهم ضارعة:
    أيتها القهوة، امنحينا السلام،ساعدي أطفالنا على النمو، وزيدي ثروتنا.
    نرجوك حمايتنا من الشر،وامنحينا المطر والعشب

    كما كان رؤساء قبائل الأورمو يقومون في احتفالاتهم بمضغ حبوب البن التي تقلى بالزبدة وتحرك بملعقة خاصة ترمز الى الخصوبة، حيث يتلى خلال تحميصها عدد من الادعية. ويشّبه السكان الصوت الصادر عن فرقعة الحبوب لدى نضجها وتفتحها بسبب الحرارة، بالصرخة الأخيرة لرجل يحتضر وأيضا بالصرخة الأولى للطفل لدى ولادته.

    وبعد مضغهم للحبوب، يقدمونها لتخلط تلك الحبوب بالحليب المحلى وتشرب من جميع أفراد القبيلة لتمنحهم السعادة ولتفتح أذهانهم وتزيد من نمو أطفالهم. وتقام بعد ذلك مراسم القبيلة كالزواج والختان والتحكيم في الخلافات


    الطريق الى اليمن 

    عندما اكتشف الأثيوبيون قوى القهوة الخفية، كان عامل الزمن هو وحده الذي أوصلها لاحقاً الى الفراعنة في مصر. ومن منشأها في هراري شرق البحر الأحمر نقلت القهوة بالقوارب الى اليمن.
    وسافر ستيوارت بالقطار الى مدينة جيبوتي التي وصفها الرحالة «ابن بطوطة» في كتاب رحلاته في القرن الثالث عشر بأنها المدينة الأكثر قذارة وعفونة في العالم. والتي أضحت اليوم دولة قائمة بحد ذاتها بعد أن تخلصت من الاحتلال، ومنها أبحر ستيوارت الى اليمن

    وعلى خلاف توقعاته في الوصول الى اليمن بعد يوم واحد، استغرقت رحلته ما يزيد على أسبوعين، وواجه العديد من الصعوبات عند دخوله اليمن، وقال له المسئول أخيرا بعد استجواب مطول وهو يسلمه جواز سفره، «اذا كنت قادما من أجل القهوة، فقد تأخرت 300 عام». 

    واذا كان الأثيوبيون أول من مضغ ثمرة القهوة، وربما صنع الشراب من أوراقها، فإن الصوفي اليمني الشاذلي هو أول من غلى فنجان قهوة من حبوب تلك الثمرة. وفي عام 1400 حينما غزا الأتراك اليمن، انتشرت القهوة وبدأت تشرب في دول العالم الاسلامي كافة.
    لم ير المؤلف في اليمن سوى أطلال حضارة ازدهرت في الماضي، وكان وصفه لها مؤلما في بعض الجوانب وان لم يتجاوز في وصفه الواقع «كانت صنعاء من بين أكثر الدول الاسلامية التي زرتها عزلة». 

    وفي جنوب اليمن وبالقرب من تعز، زرعت القهوة لأول مرة قبل 800 عام على جبل النبي شعيب، حيث أوهم اليمنيون الأوروبيين بأن نبتة القهوة لا تنمو الا على هذا الجبل. وجبل النبي شعيب أعلى جبل في الدول العربية وعلى قمته شيدت قلعتان لحماية تلك الثروة. ويبين المؤلف بأن ما يزرع اليوم على هذا الجبل هو القات فقط

    ويعد القات من المخدرات السبعة الممنوعة عالميا، وتعتبرها الحكومة الأميركية من أخطر المواد مثل الهيرويين.
    وبدأت رحلة بحثه في سوق صنعاء القديم لتذوق أفضل فنجان قهوة يقدم في اليمن، وبعد مروره بسوق البهارات وصل أخيرا الى سوق القهوة

    ولاحظ المؤلف أن اليمنيين يشربون نوعين من القهوة. أولهما، قهوة الصباح وهي القهوة المغلية مع السكر والقرنفل والهال، والثانية قهوة بعد الظهر وتغلى مع البهارات والبن المطحون. وطعم النوعين مختلف تماما عن القهوة التركية

    تهريب القهوة 

    ومن اليمن سافر المؤلف الى الهند، وهي أول دولة غير اسلامية زرعت نبتة القهوة في تربتها. وكان ذلك بفضل الصوفي الهندي «بابا بودان»، واسمه الحقيقي حضرة شاه جامرالله مازارابي، الذي ذهب الى مكه للحج، حيث قابل صوفيين يشربون القهوة. وقد قرر أخذ هذه النبتة البديعة معه الى بلده في جنوب الهند، ليشارك أخوته الصوفيين فيها

    عقاب المهربون

    كان عقاب سرقة حبوب البن الخضراء في مكه هو قطع الرأس. وما قام به بابا بودان هو أنه بعد طوافه بالكعبة وتقبيل الحجر الأسود ثم الشرب من مياه زمزم، أخفى في حزام ثيابه سبع حبات بن، وهربها الى الهند وزرعها في أعالي الجبال بالقرب من مايسور.
    تنتج تلك الحبات السبع اليوم ما يقارب من 200 ألف طن في السنة الواحدة. كما نقل الكابتن الألماني أدريان فان أدمرين في عام 1696 ثمرها الى أندونيسيا حيث توجد احدى أهم مطاحن البن

    وفي رحلته من شمال الهند الى جنوبها لزيارة جبال مايسور، التي استغرقت خمسة أيام في القطار لاحظ المؤلف الفارق التدريجي في محطات القطار، وما أثار اهتمامه هو الفارق بين محبي القهوة في الجنوب ومحبي شرب الشاي في الشمال.
    كانت محطات قطار الشمال قذرة مليئة بالمشردين والعائلات الفقيرة وعدد لا يستهان به من الشحاذين، في حين كانت محطات ولايات الجنوب أكثر نظافة وانضباطا ودقة في جدول مواعيد القطار وعدد المتسولين فيها أقل بكثير. كما أن الناس أكثر صحة وأدبا ومعدل دخلهم ضعف دخل الفرد في الشمال، وما يميز أهل الجنوب هو شربهم القهوة بدلا من الشاي

    ومن تقاليد الماضي لشرب القهوة في الهند، أن تقدم في فناجين فخارية كانت تسحق بالأقدام لدى انتهائهم من شرب محتواها. وهو تقليد صحي ويحافظ على البيئة فيه الكثير من الطرافة.
    وحينما سأل المؤلف أحدهم لدى استبدال الفخار بأكواب البلاستيك وتأثيرها السييء على البيئة، أجابه بداية من خلال الاشارة الى مجموعة من الصبية في المحطة يحمل كل منهم في يد كيساً كبيراً وفي اليد الأخرى يلتقط الأكواب البلاستيكية عن الأرض، ثم ابتسم قائلا، «الهنود بارعون جدا في اعادة التصنيع». 

    كانت مايسور مدينة جميلة وباردة، وشوارعها عريضة ومظللة بالأشجار والازدحام فيها قليل. ومن القصص والروايات التي تشاع فيها، بأن القردة كانت تأكل أفضل حبوب البن وكان السكان يستخدمون فضلاتها لصنع أفضل وأغلى أنواع القهوة!
    وعبر تقصي ستيوارت ألن لي للحقيقة من خلال مقولات الأسطورة، تبين له أن حيوان (كف القط الصغير) الذي يعيش في جاوة في أندونيسيا كان يتغذى على نسغ نوع من الأشجار، قريب من الكحول، الى جانب ثمار البن. كانوا يقومون بغسل فضلاته ويصنعون منها أفضل أنواع القهوة، التي تصدر الى اليابان وأميركا بأسعار خيالية.
    وتبيع احدى الشركات الأميركية تلك القهوة وتدعى «كوبي» بسعر 300 دولار أميركي للرطل الواحد، وتبيع شركة أخرى صنفا مشابها بقيمة 75 دولاراً أميركياً للرطل الواحد

    ومن كلكتا سافر المؤلف الى تركيا، ومن أزمير توجه الى قونيه، لحضور الاحتفال السنوي الذي يقوم به مجموعة من الصوفيين. كانت قونية مقر تأسيس الصوفية قبل 700 عام والذين سموا فيما بعد بالدراويش.
    واحتكرت الامبراطورية العثمانية تجارة القهوة لما يزيد على 300 عام، وكانت مصدراً لثرواتها وقوتها الاقتصادية.
    ويرجع سبب انتشار القهوة في أوروبا إلى منعها في تركيا من قبل السلطان مراد في عام 1633، مما دفع تجارها الى الهرب الى ايطاليا والنمسا وفرنسا

    القهوة في فيينا دخلت القهوة فيينا بعد حصار الأمبراطورية العثمانية لمدينة فيينا بأمر من السلطان محمد مصطفى في عام 1683، حيث حاصر الأتراك المدينة طيلة فصل الصيف.
    وبفضل الجاسوس فرانز كولشيزكي النمساوي الأصل الذي عاش معظم حياته في اسطنبول، تمكن النمساويون من معرفة خطط العثمانيين وحفرهم لأنفاق سرية تحت المدينة.
    وبمساعدة الجيوش البولندية التي هاجمت الجنود الأتراك من الخلف لدى اقتحامهم المدينة، اندحر الجيش التركي وفر الجنود مخلفين وراءهم أكياس حبوب البن. وهكذا عرفت فيينا القهوة.
    أما قهوة الكاباتشينو والتي تدعى في فيينا باسم كابوتزينر، فيرجع منشأها الى رهبان ديغلاس من مدينة كابوتشين في ايطاليا التابعين للكنيسة الكاثوليكية

    ويذكر المؤلف أن القصة بدأت في بلدة أسيزي الايطالية في عام 1201، حيث بدأ أحد سكانها ـ ويدعى جيوفاني ـ يتصرف بقليل من الغرابة وخارج اطار تقاليد مجتمعه. كان يتجول عاريا ويتحدث مع الطيور، وأحاطه السكان بهالة كمعلم وبات له اثنا عشر تابعا، وهذا الشخص الذي كان سيودع في احدى المصحات العقلية في زمننا الحالي، دعي القديس فرانسيس الاسيزي نسبة الى هذه البلدة.
    ثم انضم الى اتباعه فيما بعد الشاب ماثيو دا باسكيو الصغير، الذي أحب القديس فرانسيس وطيوره وبساطته وحكمته.
    وذات يوم جاءه في الحلم شبح القديس فرانسيس وحدثه عن عدم رضاه عن أتباعه وسلوكياتهم. وما أثار اهتمام ماثيو هو اللباس الذي كان يرتديه القديس وعلى الأخص القبعة المروسة. والتمس ماثيو من الكنسية السماح له بحق ارتداء تلك القبعة، وحصل على موافقة البابا

    غير أن أتباع فرانسيس تذمروا من عاداته الدينية الجديدة ورموا ماثيو في السجن، ولم يفرج عنه الا لدى تدخل البابا شخصيا واصداره أمرا خاصا به يحرره من سلطة الفرانسيسكان.
    وهكذا بدأ نظام الكابوتشين، فالجزء الأول من الكلمة «كاب» يعني القبعة المروسة التي تخص ماثيو، ولاحقا بدأت تعني الكريمة المخفوقة أو الحليب الساخن المخفوق الذي يتوج شراب القهوة. والجدير بالذكر أن رهبان الكابوتشين كانوا يأخذون قهوتهم على محمل جدي تماما أسوة بالصوفيين.
    وفي فيينا تبرعت إحدى الكونتيسات بتعليم المؤلف أصول وتقاليد شرب الكاباتشينو، اذ سكبت أولا الكريمة المخفوقة على القهوة ونثرت عليها قليلا من مسحوق الشوكولاته. وحينما هم بشربه نهرته الكونتيسة بعصبية وطلبت فنجانا جديدا.
    فالطريقة الصحيحة لشرب الكاباتشينو تتمثل في أن تترك الكريما المخفوقة لتذوب في القهوة في حين يتم التقاط نثرات الشوكولاته من على السطح وتناولها برأس الملعقة.
    وحينما انخفض ارتفاع الكريمة لما يقارب من نصف بوصة، سمحت الكونتيسة لستيوارت باختراق القشرة الخارجية، وذلك برفع الفنجان الى شفتيه لتلامسا الكريمة، ومن ثم يتم تنشق المشروب وارتشاف القهوة من خلال الكريمة دون خلطها. ومن المتعارف عليه تقبل اصدار صوت خفيف خلال ذلك

    وأخيرا لدى امتزاج الكريمة بالقهوة، سمحت له بشربها بالصورة الاعتيادية على أن يترسب على محيط الفنجان اللون الداكن للقهوة.
    وذكرت له الكونتيسة بأن الجزء الأول، وهو الكريمة يرمز الى الطفولة شديدة الحلاوة والاثارة، والجزء الثاني يمثل المرحلة المتوسطة من العمر والقهوة السوداء في القاع تمثل مرحلة الشيخوخة الشديدة المرارة وان كانت الأفضل طعما ومذاقا.
    ومن القصص الطريفة الأخرى التي أوردها المؤلف منشأ الكرواسان. والحكاية بدأت خلال حصار العثمانيين لفيينا، حيث قام الخباز بيتر ويندر بخبز الرغيف على شكل الهلال الموجود في علم الأتراك

    ولدى زواج الملكة ماري انطوانيت بملك فرنسا وانتقالها للعيش في فرنسا، شعرت بالحنين لبلدها فطلبت أن تكون وجبة افطارها مكونة من فطيرة الكرواسان التي تشبه في شكلها الهلال.
    وهكذا نشأ الفطور السياسي العالمي المكون من فطيرة الكرواسان (الهلال في علم تركيا) والقهوة المسروقة أيضا من تركيا!
    وفي عام 1640 وصلت قهوة العثمانيين الى بريطانيا، وافتتح أول مقهى لشرب القهوة في أوكسفورد ومن ثم انتشر في كافة أنحاء لندن. ويذكر المؤرخ جيمس هويل بأنه كان في عام 1652 مقهى واحد للقهوة في لندن وفي عام 1700 وصل عدد المقاهي الى 200 مقهى

    وقد ساعدت المقاهي في لندن على بناء حوارات ومناقشات متحضرة، مما ساهم في قيام النهضة السياسية والفكرية وظهور الأفكار الراديكالية وأيضا بداية الحركة الديمقراطية، مما دفع الملك شارلز الثاني لاحقا الى اغلاقها في عام 1675 ثم سحب قراره بعد 11 يوما فقط.
    ومع مضي الوقت تحولت المقاهي الى مقر لادارة الأعمال ولقاء التجار وعقد الصفقات، كما تحول البعض منها الى مراكز للفن والعلوم. فمقهى ويل كان مركزا للكتاب مثل الكسندر بوب وفنانين مثل هوغارث وغيرهما الكثير.
    فالقصيدة ولدت في مقهى ويل، والأخبار الخارجية انتشرت من مقهى سانت جيمس، ويذكر الكاتب هارولد روث، «هنا في المقهى تعلم الرجال اعادة صياغة الأدب واللغة بأسلوب يتزامن مع التقدم والحضارة». كما نشأت ثاني أقدم جريدة في لندن «لويدز نيوز» من خلال منشور أخبار مقهى لويدز.
    ومع مضي 200 عام على دخول أول فنجان قهوة الى أوروبا، فإن المجاعة والأوبئة والفقر باتت من التاريخ، حيث اختفت العبودية وارتفع مستوى المعيشة بصورة قياسية كما انخفض معدل الحروب.
    ومن المعروف أن تناول ثلاثة ليترات من البيرة يضعف الذاكرة بنسبة 80% في حين أن شرب القهوة يزيد من قوتها والقدرة على التركيز

    وفي باريس ولدت بذرة الثورة الفرنسية في المقاهي، كما كان نابليون الذي قاد فلاحيه وسيطر على أوروبا من عشاق القهوة، وانهارت امبراطوريته بعد اغلاقه للمقاهي. كما أن طلبه الأخير خلال احتضاره تمثل في طلب شربه لفنجان قهوة اسبريسو في جزيرة سانت هيلينا

    القهوة سبب انهيار الحضارات العظمى

    وتناهى الى علم المؤلف ستيوارت خلال وجوده في فيينا، بأن أحد علماء الاجتماع الألمان قد ذكر في بعض مقالاته، بأن القهوة كانت السبب في انهيار العديد من الحضارات العظمى. وتبعا لتلك المعلومة شد المؤلف الرحال الى ألمانيا.
    وأفاد الدكتور جوفي لدى لقائه بالمؤلف في مكتبه في الجريدة التي كان يرأس تحريرها بقوله، «لقد اسأت فهم نظريتي، التي أدعوها نظرية قهوة جوفي في التخاذل». 


    وقد بين العالم بأنه قد استلهم نظريته من خلال زيارته لروسيا، حيث اشتكى لأحد العاملين في المخابرات السرية من سوء طعم القهوة التي يقدمونها، فأجابه العميل باسما، «انها الرد الأمثل لكرملين على القنبلة الذرية التي قتلت ملايين الناس وتركت الأبنية على حالها»
    .
    ويتابع الدكتور العالم شرح نظريته لستيوارت بقوله:
    ـ لقد كان هذا الحوار بداية تبلور نظريتي، فالقهوة السيئة تعادل الازدهار والامبريالية والحروب. والقهوة الجيدة تقطر بالمدنية
    والاسترخاء والتخاذل. قل لي بسرعة من يصنع أفضل قهوة في العالم؟
    ـ أعتقد انهم الايطاليون! (أجاب ستيوارت)
    ـ ومتى ربح الايطاليون آخر حرب لهم؟
    ـ أظن في عام 300 قبل الميلاد.
    ـ ومتى أنتم الأميركيون نجحتم في عمل القهوة أخيرا؟
    ـ آه، ربما في الستينيات.
    ـ ومتى كانت حرب فيتنام؟
    ـ فهمت قصدك. أعتقد بأن ما ترمي اليه، هو أن نهضة وازدهار الصين يعود الى عدم قدرتهم على صنع كوب من القهوة الجيدة، أليس كذلك؟
    ـ تماما
    ثم أشار الدكتور الى النافذة وأردف قائلا:
    ـ اذا أردنا أن نوقف نهضة الصين اليوم، ما علينا سوى امطارهم بوابل من قذائف آلات تصنيع القهوة!
    ـ ربما على هيئة الأمم المتحدة أن تحمل معها ( شراب القهوة الأثيوبي)
    ـ بدلا من الأسلحة؟ هذا صحيح.
    ـ كيف هي القهوة في هيئة الأمم المتحدة؟ هل لديك دراية بذلك؟
    ـ لا أعتقد بأنها فكرة جميلة.
    وانقطع الحوار بينهما لدى تلقي الأخير مكالمة هاتفية، مما أفسح المجال لستيوارت للتأمل في الأفكار الجديدة، فقد كان من الواضح له بأن الدكتور جوفي من مدمني القهوة، وبأن نظريته ناتجة عن فكر نير. ولخص ستيوارت نظرية الدكتور بما يلي، «ان كانت القهوة السيئة تصنع محاربين والقهوة الجيدة تصنع متخاذلين، فإن القهوة بمجملها أمر شائن».
    وبعد انتهاء المحادثة الهاتفية تابع الدكتور الحوار قائلا:
    ـ قبل الحرب كان الألمان يصنعون أردأ أنواع القهوة في العالم، وقد أوصلهم ذلك لاحتلال موسكو. ومنذ نجحنا في صنع كوب جيد من القهوة أصبحنا مسالمين، وهذا لا يبدو جيدا في نظر أميركا.
    فأجاب ستيوارت بحيرة:
    ـ لا أفهم ما تعنيه؟
    ـ كانت أميركا، تصنع قهوة سيئة وقنابل عظيمة، ولكن منذ افتتاح مقاهي «ستار بكس» لم يعد بمقدورهم ربح أية حرب. واذا انتشرت ستار بكس دون رقابة فإن عصر عظمة أميركا سينتهي في محيط أصناف القهوة بمختلف أنواعها.
    ـ لا بأس بهذا يا جوفي. ولكن ان كانت القهوة الجيدة تعني التخاذل، والقهوة السيئة تعني الحرب فكيف يمكن للقهوة أن تكون سوى كوب مشؤوم؟!
    ـ لا يا صديقي، مطلقا .. اسأل نفسك هل الحروب أمر ايجابي؟
    ـ بالطبع لا .. الحروب أمر سييء.
    ـ فاذا القهوة أمر جيد، والقهوة السيئة أمر سلبي، أليس هذا منطقي؟
    ـ تعجبني حقا يا جوفي؟ 

    تحت آفاق باريس
     افتتح أول مقهى في باريس في عام 1672 من قبل أرمني يدعى باسكال، وذلك بالقرب من سان جيرمان ولم يستمر طويلا. ولدى المفاوضات العثمانية الفرنسية خلال حصار الأتراك لفيينا ومحاولات توقيع معاهدة عدم التدخل مع ملك فرنسا لويس، بدأ اهتمام الفرنسيين بالقهوة التركية

    غير أن حبهم للقهوة انحصر في اطار الطقوس الخاصة بها. فالمقاهي التي لاقت اقبالا كبيرا كانت بسبب ديكوراتها الفاخرة والتقاليد الملكية التي يعمل بها. كانت المقاهي فيها بمثابة صالونات للنبلاء، وكان فولتير ونابليون وروسو وغيرهم من روادها الدائمين.
    وتعد مقاهي باريس من أغلى المقاهي في العالم حيث يبلغ سعر فنجان القهوة فيها 7 دولارات مقارنة بسعره في فيينا البالغ 4 دولارات وفي أمستردام دولارين. كما بات واضحا أن عدد المقاهي فيها يتناقص باستمرار مع دخول مطاعم الوجبات السريعة

    وتمثل ختام رحلة ستيوارت لتقصي تاريخ القهوة في السفر الى البرازيل حيث سيطر البرتغاليون على تجارة القهوة فيها وأحضروا العبيد من أفريقيا، وتابع جولته في مختلف أنحاء الولايات المتحدة باحثا عن أفضل كوب قهوة يقدم فيها وان لم يجد فيها ما يماثل جودة ومذاق القهوة في أوروبا أو الدول الأخرى.
    والتساؤل الذي يطرح نفسه في ختام عرض الكتاب، هو: لماذا لم تنجح معظم الشعوب العربية التي تعد من عشاق القهوة ومدمنيها في الازدهار ومواكبة التطور الحضاري أسوة بدول العالم الأخرى؟ ربما لأن القهوة هي التي تبلور مخيلتنا بدلا من أفكارنا!
    ===============