بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الاثنين، 27 أغسطس 2012

أول امرأة تعين سفيرة لمنظمة «الأويسكو»

سلوى غدّار يونس: بالحوار تحل الخلافات ويوقف نزيف الدماء


وادي الحلو ..قرية وادعة تحتـضــــــــــن التراث والحداثة بين الجبال







تعد وادي الحلو في الشارقة ، نموذجا فريداً لقرية جمعت بين التراث والحداثة، والأصالة والتطور العمراني والسياحي. الأمر الذي جعل منها منطقة سياحية تجذب الكثير من سكان الإمارات وزوارها، بفضل جمال طبيعتها وخصوصيتها. إضافة إلى مميزات موقعها، إذ تتسم بجغرافية حيوية، حيث تقع وسط جبال صخرية سوداء، بين كلباء وحتا .

سمي الوادي الموجود في قرية» وادي الحلو» ب» الحلو»، لمياهه العذبة والينابيع التي كانت تجري فيه قبل تحولات المناخ، حيث كانت المنطقة تتميز بطبيعتها الخضراء وبمزارعها ووديانها، ولم يكن يتجاوز عدد سكانها، آنذاك، ال 200 نسمة. وجميعهم من قبيلة المزروعي.


معالم جاذبة

يشعر الزائر لدى اقترابه من وادي الحلو، باختلاف جغرافية الطبيعة من حوله، حيث تنخفض درجة الحرارة والرطوبة، ليسير في طريق بين الجبال التي ترافقه مئات الكيلومترات، صعوداً وهبوطاً، بمنحنيات وتعرجات تزيد من متعة السفر، خاصة وأن الطريق ممهدة، كطرق السفر الخارجية.

وأول مشهد يقابل زائر الطريق في وادي الحلو، هو جماليات السور على جانبي الطريق، الذي يمتد على مرمى البصر، وما يلفت الانتباه بعد ذلك، البناء الأبيض الذي يشبه القلعة أو الحصن الأبيض بزخرفته الشرقية، والذي يتربع على قمة هضبة عالية.

أما أول الابنية التي تقابل الزائر، في وادي الحلو، فهي الحكومية، في الجهة اليمنى من الطريق، والتي يقابلها من الجهة الأخرى للطريق، جدار حجري شاهق الارتفاع بني بأسلوب المدرجات ضمن مخطط حماية المنطقة من انهيار الصخور الجبلة في موسم الأمطار.

وبعد التوقف أمام مكتبة وادي الحلو العامة، يسمع الزائر صوت خرير المياه، ليجد قبالته شلال مياه صناعيا ينساب على حجارة صخرية سوداء من أعلى الجدار، بارتفاع 42 مترا عن الطريق.


بين الحاضر والماضي

التقينا في «الوادي، بمريم محمد المزروعي وشمسة عبد الله المزروعي، ضمن مكتبة وادي الحلو. وتحدثتا( مريم وشمسة)، عن الحياة في المنطقة، بين الماضي والحاضر. وبداية، قالت شمسة في هذا الخصوص: «كانت الحياة قبل تحديث المنطقة، شاقة وصعبة، حيث كان على الاطفال بعد اتمام عامهم الدراسي الثالث في (الوادي)، التوجه إلى المدرسة في منطقة المنيعي، سيراً على الأقدام، وحين كانت تهطل الأمطار، وينهار أحد الجبال، كانت تنقطع الحركة بالكامل».

وتابعت: «كان إيقاع حياتنا صعباً وشاقاً، حتى أمر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتحديث المنطقة في التسعينات من القرن الماضي، إذ انتقل السكان من الشعبيتين القديمتين: قليعي وحران، إلى المساكن الجديدة على قمة جبل. كما استحدثت مدرسة للإناث، وأخرى للذكور، من المرحلة التأسيسية وحتى الثانوية».

ومن جهتها، قالت مريم، عن ذكريات المرحلة الأولى: «لدينا ذكريات جميلة وحنين إلى الحياة البسيطة السابقة، حيث كنا نذهب إلى مجرى المياه لغسل الملابس، بينما الأطفال يلعبون بين الأشجار. وكان الجميع يعتمد على زراعة التمور والرطب، وحب الدخن الذي تصنع منه حلوى لذيذة الطعم، إضافة إلى صناعة البثيث (لبن مجفف)».

وأضافت : «مع شق الطرق وتعبيدها، باتت الحياة أسهل. . ففي الماضي كانت الطرق وعرة والوصول إلى كلباء عبر طريق (قرقرة) من الحصى، كان شاقا وطويلا. وكثيراً ما كانت تلد النساء في الطريق نتيجة وعورته وطول المدة الزمنية. وأما طريق النفق الذي يصل بين وادي الحلو وكلباء، فاختصر علينا الزمن بصورة قياسية. إضافة إلى توفير كافة الخدمات في الوادي، بدءا من المركز الصحي ووصولا إلى نادي السيدات.

وفيما يتعلق بالحياة الاجتماعية، قالت مريم: «كان كل بيت في الشعبية يضم ثلاث أو أربع أسر، بينما في الشعبية الجديدة، تحصل كل أسرة على بيت مستقل خاص بها. وأما في ما يتعلق بالمدارس، فيقارب عدد الطلبة في كل صف من المراحل الدراسية، 15 طالباً أو طالبة، علماً أن عدد سكان الوادي وصل حالياً إلى ما يقرب من ال 600 نسمة. فاستحداث الوظائف والخدمات، ساعد في استقرار العديد من الأسر».

وصل، بعد انتهاء اللقاء مع شمسة ومريم، ابن الاولى، خالد عبد الله خميس المزروعي ( 12 عاماً )، ليأخذ « مسارات»، وعقب تجاوز الأبنية الحكومية، تشاهد المدرسة الإعدادية بالقرب من الجسر المتحلق، المحاط بالخضرة والزهور بألوانها المشرقة.

وفي أثناء مرورنا بجانب تلك المشاهد، شرع خالد في شرح مختلف تلك المعالم التي تتبدى في رحلتنا، فبدأ في الحديث عن طقوس السكان خلال رمضان المبارك: «يجتمع الرجال في الوادي، ومختلف سكانه، في شهر رمضان المبارك، بجانب بعضهم البعض، ليتناولوا طعام الإفطار بشكل جماعي( كبارا وصغارا). وأما نساء كل عائلة، فيجتمعن في بيت أحد وجهاء العائلة، ليزيد عدد المجتمعات عن 15 امرأة، إلى جانب الأطفال.

ولفت خالد انتباهنا، إلى ان جميع سكان الوادي، من قبيلة المزروعي، ويقوم على تسيير أمورهم ومتابعة شؤونهم، الوالي خميس سعيد المزروعي، منذ السبعينات من القرن الماضي.


معمار تراثي

انتقل خالد، بعد ذلك، إلى الحديث عن بيوت شعبية القليعي التي تضم حوالي 30 بيتاً، مقابل 12 بيتاً في الشعبية القديمة، مشيرا إلى أنه كانت الشعبية أشبه بمنطقة خارج هذا العالم، فهي بناء نموذجي بالكامل، من الأزقة المرصوفة وإلى الأبنية البيضاء، كما في المغرب أو اليونان.

وما يلفت الانتباه في جماليات العمارة في المكان، الاهتمام الكبير بالبوابات الحديدية التي يحمل كل منها زخارف وتصميمات لها خصوصيتها الفنية. وعلى تلك القمة أشار خالد إلى الجهة المقابلة، حيث تبنى شعبية جديدة تضم أكثر من 20 بيتاً.



.. الشعبيات القديمة

توجه بنا خالد بعد ذلك، إلى منطقة الشعبيات القديمة في عمق الوادي، حيث كان السكان يعانون الكثير في مواسم الأمطار، بفعل ما تسببه السيول والفيضانات من أضرار في الزراعة والماشية والمسكن. ودعانا إلى القيام بجولة في مزرعة جده الوالي، وأطلعنا على بئر المياه الجوفية وأشجار النخيل والرطب التي كان العمال «يخرفون»: يجنون عناقيدها.



ومن هناك، توجهت بنا الحافلة إلى المنطقة الأثرية، وحدثنا خالد عن بعض الآثار. وأولها المكان أو الخندق الذي كانوا يخزنون فيه التمر، ليبقى محفوظاً طيلة العام أو لتحويله إلى دبس. إذ كانوا يضعون التمر في سلال قشية، ويخيطونها، ومن ثم يحكمون طمرها في الخندق.



وخلال المسير في طريق جانبي وعر، شاهدنا بقايا آثار أبنية وأمكنة... وكانت المحطة الأخيرة في منطقة تعود التنقيبات فيها إلى العصر البرونزي وحتى الفترة الاسلامية.



.. في نفق وادي الحلو

شارفت رحلة وادي الحلو على نهايتها، عند دخولنا نفق وادي الحلو الذي يعد أطول نفق في منطقة الشرق الأوسط، والذي يخترق الجبل إلى كلباء، على طول ما يزيد عن 1250 متراً، بين جبال وادي المضيق ووادي القليعي، لنصل إلى كلباء خلال 20 دقيقة فقط.

تشجير الوادي

شارك صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مجموعة من الشباب والشابات في الشهر الثاني من العام الجاري في إمارة الشارقة، في عملية غرس شتلات الأشجار في عدد من جبال منطقة وادي الحلو، عملاً بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الداعية إلى المحافظة على البيئة، والسعي إلى إعادة التوازن البيئي لصحاري الإمارات ومناطقها.

وكان قد بدأ مشروع التشجير قبل 3 سنوات، ومعظم الأشجار المزروعة على جبال وادي الحلو هي من نوع السدر، ولم يكن اختيار هذا النوع من الأشجار عشوائياً، إنما لأسباب عديدة، ومنها، أن شجر السدر مثمر، وله بذرة تقتات عليها بعض الطيور وبعض القوارض. كما أنها شجرة مزهرة لها زهور جميلة تعيش عليها أفواج النحل التي تكثر في هذه المنطقة، ويلاحظ أن العسل في هذه المنطقة قد تغير، وأصبح أجود مما كان عليه، وأصبحت كمياته أوفر من ذي قبل .



سوالف الماضي

حدثنا والي وادي الحلو، خميس سعيد المزروعي، عن طبيعة الحياة في الماضي في القرية: "كانت الحياة شاقة جداً، حيث كان يتطلب الوصول إلى كلباء، باستخدام الإبل أو البغال، ما يقارب اليوم ونصف اليوم.

وكنا نغادر الوادي في الصباح الباكر، ومن ثم نقيل( من الظهر إلى العصر)، في وادي المخاضة في منطقة البلح، لنتابع السير بعدها، حتى أطراف كلباء، وتحديدا منطقة الصاف أو العقدة، حيث نبيت حتى الصباح. واود الاشارة هنا إلى أن رحلتنا إلى مدينة الشارقة كانت تستغرق، من ستة إلى سبعة أيام، مع الإبل".

ويتابع خميس سعيد المزروعي:" في كلباء كنا نقايض الخشب والفحم (صخام)، بالأغذية، كالسّح (تمر) والرز والقهوة. وفي العودة نتوقف في وادي مي (المق)، لنستأنف رحلتنا في صباح اليوم التالي، عن طريق وادي القور.

وكنا نبني بيوتنا من الحجارة لنغطي السقف بسعف وجريد النخل، لتأمين الظل وللتقليل من تسرب الأمطار. وبدأنا، منذ العام 1968 أو العام 1969 تحديدا، استخدام (المقير). وهي عبارة عن أسطح من بلاستيك القار الذي يحمي من تسرب المياه لمدة ثلاثة أعوام، إن لم يتعرض للشمس). ويضيف والي وادي الحلو: " أول سيارة دخلت إلى الوادي كانت في العام 1970. وهي من نوع (بيك آب كروزر).

وصاحبها هو خميس سالم بن حماد المزروعي. وعموما، كنا نقود مركباتنا في "السيح": البر المفتوح خارج البلد. ولم نكن نعرف شيئا عن قواعد المرور، إلا حين نكون موجودين داخل البلاد في الشارقة، وذلك قرب الأبنية الحكومية والسوق.

وفي عام 1971، أهدى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، إلي، سيارة "لاندروفر". وبالطبع مع وجود السيارات باتت حركة الانتقال أسهل، لتصبح بعدها، محققة خلال زمن قياسي، بفعل افتتاح النفق بين الوادي وكلباء، إذ السرعة من 28 كم إلى 90 كم".

وأما عن بدايات انطلاق مشروعات التطوير والتحديث في الوادي، فيقول المزروعي: "أذكر حين أتى فريق من العمال والفنيين لتمديد الكهرباء إلى الوادي، وكذلك تركيب الأعمدة الخشبية. فعندها، توجهنا إلى العاملين خلال فترة شغلهم.

وقلنا لهم إن الأمطار ستقتلع الأعمدة من مكانها وستجرف أمتعتكم، ولكنهم لم يستمعوا إلينا. وسرعان ما هطلت الأمطار الغزيرة بعد العشاء، لتجرف السيارات والأعمدة والمعدات وحتى جوازات سفرهم. ولم يتوقعوا غزارة الأمطار في الوادي، إذ إنها تجري فوق سطح الأرض لمدة 20 يوماً بعد نزول المطر. وطبعا هذا الزمن تحول.

كما أن عدد السكان في الوادي، زاد، من 40 إلى 612 نسمة.. وكما كان أهالي المنطقة، في ما مضى، يتزوجون في سن مبكرة. فكثير من الشباب تزوج في السادسة عشرة من العمر". وختم والي وادي الحلو: " كانت أسماء الأماكن في الوادي والمنطقة عموما، تستمد من أسماء العائلات التي كانت تعيش كأسرة واحدة، وكان يفصل بين كل عائلة وأخرى ما قرابة ال 2 كم".



آثار الوادي



شاركت إدارة الآثار في دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة، في الدورة السادسة والأربعين لمؤتمر الدراسات العربية في شهر يوليو الماضي، من العام الجاري، بورقة عمل عن آخر ما توصلت اليه عمليات التنقيب في منطقة وادي الحلو في الشارقة. وعقد المؤتمر في قاعة المحاضرات، في المتحف البريطاني في لندن . وتضمنت الورقة استعراض الدليل الأثري على ممارسة أنشطة تتعلق بعمليات التعدين والصهر، في موقع يعود إلى العصر البرونزي وحتى الفترة الاسلامية.



المكتبة العامة



باشرت مكتبة وادي الحلو عملها عام 2006 م. وافتتحت رسميا من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في 28 أغسطس، من عام 2008. وتضم المكتبة العامة في وادي الحلو، كافة احتياجات الطلبة والأكاديميين، من الكتب إلى جانب الانترنت. وكذلك مكتبة الطفل التي تضم مختلف أنواع القصص وأحدثها. إضافة إلى ألعاب التركيب لتنمية ذكاء الأطفال، إلى جانب عرض الأفلام الكرتونية والترفيهية التربوية.



«السدر»



في وادي الحلو بدأ مشروع التشجير قبل 3 سنوات، ومعظم الأشجار المزروعة على جبال وادي الحلو هي من نوع السدر، ولم يكن اختيار هذا النوع من الأشجار عشوائياً، إنما لأسباب عديدة، ومنها، أن شجر السدر مثمر، وله بذرة تقتات عليها بعض الطيور وبعض القوارض. كما أنها شجرة مزهرة لها زهور جميلة تعيش عليها أفواج النحل التي تكثر في هذه المنطقة، ويلاحظ أن العسل في هذه المنطقة قد تغير، وأصبح أجود مما كان عليه، وأصبحت كمياته أوفر من ذي قبل .



التوازن البيئي



شارك صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مجموعة من الشباب والشابات في الشهر الثاني من العام الجاري في إمارة الشارقة، في عملية غرس شتلات الأشجار في عدد من جبال منطقة وادي الحلو، عملاً بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الداعية إلى المحافظة على البيئة، والسعي إلى إعادة التوازن البيئي لصحاري الإمارات ومناطقها.



تشجير الوادي



شارك صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مجموعة من الشباب والشابات في الشهر الثاني من العام الجاري في إمارة الشارقة، في عملية غرس شتلات الأشجار في عدد من جبال منطقة وادي الحلو، عملاً بتوجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الداعية إلى المحافظة على البيئة، والسعي إلى إعادة التوازن البيئي لصحاري الإمارات ومناطقها.

في وادي الحلو بدأ مشروع التشجير قبل 3 سنوات، ومعظم الأشجار المزروعة على جبال وادي الحلو هي من نوع السدر، ولم يكن اختيار هذا النوع من الأشجار عشوائياً، إنما لأسباب عديدة، ومنها، أن شجر السدر مثمر، وله بذرة تقتات عليها بعض الطيور وبعض القوارض. كما أنها شجرة مزهرة لها زهور جميلة تعيش عليها أفواج النحل التي تكثر في هذه المنطقة، ويلاحظ أن العسل في هذه المنطقة قد تغير، وأصبح أجود مما كان عليه، وأصبحت كمياته أوفر من ذي قبل .

الأحد، 5 أغسطس 2012

الحنين .. عناق للوهم أم الحقيقة؟

حالة وجدانية محفزها الرغبة في ترميم ما شطره الدهر




رشا المالح
5 أغسطس 2012

هل مشاعر الحنين مكتسبة أم مجرد أحاسيس فطرية؟ أترتبط بجوانب الفقدان وذكريات الماضي حصراً، أم هي جزء من المشاعر الرومانسية التي تتصل بخيبة الأمل والفشل؟ وهل يحرك الحنين المشاعر أم أن العكس هو الصحيح؟ وماذا عن حقيقة كونه الوجه النقيض للقناعة والرضا؟ ومتى يمكن أن يتحول إلى حالة مرضية أو مستعصية؟



ترتبط مشاعر الحنين التي توصف بـ (الحلو المر) في جوهرها، بالطبيعة وجغرافية المكان ومحيط البيئة. وأما مدى تأثرها، فهو يتناسب طرداً مع التغيرات التي يتعرض لها الإنسان، سواء بإرادته أو بدافع قسري، فأي انسلاخ مفاجئ عن أحد الروابط السابقة، مصيره أن يسبب للإنسان صدمة نفسية أو ثقافية، تشكل فجوة في مشاعره يتسلل إليها الحنين مع مرور الزمن، خاصة إذا كانت النقلة الجديدة، لا تحقق لصاحبها رضا أو سعادة.

كان الحنين فيما مضى مرتبطا بالوطن والأهل والصبا، إلا أنه بات في الأزمنة الحديثة، حالة مزمنة لا علاج لها، خاصة مع النظريات الحديثة للعولمة التي روجت لمستقبل طوباوي.

حيث بات الحنين أكبر من احتواء الإنسان له، فهناك الحنين إلى الأزمنة التي كانت الإنسانية والمثل تحظى بقيمتها، وكذا إلى إيقاع حياة أكثر هدوء وبساطة وأقل تنافساً وشراسة. والأكثر خطورة هو حنين الإنسان إلى إنسانيته أو روحه التي باتت منفية عنه، بحكم اليوتوبيا المستقبلية.



ملامح الحنين

كان للحنين في الماضي أوجه معروفة الملامح، فهناك الحنين إلى الوطن الذي يعيشه المغتربون والتجار والجنود الذين يغادرون بيتهم أو بلدهم لزمن غير محدود، وكذلك الحنين إلى الحبيب والأهل والخلان وأطلال سكناهم، وأيضا: الحنين إلى زمن الصبا وعنفوان الحياة، والحنين إلى زمن الشهرة والنجاح.

وكان النوع الأخير يحمل الكثير من عذوبة المشاعر والذكريات الجميلة التي ألهمت الفنانين وتغنى بها الشعراء في قصائدهم والأدباء في رواياتهم، والموسيقيون في روائع ألحانهم. يتحول الحنين، أحيانا، إلى حالة مرضية مزمنة أو مستعصية لها طابع رومانسي في مخيلة صاحبها، وذلك تحديدا، حين يصبح مصطبغا ومقترنا بغاية في حد ذاتها، فإن كان الحنين هنا إلى الوطن أو الى الأحباء، فإن العودة أو اللقاء ينفيان وجع الحنين، وسرعان ما يستبدله صاحبه بحالة أخرى تخدم الغاية نفسها.

وتشبه هذه الحالة عــوارض من يستعذب لعب دور الضحية، فيرفض الخروج من إطارها. ومن يسمـــح لمشاعـــر الحنيــــن في الهيمنة على تفكيره والاستحواذ على مساحة أكثر من هامشها الطبيعــــي، يبدأ بالانفصال عن واقـــع الحياة ليعيش في عالم وهمي افتراضي، مع فقدان التفاعل مع المحيط، وبالتالي الرغبة في الحياة، لتتفاقم حالته وتتحول إلى اكتئاب مرضي.

ذاكرته

يرتبط الحنين بذاكرة الإنسان وما تختزنه من ذكريات جميلة عاشها صاحبها في ما مضى. ويعتبر هذا النوع من الحنين حالة فردية، وذلك في مقابل الحنين الجمعي.

والذي، إما يرتبط بجيل أو بشعب أو بظاهرة تخص مرحلة ذهبية في حضارة ما، وأكبر مثال عليه تشرد أبناء وطن ما عن ديارهم، بسبب الغزوات والحروب أو الكوارث، ذلك مثل تهجير الشعب الفلسطيني، والحنين إلى أفلام الأبيض والأسود، والتي تعتبر ذاكرة جمعية بين الشعوب، وروائع الأدب والموسيقى التي تعد ذاكرة تجمع بين الشعوب والأجيال وأزمنة الإبداع.

وكان الحنين موضوع اهتمام العديد من الأطباء والباحثين والفلاسفة، منذ القرن السابع عشر، حتى وإن خبا هذا الاهتمام بين عصر وآخر. وقدمت الباحثة الروسية، الدكتوره سفيلتانا بويم، المتخصصة في مجال اللغات السلافية والأدب المقارن في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة، أخيرا، دراسة هي نتاج سنوات كثيرة من البحث والدراسة.

توضح فيها أنه هناك نوعين من الحنين، أولهما الحنين التأملي الذي لا يسعى إلى استعادة الماضي، إذ يمثل شعوراً إيجابياً يساعدنا على الكشف عن مكنونات تجارب الماضي ومغزاها، وهو ما يسهم في تقبل الحاضر بصورة غير نقدية.

وتجد سفيلتانا، في النوع الثاني: الحنين الاستعادي، خطورة تتجاوز الذكريات وزمنها، وتتمثل في الإرث والتقاليد، والتي غالباً ما تكون شكلية وبعيدة عن الأصالة، ولا تحمل مصداقية، ذلك مثل منتجات الهدايا التذكارية من شركة والت ديزني الأميركية، التي تقدم بهدف الربح التجاري، تذكارات من مدينة والت ديزني، إلى مجموعات من الأطفال، إما لم يتشكل وعيهم العالي بعد، أو أنهم لم يزوروا تلك المدينة.



أنواع

وأكدت دراسات عديدة، أن الحنين مرتبط بستة أنواع من المشاعر، وهي: الحنان والانزعاج والعزلة والفقدان والخوف والصفاء. وتشكل فيما بينها، خليطاً من المشاعر الإيجابية والسلبية. ومن منظور الجانب الإيجابي، يحمل الحنين بعداً من المشاعر السلبية، كالضيق والخوف من فقدان جماليات الماضي. وأما من منظور الجانب السلبي، فيحمل جملة مشاعر دافئة ومشرقة.

تتفاوت حدة مشاعر الحنين، مثل الخوف والفرح، بين شخص وآخر، تبعاً لظروف الحياة والعمر ونفسية الإنسان، فمشاعر الحنين عند الإنسان المادي أو المستقر عاطفياً واقتصادياً، تكون أقل قوة وتأثيراً، مقارنة بنظيره المتقدم في العمر أو المغترب أو غير المستقر.

كما يتم استثمار حالة الحنين في سوق التجارة وصناعة الإعلانات، حيث يتم، بين الحين والآخر، إعادة إنتاج ما كان رائجا في زمن مضى، من : الأزياء والموسيقى والسينما والسيارات، ليشكل الحنين بهذا، دافعاً لدى نسبة كبيرة، نحو اقتناء صورة تجسد ماضيهم.

تبقى مشاعر الحنين لدى الإنسان، في حالة سبات أو كمون، حتى يواجه مؤثرات خارجية، توقظها دون إرادة منه. ومن أبرز هذه المؤثرات: الموسيقى والعطور والاحتفالات المرتبطة بالشعائر الدينية. فكم من أغنية لأم كلثوم وعبد الوهاب، دفعت مستمعيها إلى إطلاق الآهات والحسرات على زمن كان للحياة فيه إشراقة وألق؟!

وكم من متابعين يحنون إلى الأفلام القديمة في السينما المصرية بالأبيض والأسود، من يوسف وهبي وحسن فايق إلى هند رستم وفاتن حمامة وسعاد حسني؟



الحنين في الشعر

كان الحنين إلى الديار والأم والحبيبة، وإلى الأصدقاء والأمكنة، منبع إلهام عدد كبير من الشعراء والأدباء العرب في زمن الجاهلية وفي المهجر. ويتجلى هذا الحنين في الزمن الجاهلي، كما هو في المعلقات، وفي شعر امرئ القيس الذي يعد أشهر من بكى على الأطلال وذكرى الديار، واستبكى الرفاق عليها حيث يقول:

أجـــــارتنــــــــا إنــــــا غريــــبان هـــــا هنـــــــا وكل غريــــب للغـــــريب نسيـــب

وفي العهد الأموي، تجلى الحنين في العديد من قصائد الغزل العذري، كما ورد في قصيدة لجميل بن معمر( جميل بثينة)، يقول فيها:

وأغنى أدباء المهجر، المكتبة العربية بروائع الأعمال والقصائد التي تفردت بقيمتها وجماليتها اللغوية والفكرية، ذلك كما في أدب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وغيرهما.

وأيضا، أيقظت أحداث الأندلس المضطربة، في زمن الحكم العربي لإسبانيا، وبعد ان بدأ الإسبان الهجوم على الممالك، أيقظت في نفوس الشعراء، أحاسيس الحنين الزماني، ذلك خلال فترات انتقالهم من مدينة أصابها الخراب إلى أخرى لا تزال مستقرة، ومن ثم تلحق بها.

وبعدما اعتمد كل ملك من ملوك الطوائف على طائفة تضمر العداء إلى طائفة أخرى. وتجلت في أشعارهم، آلام ما حدث، والغربة والإحساس العميق بالضياع في مجتمع انهارت دعائمه وأركانه، وفي هذا الصدد، يقول أبي محمد بن مالك القرطبي:

وإنَّما العذرُ لي أن جئتُ في زمنٍ لا الجيلُ جيلي ولا الأزمانُ أزَماني



جبران والحنين

يتجلى نوع آخر من الحنين عند الفيلسوف العربي، جبران خليل جبران، والذي يحكي عنه في إحدى رسائله إلى مي زيادة، بتاريخ 5 تشرين الأول 1923: آه لو كنتِ تعلمين مقدار تعبي مما لا لزوم له. لو كنت تعلمين مقدار حاجتي إلى البساطة. لو كنت تعلمين مقدار حنيني إلى المجرد، المجرد الأبيض، المجرد في العاصفة، المجرد على الصليب، المجرد الذي يبكي لا يستر دموعه، المجرد الذي يضحك ولا يخجل من ضحكة- لو تعلمين، لو كنت تعلمين.

قدم المخرج الأميركي جورج لوكاس في بدايات دخوله صناعة السينما، فيلم (أميريكان غرافيتي)، الذي شكل ظاهرة مختلفة من الحنين بين الشباب، لدى عرضه في العام 1973. وتمثلت تلك الظاهرة في حنين الشباب المراهق في السبعينات إلى زمن الخمسينات من القرن الماضي، والذي لا تملكه ذاكرتهم، لتنتشر ثقافة جديدة تعيد زمن تلك المرحلة.

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

أنطوني غريلينغ: الفلسفة تهجر برجها العاجي


رشا المالح
22 ابريل 2012

يعتقد أستاذ الفلسفة البريطاني في جامعة لندن، أنطوني غريلينغ، أنه على الفلسفة أن تلعب دوراً مفيداً في المجتمع، كما الحال في زمن الإغريق، لا سيما بعدما انعزلت، زمنا طويلا، في برجها العاجي، فانفصلت عن المجتمع لتنحصر في هامش النظريات العلمية المتخصصة، والتي اقتصرت على نخبة من الفلاسفة والأكاديميين.

يعيد الأستاذ الجامعي، أنطوني غريلينغ، للفلسفة دورها الفاعل والطبيعي في المجتمع، من خلال أبحاثه ودراساته، بعد إنزالها من عزلتها، لتكون في متناول الجميع، كما الحال في عهد الأولين. وهو نشر عدة كتب ومقالات في هذا الصدد. وكذلك أجرى العديد من اللقاءات التلفزيونية والإذاعية، بهدف استعادة العلاقة المفقودة بين الإنسان المعاصر والفلسفة، والتي تجعل من التفكير والقراءة أمراً مشوقاً وضرورياً لاكتشاف نفسه، وما يريده من الحياة.

"مسارات" التقى غريلينغ، خلال زيارته دبي، بغرض التعرف منه على أهمية الفلسفة ودورها في حياة الإنسان، وكيفية رؤيتنا العالم والمعايير والقيم الإنسانية من خلالها، لاسيما وأن الفلسفة فيما مضى، كانت تحّث الإنسان على التعمق والتأمل في شؤون الحياة، لتزيد من ثقافة المرء وتنمي أفكاره .

متى انعزلت الفلسفة في برجها العاجي؟

كان الفلاسفة خلال زمن أفلاطون وأرسطو وسقراط، في عهد الإغريق. وأيضا إيبكوروس وإيبكتيتوس في العهد الروماني. ومن ثم جميع من تلاهم من فلاسفة، مثل: ديكارت، غاليليو، كوبرنيكوس، كيبلر، راسل. هؤلاء جميعا كانوا يتكلمون بلغة الناس. ومع وفاة الفيلسوف هيغل في عام 1831.

ومن ثم دخول العالم خلال القرن العشرين، في حالة جنون، حيث طغت الشرور باسم أفكار رائدة، عندها توقف العقل عن إبداع أفكار جديدة، في الوقت الذي كان يُقتل فيه ملايين البشر باسم هذه الأفكار. وهنا باتت الفلسفة العالمية المرتبطة بالمجتمع، يتيمة وعاجزة. ومع فقدان المعايير الإنسانية الخلاّقة، توقف الإنسان عن رحلة استكشافه لنفسه.

هل يعني هذا أن عهد الفلسفة انقضى، ولم يعد له دور في حياة الإنسان المعاصر؟

بالتأكيد لا، فالفلسفة جزء من حياة الإنسان، سواء أدرك هذا الأمر أم لا. الفلسفة في جوهرها تتمحور حول سؤالين: (ما معنى العالم الذي نعيش فيه؟)، (ما المعايير التي يسعى إليها الإنسان في عالمه؟). والأهم من كل هذا السؤال الأزلي الذي يطرحه الإنسان على نفسه: "من أنا؟". ليس من السهل على الإنسان أن يطرح مثل هذا السؤال على نفسه، والمرتبط بسؤالين: "ما الذي أريده من هذه الحياة، وما هو دوري وهدفي فيها؟". فهو بحاجة إلى بعض المعرفة حول الفلسفة، والتي تعتبر جزءا من حياتنا، ليجد الأجوبة على تساؤلاته.

إن هذه التساؤلات تشكل ضغطاً كبيراً على الإنسان، ومؤلماً في بعض الأحيان. والكثيرون ممن لا تتوافر لديهم المعرفة بالفلسفة، يهربون إلى بدائل أخرى لتفادي مثل هذه الأسئلة، وفي أغلب الأحيان تكون سطحية لا تساعدهم على الشعور بالرضا أو التصالح مع أنفسهم. ومثال على هذه البدائل؛ ما يتم الترويج له من معايير ترتبط بماديات الحياة والاستهلاك، والتخلي عن المنطق لصالح راحة البال،.

وهو ما يجرد الإنسان من أصالته وحقيقته. وقديما، قال سقراط: (اختر الحياة التي تريدها لأسباب أصيلة في نفسك). نحن نعلم أن ظروف الحياة وضغوط المسؤوليات الكبيرة، تجعل خياراتنا في الحياة، محدودة جداً، ولكننا في عمق جوهر دواخلنا، نستطيع أن نختار خطانا ا في درب مسارنا، فالحرية الداخلية لها معنى كبير في حياة الإنسان.

ومعظم الناس يختارون ما قيل لهم، وما هو معنى حياتهم وكيف يعيشونها، وهنا علينا أن نكون واعين بهذا الاختيار. ويجب التفكير فيه مع أنفسنا، والتأكد من أنه يتوافق مع ندائنا الداخلي. وأضيف في هذا الجانب ما قاله الفلاسفة القدماء، عن كوننا متفردين بمواهبنا وعلاقتنا بالحياة، وبما يغذي روحنا وعقلنا.

الوعي بهذا التفرد يساعدنا على تدفق ما في داخلنا، ما ينعكس بصورة إيجابية علينا وعلى المجتمع، والذي يرفض في الغالب، أية محاولة للخروج عن منظومته، وذلك حتى يتم إثبات جدواها وقيمتها. وقال الفيلسوف الألماني نيتشه، إن متعة الحياة ليست في تحقيق الأهداف، بل في السعي إليها. ونحن نقدر ونحترم أصدقاءنا، من خلال بحثهم وجهودهم لتحقيق ما يريدونه.

مفتاح

ما الذي تنصح به الإنسان الذي اختار دربه في الحياة؟

علينا في البداية أن ندرك بأن مفتاح الفلسفة البسيط والعميق الذي يتمثل في أمرين، الأول: "أن نتحمل مسؤولية قراراتنا في الاختيار والمتابعة". وأما الثاني، فيتمثل في "اغتنام الفرصة" متى أظهرت نفسها. والفرصة هنا لا تأتي كمعجزة، بل يصنعها الإنسان بنفسه، من خلال سعيه للوصول إلى هدفه.

ولا شيء يهدر في حياتنا، فأخطاؤنا بمثابة تجارب مهمة تساعدنا في تلمس وجهة مسارنا. وحينما تكشف الفرصة عن نفسها، على الإنسان أن لا يتردد أو يستسلم للخوف من الفشل، ففي أعماقه يدرك أن جهوده أوصلته إليها، فكل فرصة نأخذها تفتح لنا 12 فرصة لاحقاً، وربما أكثر. ومثل هذه الفرص مغامرة مدروسة.



تقبل الحياة

هل تدريسك للفلسفة أوصلك إلى أن تكون فيلسوفاً؟

كل إنسان فيلسوف، ولا يحق للفلاسفة أن يملوا على الناس ما يتوجب عليهم فعله، بل حثّهم على التفكير والتساؤل والمعرفة. فلسفتي تكمن في تقبل الحياة والجرأة على طرح الأسئلة والبحث عن أجوبتها، ومواجهة النفس والكشف عن رغباتها الإنسانية، وتجنب الحلول السريعة والسطحية التي لن تصل بصاحبها إلى نتيجة مرضية، والأهم من كل ذلك، تحمل الإنسان مسؤولية قراراته.

كما أود التنويه بأن الحكمة ملك الجميع، فالقلب الكبير لديه دوما غرفة للمزيد، أما اكتسابها فيأتي من المعرفة والتجارب والألم. ومن الحكمة أيضاً ما قاله كل من الفيلسوفين الرومانيين إيبكوروس وإيبكتيتوس، بشأن "احترام ما لا نستطيع السيطرة عليه"، كالكوارث الطبيعية ومواجهتها بشجاعة، وأيضا تعلم ما نستطيع التحكم به في أنفسنا.



تحفظ وقلق

كيف تفسر وتقيّم الموجة الجديدة من الكتب المختصة بتطوير الذات وتحقيق حياة أفضل، التي اكتسحت الأسواق العالمية، اخيرا؟

تثير بعض الكتب، المطروحة في الأسواق، قلقي وتحفظي. وأما السبب في انتشارها فيرجع إلى عدم رضا الناس عن الحياة التي يعيشونها في الزمن الراهن، وعودتهم إلى أنفسهم في محاولة لفهم ما يجول في أعماقهم. ومع غياب الفلسفة المجتمعية لأكثر من مائة عام، باتت الحاجة لمثل هذه الكتب ملِّحة. وما يخيفني هو أن الكثير منها، سطحي ويقدم حلولاً سريعة، ويملي على الناس خطواتهم.

ونصيحتي تتوافق مع ما قاله سقراط: (اشغل وقتك بتطوير نفسك، عبر قراءة ما كتبه الآخرون، حيث تكتسب بسهولة، ما جهد الآخرون لزمن طويل في الوصول إليه).

كما أن الحياة المشروطة بهدف لا يحوز معنى إنسانيا، لا تمنح صاحبها أية قيمة أو سعادة حقيقية، وسرعان ما يدرك خواء نجاحه.

الحقيقة في مرايا الفكر

الأدب حارب أوهامها واختلف عليها أهل الفن والفلسفة




رشا المالح
22 مايو 2011

بات مفهوم الحقيقة في الزمن المعاصر نسبياً، خاصة مع اختلاف المعايير والقيم والمثل، فما يعتبره أحدنا كحقيقة يراه آخر كنقيض لها. وإن كانت الحقيقة فيما مضى واضحة كالأبيض والأسود، فقد باتت في الحاضر متدرجة بالرماديات الأقرب تارة إلى السواد، وأخرى إلى البياض.

الحقيقة في الماضي تشبه المعادلات الرياضية الأساسية مثل (‬1+‬1= ‬2)، التي لا يختلف عليها اثنان، ولكن ما إن خرجت عن حدود المعرفة المرئية والملموسة من قبل الفرد والجماعة، حتى تشعبت معادلاتهـــا، وكــــثرت نظرياتها الفلسفية والعلمية.

حيث باتت مرتبطة برمز مجهول في كل معادلة للحقيقة. ويبقى على كل امرئ معني بهـــــذا الشأن أن يفكـــك رموزهــــا للحصول على الإجابـــة الأكــــثر قربـــاً من الحقيقة.

يتطلب الاقتراب منها الكثير من الموضوعية والمعرفة والتجرد من الدوافع الشخصية، والانفتاح على المناخ المحيط بها، وعليه فقد حشد الفلاسفة العديد من القضايا المرتبطة بهذا الشأن. وتتمثل القضية الأولى في تحديد ما هي القضايا أو الأمور التي يمكن أن تكون حقيقية. وعليه فهل الحقيقة تابعة لمجموعة من الجمل، أم لمنظومة من الفرضيات التجريدية المنفصلة عن اللغة والزمن؟

واختلفت دلالاتها ومعانيها بين الإنسان العادي والفلاسفة، حيث لا يعترف الفلاسفة بمصطلحات الحقيقة التي نتداولها في حياتنا اليومية، فبالنسبة لهم لا معنى لقولنا هذا الصديق حقيقي، أو هويته مزيفة.

فجوهر كلمة الحقيقـــة عندهـــم هو المهـــم، وتتجلى في القول على سبيل المثال أن دبي تقع على الساحل الشرقي لشبـــه الجزيرة العربية. وهنــــا تقف الحقيقـــة بتضــــاد مع الكذب والزيف وكل المعاني المناقضة لها.

وأبرز النظريات التي تناولت الحقيقة، هي نظرية التواصل، ونظرية الدلالات، ونظريـــة الإجمـــاع، ونظرية التماسك ونظرية البراغماتية.

الحقيقة من منظور فلسفي

أورد الكاتب المغربي رشيد بو طيب في مقالته عن مفهوم التواصل في الفلسفة، مقارنة لنظريات الحقيقة، ذكر فيها، (في نظرية الإجماع، أن عالم الاجتماع الألماني هابرماس لوهمان يربط الحقيقة بالعقل، رافضا الطرح الميتافيزيقي وطرح العلوم الحقة أيضا، فالحقيقة في نظره، لا تتأسس كأنطولوجيا، وليست هبة التجربة، وإنما تتأسس على العقل، وتهدف إلى الإجماع.

ويرفض هابرماس ــ استنادا على ربط الحقيقة بالعقل- الطرح الميتافيزيقي وطرح العلوم الحقة أيضاً، فالحقيقة في نظره، لا تتأسس كأنطولوجيا، وليست هبة التجربة، وإنما تتأسس على العقل،.

وتهدف إلى الإجماع. حيث العقل هو المرجعية الأخيرة للمفكرين والممارسين والمتكلمين من البشر في الواقع اليومي كما في العلم. وعليه، فإنه يرى بأن الحقيقة تنتمي إلى عالم الأفكار، وليس إلى عالم الإدراك الحسي. ويلخص نقده لنظريات الحقيقة في النقاط الأربع التالية:

أولا: أن نظرية الحقيقة كإجماع (نظرية هابرماس)، ترى أن الحقيقة والصحة ادعاءات صحة تنتمي إلى الخطاب، من دون أن تنكر الاختلافات المنطقية بين الخطابات النظرية والتطبيقية. ولكن نظرية الحقيقة الميتافيزيقية توضح صحة القضايا التطبيقية بالطريقة نفسها، التي توضح بها القضايا النظرية. في المقابل ينكر التيار الوضعي إمكانية الحديث عن الحقيقة في المجال التطبيقي.

ثانيا: أن نظرية الإجماع تفرق بين الأنظمة التي تتكون من تجارب ومعلومات وأفعال وبين الخطابات التي لا بد من البرهنة على صحة ادعاءاتها، في حين تخلط نظرية الحقيقة الترنسندنتالية (التجاوز) بين شروط التجربة وشروط الخطاب أو الاستدلال.

ثالثا: تفرق نظرية الإجماع بين ادعاءات الصحة عبر الذاتية واليقينيات الذاتية، في حين تقوم بعض نظريات الحقيقة، نظرية التوافق مثلاً، على يقين ذاتي.

رابعا: نظرية الإجماع تفرق بين ادعاءات الصحة التي تنتمي إلى الخطاب الاستدلالي، وتلك التي لا تنتمي إلى هذا الخطاب. في حين تخلط بعض نظريات الحقيقة بين الاثنين.

الأفعال التواصلية عند هابرماس

الحقيقة كما يفهمها هابرماس إذن، قول لا واقع، استدلال لا تجربة. ونتيجة للتفاعل النقدي مع النظريات اللغوية والبرغماتية، ووصل هابرماس إلى اكتشاف ادعاءات الصحة، التي بحسب نظرته تقوم عليها كل الأفعال التواصلية. ويدافع عن فكرة وجود أربع ادعاءات للصحة، وهي كالتالي: المفهومية، الحقيقة، الصحة، الصدقية.

الحقيقة والصحة هي ادعاءات صحة تنتمي إلى الخطاب الاستدلالي، في حين لا تملك المفهومية والصدقية طابعا استدلاليا، ولكن طابع الفعل. ثم ينتقل هابرماس للتمييز بين اليقينيات المبنية على التجارب الذاتية (اليقينيات الذاتية) وادعاءات الصحة، حيث يرى أن هذه الأخيرة عبر/ذاتية، يمكن التحقق منها، في حين أن اليقينيات الذاتية فردية وذاتية.

وهذه اليقينيات المرتبطة بالتجربة الشخصية تنقسم إلى ثلاثة: فهناك اليقين الاعتقادي المرتبط بالتجارب التواصلية والذي يرتكز على ادعاء الصدقية، واليقين غير المحسوس الذي يرتبط بفعل الفهم والذي يرتكز على ادعاء المفهومية، ثم اليقين المحسوس الذي لا يتضمن أي ادعاء/ صحة.

بعد ذلك ينتقل هابرماس للتمييز بين الصحة والحقيقة. إن الاثنين معا من نوع ادعاءات صحة استدلالية، لكن هل يعني هذا بأن البرهنة على صحة معيار تشبه طريقة البرهنة على حقيقة قول معين؟

الأدب وتهويمات الروح

يتجلى مفهوم الحقيقة في الأدب من خلال ما ذكره الكاتب رشيد بوطيب في كتابه (العقل..قاطع طريق/ في صداقة الفلسفة وفي نقد الحرية)، منطلقاً من مقولة فريدريك نيتشه (‬1844 ؟ ‬1900) في مقدمة كتابه (قف، إنه الإنسان)، (ذلك أنه لما اختلق المرء العالم المثالي، نزع بنفس الدرجة عن الواقع قيمته ومعناه وصدقيته).



لذلك انطلق الأدب من عالم مثالي منفصل عن الواقع، وسيطر على الإنسانية بمبادئه المثالية لزمن طويل، ومع ظهور نيتشه، وفيودور دوستويفسكي (‬1821 ؟ ‬1881)، اقترب الأدب من الحقيقة. وكمثال على ذلك رواية (الأبله) لدوستويفسكي، حيث ربط بين فلسفة ما بعد الحداثة ونظرتها إلى العالم والأدب. والعامل المشترك بينهما احتفالهما باللغة وتعدد الأصوات.



وتقول شخصية آغلايا يبانتشينا للأبله ميشكين، (ما تقولونه ليس سوى الحقيقة، وهو لذلك غير عادل(، ونظراً لكون ميشكين أبله أو بالأحرى طيب بالفطرة، فقد استطاع النفاذ إلى الحقيقة التي تكمن في دواخل المحيطين به، ولكن ليبقى غريباً عنهم أسوة بكل إنسان إيجابي وجميل.



وتندرج ثلاثية نجيب محفوظ (‬1911 ؟ ‬2006)، (بين القصرين) ‬1956، و(قصر الشوق) ‬1957، و(السكرية) ‬1957، في إطار تعدد الأصوات والأفكار، ليكشف عن الصراع بين الواقع والمثل الزائفة، والحقيقة التي يتمسك بها كل طرف من منظوره الخاص.



وعمد محفوظ في عمله، أن يكون صامتاً (فيما يخص قضايا الروح) دون أن يتخلى عن عادة الإعلان عما وراء حاجز الصمت من أفكار مستترة وخطط ونوايا، بواسطة تيار الشعور أو المونولوج الداخلي، كما تعامل مع تفاصيل الوجوه وما تخفيه وراء الأقنعة.



المنظور الآخر للفن

رأى الفنان الحقيقة في العصور القديمة من خلال الطبيعة، التي كانت بمثابة الملهم الأكبر له. حين كانت خارج كيانه الإنساني، وسعى إلى اكتشافها وتسجيلها كحقيقة بصرية.



ووصلت الفنان بالحقيقة البصرية إلى أوجها في عصر النهضة بإيطاليا، حيث اكتشفت قواعد المنظور، والظل والنور والبعد الثلاثي للوحة. ومن أبرز فناني ذلك العصر، مايكل أنجلو (‬1475 ؟ ‬1564)، وليوناردو دافنشي (‬1452 ؟ ‬1519) ورامبرانت (‬1606 ؟ ‬1669).



ومع بداية القرن العشرين وانعكاسات الحربين العالميتين الأولى والثانية، تكشفت للفنانين حقيقة جديدة خاصة، بعد اكتشاف التصوير الفوتوغرافي، إذ أدركوا أن العين تسجل صورة لا صلة لها بوجدان ومشاعر الفنان وحقيقته. وعليه توجه الفنانون في رؤيتهم الفنية نحو ذاتيتهم واعتبروها مصدرا صادقاً للتعبير عن إبداعاتهم الفنية.



وهكذا انتقلت اللوحة من الرسم الواقعي البصري، إلى الانطباعية الوجدانية، فتحررت من (الإدراك الحسي البصري). وانتقل الفنان بالانطباعية، إلى (منطق الإدراك الكلي)، الذي يبرز بوضوح في الفن المصري القديم، والفن الفارسي، والفن المكسيكي القديم.



وكمثال على ذلك فإن رسم صندوق وفق (الإدراك الحسي البصري) يعني رسم ثلاثة أسطح منه، والتي يمكن رؤيتها بالعين حسب قاعدة المنظور، أما رسمه وفق (منطق الإدراك الكلي) الحقيقة متعددة الجوانب وكلها صحيحة.



وتبين الأعمال الفنية التي انحصرت في (الذات) دون (الموضوع)، أنه كان من الصعب على المتلقي فهم أو إدراك رسالة الفنان وبالتالي النفور من العمل. أما العمل الذي يقتصر على (الموضوع) فيبدو باهتاً وتسجيلياً وبعيداً عن مفهوم الإبداع، وعليه فإن العمل الفني الإبداعي هو الذي يجمع بين (الذاتي والموضوعي).



وفي أواخر القرن العشرين برزت حقيقة جديدة كانت نتاج الفجوة التي بدأت تفصل بين الفنانين والجمهور الذي تضاءل اهتمامه بالفن وبارتياد المعارض الفنية، بسبب ضغوطات الحياة من جانب وابتعاد الفن عن هموم ومشاكل الإنسان العادي.



وتمثلت الحقيقة الجديدة في مفهوم (الفن التركيبي) الذي سعى الفنانون من خلاله إلى الربط من هموم الإنسان المعاصر والفن، لتأخذ الفكرة حيزاً أكبر من مساحة الحقيقة وليكون الفن مجرد أداة تخدم الفكرة.



وشمل الفن التركيبي وسائط الفنون الحديثة التي أضافت مصداقية جديدة في إطار الفنون البصرية. ويذكر أن ( الفن التركيبي) قوبل بحماس كبير في بداياته وليتحول مع مرور الزمن إلى أحد الموجات الفنية القصيرة الأمد، حيث خبى ألق هذه الحركة في الغرب.

هوليوود الغرب والشرق.. وجهان لصناعة الفن السابع

نجوم هوليوود الغرب والشرق: (السينما المصرية)، وجهان لصناعة الفن السابع التي وصلت إلى عصرها الذهبي في الخمسينيات من القرن العشرين، حيث ساهم تطور هذه الصناعة في فتح آفاق السينما لتقدم مجموعة أفلام بارزة، في مختلف المجالات، من الموسيقى والغناء إلى الخيال العلمي وأفلام الرعب.
وتألق في هذه المرحلة العديد من النجوم، الأجانب والعرب، في عالم السينما.
شهدت سينما هوليوود في الخمسينيات من القرن الـ20، تغيرات عديدة، منها ظهور الأفلام الموسيقية مثل: (أميركي في باريس) عام 1951، (جي جي)- 1958، (غناء تحت المطر)- 1952، (كاوبوي)، أفلام الغموض لألفريد هيتشكوك، الأفلام الملحمية. أما أبرز الممثلين والممثلات في تلك المرحلة، فهم: مارلون براندو وجيمس دين ومارلين مونرو. وغيرهم الكثير.
وبالمقابل، شهدت السينما المصرية التي تعتبر هوليوود العرب، عصرها الذهبي في الأربعينيات والخمسينيات( القرن الـ20). وتألق على شاشتها العديد من الممثلين والممثلات، إذ أتيح لهم احتراف التمثيل، وبالتالي صقل مواهبهم، ليصبحوا نجوماً وأيقونات في تاريخ السينما العربية، وملهمين للأجيال من بعدهم، وارتبطت أسماء العديد من هؤلاء الفنانين، بألقاب تختزل ملكاتهم الإبداعية.
عوالم ونجوم
كان جميع من يسكنه حلم التمثيل والشهرة، يذهب إلى هوليوود الشرق والغرب، ليحقق النجاح والانتشار، سواء في التمثيل أو الغناء أو كتابة السيناريو، أو العمل في صناعة السينما، من الإخراج إلى التصوير والمونتاج.
ويتجلى في المقاربة بين نجوم هوليوود الشرق والغرب، بروز العديد من الممثلين الذين حققوا شهرة واسعة في إطار محدد، كنجوم الكوميديا أو الإثارة والحركة، أو الدراما، إضافة إلى الغناء والفن الاستعراضي. ونعرض هنا لمقاربة بين الممثلين الأجانب والعرب، في مختلف أنماط التمثيل والأدوار.

أدوار الإغراء
تقابل النجمة مارلين مونرو ( 1926 1962)، التي اشتهرت في الغرب، واعتبرت اسطورة الإغراء والجمال في السينما الأميركية حتى يومنا هذا، الفنانة الشقراء هند رستم( 1929 - 2011)، على الصعيد العربي، والتي جمعت أيضاً بين الجمال والأنوثة والبراءة.
ويلاحظ أن مارلين، أكبر من هند بثلاثة أعوام، وتوفيت الاثنتان في الشهر نفسه، بفارق ثلاثة أيام. مع اختلاف مصير كل منهما، إذ انتحرت مارلين بجرعة زائدة من المخدرات، لتفارق الحياة وعمرها 36 عاما، في حين اعتزلت هند التمثيل في عام 1979، واشتهرت بلقب «ملكة الإغراء» و»مارلين مونرو الشرق»، لشبهها الظاهر بمارلين مونرو، ولشعرها الأشقر.
كما برزت في أدوار الإغراء في السينما المصرية أيضاً، الممثلة برلنتي عبد الحميد (1935 - 2010) التي لقبت بنجمة الإغراء، وتزوجت أحد أبرز رجالات مصر، آنذاك، وهو المشير عبد الحكيم عامر، القائد العام للجيش والنائب الأول لرئيس الجمهورية :(الزعيم الراحل جمال عبد الناصر).
أما العامل المشترك بين برلنتي ومارلين، فهو ارتباطهما برجل سياسي، في بدايات السيتينيات من القرن الـ20، إذ كانت مارلين على علاقة برئيس أميركا الذي تم اغتياله جون إف كيندي، وكذلك مع أخيه روبرت، في حين تزوجت برلنتي المشير عامر الذي يقال ان موته كان قتلاً بالسم.

نجوم الشاشة والغناء
خلدت شاشة السينما في تاريخ الفن، كلا من فرانك سيناترا ( 1915 1998) الذي يعد أبرز مغن أميركي في القرن العشرين، وعبد الحليم حافظ (1929 - 1977)، كأيقونة في عصرهما، في عالم الغناء والتمثيل، وكلاهما حظي بشعبية واسعة.
وكان بدأ سيناترا الذي ترجع أصوله إلى صقلية، رحلته الفنية في عالم الغناء، مع تسجيل أول ألبوم له في عام 1940، ليتألق بعدها في عالم التمثيل ويفوز بجائزة أوسكار في عام 1953، عن دوره في فيلم (من هنا إلى الأبدية). وأطلق عليه المعجبون لقب (الصوت) و(سلطان التهويم).
وتعكس مقولة سيناترا «حينما أغني، أقتنع بأني صادق»، حقيقة ما يتميز به من أسلوب شاعري صادق في الغناء. وأما أشهر أفلامه الموسيقية فهو (غناء تحت المطر) في عام 1952، الذي يمثل أهم الأعمال الموسيقية التي قدمت في تاريخ السينما، وهو يتركز في مقدمة قائمة أفضل 100 عمل موسيقي، كما احتل المركز الخامس في قائمة أفضل الأفلام الأميركية في عام 2007م.
وأما عبد الحليم حافظ، فهو أشهر من غنى للحب في العالم العربي. ولقبه النقاد والجمهور بـ»العندليب الأسمر». وكانت مراسم جنازته بمثابة أسطورة في تاريخ مصر والعالم. وما زاد من شعبيته، إضافة إلى ملامح البراءة في وجهه، عفويته وصدقه في الغناء. وقد قدم أكثر من 300 أغنية، واشتهرت جميع أفلامه.
ومنها: (لحن الوفاء)، (أبي فوق الشجرة). ومثل مع أشهر الممثلات، ومن بينهن: فاتن حمامة، سعاد حسني، زبيدة ثروت. كما شارك في التمثيل مع النجوم: عبد السلام النابلسي، حسين رياض، عماد حمدي، حسن فايق.

صوت الشموخ
اشتهر كل من الممثلين: مارلون براندو ( 1924 2004 )، في هوليوود الغرب، يوسف وهبي ( 1900 - 1982 ) في السينما العربية، بصوتهما العميق الهادئ والرخيم، وبقدرتهما على التحكم بالصوت، للتأثير على الجمهور.
وتميز براندو ووهبي اللذان يعدان أيقونة نادرة في عالم السينما، بأدائهما المسرحي وبفن الخطابة، إذ انطلقت شهرة كليهما، من خشبة المسرح، إلى عوالم السينما (وخاصة في الإخراج). ويكمن الاختلاف بينهما، في طبيعة، نشأتهما حيث عاش براندو في كنف أسرة فقيرة مفككة، ولم يحظ بأية رعاية، بينما نشأ وهبي وسط أسرة هي من علية القوم، ودرس التمثيل في ايطاليا، وتتلمذ على يدي الممثل الإيطالي كيانتوني.
وتتجلى عبقرية موهبة براندو، بمدى تشبع وخصب مخيلته، وتبدى ذلك منذ مراحل بدايات دراسته فن التمثيل المسرحي، على يد ستيلا أدلر، والتي طلبت من تلاميذها أن يتخيلوا أنفسهم دجاجة لحظة سقوط قنبلة نووية، وأن يتفاعلوا مع الحدث. فلاذ الجميع بالفرار، باستثناء براندو الذي مثل دور دجاجة تبيض. وحينما سألته ستيلا عن سبب ردة فعله قال: «كيف للدجاجة أن تدرك معنى قنبلة؟؟». وشارك براندو، خلال مسيرته الفنية التي امتدت 50 عاماً، في 38 فيلماً سينمائياً.
وبالمقابل، ورث يوسف وهبي عن والده، ميراثا كبيرا من الأراضي والأموال، انفق جميعها على فنه الذي احبه واخلص له، وقدم وهبي 302 من المسرحيات العالمية، واخرج 185 مسرحية، والف 60 مسرحية. واما في السينما، فقدم 70 فيلما، منها: سفير جهنم، اشاعة حب، ملاك الرحمة، ابن الحداد، بنت الذوات، سيف الجلاد. ولم يكن ممثلا عبقريا فحسب، بل كان مخرجا ومؤلفا ومنتجا وصاحب ومدير إحدى اهم الفرقة المسرحية.

حضور آسر
اعتبرت كل من النجمتين: الإنجليزية فيفيان لي ( 1913 1967)، المصرية ليلى مراد ( 1916 1995)، من أكثر الفنانات، شعبية وحضوراً على الشاشة، وتميزتا بخفة الظل والجاذبية الآسرة والتنوع في الأداء. وارتبط اسم كلتيهما بأشهر الأفلام في تاريخ السينما، حيث تألقت فيفيان بدورها في فيلم (ذهب مع الريح) عام 1939، وكذا ليلى في فيلم (غزل البنات) عام 1949.
وتزوجت، كل منهما، بأحد أشهر نجوم التمثيل، إذ ارتبطت فيفيان بالممثل لورانس أوليفييه في عام 1940، واستمر زواجهما 20 عاماً، في حين تزوجت ليلى، وسيم الشاشة أنور وجدي، في عام 1945، ولم يستمر زواجها أكثر من بضعة أشهر، ولكنهما، تزوجا من جديد، على مدار سبع سنوات.

نجوم آخرون
يقابل الفنان الأميركي الروسي الأصل، كيرك دوغلاس (ديسمبر 1916) الذي اشتهر بأفلام الحركة( برز في فيلم «سبارتاكوس»، يقابله في السينما المصرية، الممثل فريد شوقي ( 1920 - 1998) الذي لقب بملك الترسو، والذي جمع بين الأفلام الحركية والكوميديا، وأدخل منهج الخدع السينمائية.
كما اشتهر الممثل البريطاني لورنس أوليفييه ( 1907 1989)، بأدواره الكلاسيكية العالمية، واعتبر من أهم فناني القرن العشرين العالميين، ويقابله في الشرق، الممثل عمر الشريف، الذي عد أسطورة عصره، في الشرق والغرب. وكان انطلق من السينما المصرية، ثم إلى المسرح الإنجليزي.
وهو ينحدر من أسرة ثرية في الاسكندرية، واكتشفه زميله، المخرج المعروف يوسف شاهين، الذي أخرج له الكثير من الأفلام. وفي الغرب اكتشفه المخرج العالمي ديفيدلين، فقدمه في أفلام عديدة، واشهر افلامه الأجنبية:(دكتور زيفاغو)، كما أنه عمل في السينما الفرنسية والإيطالية والأميركية.
وتقابل الممثلة انجريد بيرغمان، بقوة شخصيتها وحضورها القوي، نادية لطفي، وفي حين يشابه حضور الفنانة الاستعراضية شارك ماكلين، الممثلة لبلبة. وأما الممثلة الخفيفة الظل أودري هيبورن، فتقابلها الممثلة سعاد حسني التي لقبت باسم سندريلا الشاشة العربية. وتقابل الممثلة الذكية كاثرين هيبورن، في قدراتها وسماتها، الممثلة سناء جميل.
بدايات
تعد مصر الدولة الثانية على مستوى العالم، بعد فرنسا، في إدخال اختراع السينما إلى المجتمع، ومنذ بدايتها في عام 1896 أنتجت السينما المصرية أكثر من 4000 فيلم، أي أكثر من 75 في المائة من إجمالي الإنتاج السينمائي العربي. كما أن مصر هي الدولة الرائدة في منطقة الشرق الأوسط، ضمن هذا المجال. وكان طلعت حرب أول من أسس «استوديو مصر» عام 1936، بإمكانات واستعدادات ضخمة، ليصبح موازيا لاستوديوهات هوليوود. وأنتجت الاستوديوهات التي تأسست ما لا يقل عن 44 فيلما.

فنون وزخارف السيف والخنجر في عهد الإسلام



رشا المالح
التاريخ 1 يوليو 2012

كتب المؤرخون والشعراء والأدباء المسلمين القدماء عن المعارك وأسلحة الفرسان ضمنها، وفي الصيد ايضا، بلغة شعرية جزلة وقوية، تنوعت بين المباشرة والرمزية، ليصبح العديد من الأسلحة، بهذا، اسلوباً في التورية والتوصيف، حول خصال الإنسان وسمات الفارس العربي. ومن أبرز تلك الأسلحة، السيف والخنجر، فطالما تغنى بهما الشعراء، ولقيا حفاوة من شرائح المجتمع شتى، علاوة على ما شهداه من تجديد في أشكال صناعتهما ونماذجها، وكذلك فنون تزيينهما.



للسيف عند الناس، في زمن الحضارة الاسلامية، مكانة كبيرة، إذ عُدّ بمثابة وسام شرف لحامله، وأفضل هدية تقدم للحكام والأمراء وكبار القوم، ومن أشهر السيوف التي كتب عنها في الإسلام، سيف الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

كما نقشت على السيوف الآيات القرآنية، ومن ثم أخذت تزخرف بالذهب والفضة.وكانت السيوف الأولى في تاريخ الإسلام، مستقيمة النصل ومسنونة، ذلك إما من طرف واحد أو الاثنين. واستخدم هذا النوع من السيوف طوال قرون عديدة. وأما سيف المبارزة الذي كان المفضل لدى الفرسان المحاربين، فكان السيف المعقوف. وفي العهدين، الأموي والعباسي، كان شكل السيف الأكثر شيوعاً، هو المستقيم المسنون من الطرفين.



"الدمشقة"

انتشرت صناعة السيوف، بعد الفتح الاسلامي، في جميع البلدان العربية، وخصوصا في البصرة بالعراق، وفي دمشق بسوريا، والتي نالت تلك الصناعة فيها، شهرة وامتيازا، فريدين، تحديدا خلال القرن العاشر الميلادي. وكانت تقوم على أسس معينة، ووفق اسلوب اطلق عليه اسم "الدمشقة"، كما توقفت وظيفة السيوف وستخداماتها، في الطعن أو القتل، على طبيعة ومنوال تصميم نصلها.وهناك الكثير من النظريات حول بدايات تصميم السيف الطويل المعقوف في نهايته، والتي تتفق على نشأته، بين نهاية القرن السادس والسابع الميلادي.

أما السيف الذي لا يزال باقياً من العهد الإسلامي، إذ عثر عليه في نيشابور(نيسابور) بإيران. وكانت السيوف الإسلامية الأفضل في صناعتها. وحين اجتاحت الحملات الأوروبية الصليبية، بلاد المسلمين، اكتشف الاوروبيون، مدى تقدم صناعة السيوف العربية المصنوعة من الحديد والفولاذ، وفي مقدمتها "السيف الدمشقي".

كما شاع استخدام السيف المعقوف ذات النصل الحاد من طرف واحد، عالمياً، في القرن الخامس عشر ميلادي. ويعود تاريخ نشأته حسب ما أجمع المؤرخون وعلماء الآثار، إلى أواخر القرن السابع للميلاد، وأغلب السيوف التي عثر عليها، هي من الصين واليابان وأوكرانيا وهنغاريا. وسبب ندرة وجود هذه الانواع من السيوف في البلدان العربية والشرق الأوسط، اختلاف مفهوم عادات دفن الموتى، إذ كان هذا السيف يرافق صاحبه الى مثواه الاخير( يدفن معه).



النشأة الأولى

يرجع تاريخ النشأة الأولى للسيف، تحديدا الذي كان نصله مستقيما، ولهد حد من جهة واحدة، إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وكان مصنوعاً من الحديد.وعثر عليه ضمن المقتنيات الخاصة بالعديد من المقابر في أرجاء الصين، التي تعود تاريخيا الى مرحلة هان الغربية، وتراوح طولها ما بين 50 إلى 100 سم.

كما صنعت سيوف مشابهة في القرن السابع والثامن الميلاديين. وكانت الصين تصدر النصال التي تعتبر الجزء الأهم من السيوف، إلى اليابان وسيبيريا ومنشوريا وكوريا. وأما العملة الأولى التي حملت صورة السيف المعقوف، فعثر عليها في قبر بشمال القوقاز، وهي تمثل درهماً من عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، تحديدا فيما بعد عام 701 ميلادي. وانتقلت هذه السيوف إلى مختلف الحضارات، عبر طريق الحرير، خلال القرنين الثامن والتاسع ميلادي.

ووصف الكاتب ابن أخي حزام الخطلي، في كتابه (الفروسية والبيطرة)، في منتصف القرن التاسع للميلاد، النصل الأحادي للسيف، في بداية العهد العباسي والذي كان مصدر صناعته في إيران. وبعدما وصلت تقنية صناعة السيوف إلى أوجها، اهتم الصناع بمهارات تزيين السيف بالآيات القرآنية والزخارف والأحجار الكريمة. ومن أبرز الصناع في التاريخ: سعيد المقري، ابراهيم المالكي (في نهاية القرن الخامس عشر ميلادي). ودرج دمغ السيوف بأسماء وتوقيع صناعه، مثل ما فعل حاجي مراد بن خوسكادام.

كما اشتهرت صناعة السيوف، في الحضارة الاسلامية، بمختلف مراحلها، ومنها ازدهار تلك الصناعة في زمن العثمانيين. وأيضا في شتى بلدان حضارة الاسلامية، مثل: إيران والهند.



مجموعة نادرة

يضم معهد العالم العربي في باريس، مجموعة قيمة ونادرة من السيوف والخناجر، التي تشكل جزءا من المقتنيات الخاصة بمؤسسة فن الفروسية، والتي وُثق جزء كبير منها في كتاب خاص، حمل عنوان (فن الفروسية الإسلامي)، وضم مجموعة شروحات وصور عن مختلف أسلحة الفرسان البيضاء. وشملت المجموعة نماذج سيوف هي من عهد السلاجقة صنعت خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر ميلادي، وتميزت بقصر النصل وتضمنه زخارف تمثل عدة مشاهد عن الصيد. وذلك طبعا، إلى جانب مجموعة واسعة وغنية من الخناجر.



زخرفة متقنة وتأريخ مهم

كما تشتتمل تلك المجموعة، السالف ذكرها، على سيف يعود إلى عهد المماليك، في القرن الثالث عشر ميلادي، صنع في القاهرة، وهو من الفولاذ ومطلي بالذهب والفضة. أما مقبضه وغمده، فمرصعان بأحجار الجاد والياقوت والفيروز والخشب، ذلك ضمن زخارف لها شكل أوراق نباتات متنوعة.

وتحوي المجموعة نفسها، سيفا عثمانيا يعود إلى القرن السابع عشر، نقشت عليه كتابات لنصوص وأدعية إسلامية، على نصله وغمده، حيث كتب في الأعلى "يا مالك الملك"، وأعقبتها البسملة، ومن ثم حديث شريف للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. كما حمل السيف اسم صانعه: ( حاجي يوسف). وعد يوسف هذا من أشهر صناع السيوف في زمنه. ويقال بأنه صنع السيف الذي نقش عليه اسم المملوك سلطان قايتباي.

كما يبين سيف آخر، في تلك المجوعة، وهو مصنوع خلال الفترة (1794-1793م)، في عهد السلطان الهندي تيبو، حاكم ولاية ميسور، جماليات الزخرفة الهندية المشغولة بالذهب على الفولاذ، والمنقوش عليها العديد من العبارات العربية، لتتكرر فيها، كلمة الله جل جلاله، 14 مرة.

وكذلك أدعية كثيرة، مثل: (واجعل لي من لدنك رحمة)، (ربي انصرني على القوم المفسدين). وبلغ عدد السيوف التي عثر عليها( حصرا التي تنتمي الى العهد ذاته)، ثلاثة فقط، وهي متشابهة في الشكل ونمط الزخرفة، كما انها موجودة في قلعة ويندسور الملكية.وتيبو هو لقب فاتح محمد بن حيدر علي (1728 1782)، الذي كان جنديا خدم عند المهراجا في ميسور، والذي رقاه ليصبح سلطاناً، إذ أسس ولاية اسلامية في وسط الهند.

حيث كانت تتركز فيها الديانة الهندوسية. وتيبو هو خليفة والده السلطان حيدر الذي سعى وإياه، إلى الحد من النفوذ البريطاني في الهند، وخاضا حربين ضد البريطانيين ومن يواليهم في الهند. ومن ثم حاصر البريطانيون منطقة سيرينغاباتام التابعة لحكم تيبو ووالده، في عام 1799 م، واحتلوها، وقتل تيبو خلال المعركة. وكان قد اتخذ من النمر رمزاً له، وسمى نفسه "نمر ميسور"، ونقشت رسومات النمر على معظم أسلحته، ومن بينها السيوف والخناجر.



سيف أندلسي

ويبرز في المجموعة تلك، سيف عربي نقش عليه اسم محمد بن يوسف، يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر ميلادي، وهو من السيوف النادرة التي نقش على الوجه الأول من النصل فيها، وبخط النسخ الأندلسي، قصيدة تشيد بانتصار في معركة، وعلى الوجه الآخر آية قرآنية إضافة إلى التسبيح برحمة الله وعظمته.

وعثر على السيف في قصر الحمراء بغرناطة، ويعتقد المؤرخون بأنه يعود إلى العهد الأخير من حكم بني نصر، قبل سقوط غرناطة في عام 1493. ويعتبر هذا السيف القطعة الوحيدة التي عثر عليها من العهد الأندلسي، والتي تحمل نقوشاً عربية.



السيف الدمشقي

شكّل السيف الدمشقي، عبر القرون الماضية، لغزاً مستعصياً علي الحل في مجال الصناعة الحربية، إذ رويت عنه الأساطير. وقيل ان الشعره كانت تنشطر إلى نصفين لدى سقوطها على نصله. كما تحدثت روايات كثيرة عن مدى أهميته وتركزه كأساس في انتصار صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في المعارك التي خاضها ضدهم.

وتحدث البعض عن ان القادة الأوروبيين كانوا يرسلون التجار إلي دمشق لشراء تلك السيوف المميزة، ولو كانت بأغلي الأثمان، ذلك للتباهي بها ولاستخدامها في المبارزات، وفي المعارك المهمة.وتميزت السيوف الدمشقية عن غيرها، بظاهرة فنية عرفت باسم "جوهر السيف" أو "فرنده". وللجوهر أسماء كثيرة، منها: "الدمشقي" أو "الشامي"، ولها أشكال عديدة تظهر على النصال. وتشاهد للجوهر الدمشقي، تموجات وبقع. ومن أهم خصائصه، عدم قابليته للصدأ، وايضا لينه ولدانته.



زخارف القبضة والغمد

اعتبر الخنجر من المقتنيات البارزة والمهمة لدى الافراد، ضمن الحضارة الاسلامية، وعد جزءاً من مستلزمات حياتهم اليومية. وقد تفنن الصناع في زخرفته وأشكاله. وكانت تثبت الخناجر، في طقوس وعادات حملها، في وسط حزام يحيط بالثوب الخارجي لدى الرجل. وبطبيعة الحال، اختلفت وتختلف، طبيعة زخارف الخناجر، من بلد إلى أخر، وبين حضارة وأخرى. وتتضح في زخرفة الخنجر السوري، من ضمن المجموعة عينها،.

والذي يرجع تاريخ صناعته إلى القرن الثاني أو الثالث عشر ميلادي، ملامح خصوصية متجلية في ماهية الفن الزخرفي للخناجر في بلاد الشام، إذ نقشت الزخارف على القبضة والغمد، المصنوعين من الفضة، لتأخذ القبضة شكل التاج في نمط زخارفه. ويقسم الغمد فيه، إلى أربعة أقسام تفصل بينها حلقات معدنية بارزة قليلاً وغير مزخرفة. ونجد في القسم الأعلى، كتابة بخط الثلث دون تنقيط، وتشير إلى العز والنصر والازدهار. وأما القسم الثاني، فيحمل رسما لفارس على صهوة جواده، يطعن تنينا برمحه.



الخنجر العثماني

يتجلى في الخنجر العثماني، الذي تشتمل عليه المجموعة، تميز مستوى إبداعات صناعه، وتحديدا في تصاميمه وزخرفته، ومن ضمن ذلك، خنجر يعود الى عام 1093 م، مصنوع من الفولاذ، وهو بمقبض خشبي مشغول بالفضة والزخارف المذهبة. ونقشت عليه عبارة: (مُلك عبد الصافي عام 1093).

ويأخذ هذا الخنجر شكل الحرف ألف، ويتضمن قبضة خشبية مزينة برقاقات من الزخارف الفضية، على شكل زهرة أو نجوم، ويوجد على حوافه من الجهتين، وفي نصله المسنون من الجهتين، انحناء طفيف مع تباين في سماكته التي تصل في أعلى درجاتها، في العمود الفقري للنصل.

وتتوج أعلى الغمد، ثلاثة أخاديد عرضية من الفضة المنقوشة، وتليها نقوش لزخارف نباتية مسكوبة بالفضة، وتتخذ نهاية الغمد شكل كرة هي أقرب إلى مظهر رأس الصولجان أو التاج، كما يحمل الغمد، ختم السلطان محمد الرابع.



خنجر معقوف

تتبدى في سمات الخنجر المصنوع من مادة الفولاذ، في وسط الهند( والذي يعود في تاريخه الى القرن السابع عشر ميلادي)، جاذبية تصميمه في شكله الانسيابي المعقوف بين النصل والقبضة، التي زينتها زخارف نباتية من الذهب، إذ رصعت بالزجاج الأخضر الملون.

أما الخنجر المنغولي، الذي يعود إلى القرن السادس عشر، فصنع في عهد المغول، ويتجلى فيه الاهتمام الكبير بتزيين قبضته بالذهب والأحجار الكريمة من الياقوت والزمرد، إذ تعكس في أنماط تكوينها وتشكيلاتها، الإنسان والأفعى (رمز الحكمة)، بينما تقتصر زخرفة النصل على رسم بالذهب لغزالين.

وتختلف زخارف الخنجر الإيراني المصنوع في القرن السابع عشر ميلادي، والبالغ من الطول 40 سم، إذ يعتمد على بساطة التصميم، وتأخذ الزخرفة الحيز الأكبر في مفردات جمالياته، ذلك بدءا من مقبض العاج، ووصولا بالغمد الخشبي المشغول بما يزيد عن 86 رقاقة من الذهب مصدرها التبت.

وترصع الزخارف النباتية المذهبة ضمنه، بأحد أنواع الزمرد، كما تزين المقبض حزمة من الخيوط الحمراء (شراشيب). وكان الخنجر لدى حصول المقتني عليه، ملفوفاً بقطعة من القماش الأحمر، وذلك بشكل حلزوني. ويرجع الباحثون مصدر قطعة القماش تلك، إلى كلية "ثارتسي لادرانغ" التي تمثل إحدى الكليات الأربع في دير من اديرة التيبت. ويعتقد أن القطعة تلك، هي للقائد الذي توفي عام 1217 م، ونقش على رأس الغمد عبارة مفادها: (قدم هذا الخنجر إلى ثارتسي لادرانغ، لإسعاد حماتها، الذين يحمون العلم).



الخنجر الإماراتي

تنفرد أنماط الخناجر في الامارات واشكالها، بسمات خصوصية وملامح جاذبية، تكفلان تمتعها بقيمة فنية متمايزة عن غيرها. إذ يرى كثير من المتخصصين، انها تشتمل على مواصفات، مهمة وفريدة، مثل: تصاميمها الجميلة، أناقتها وخفة وزنها، طابعها الخاص الذي يميزها عن الخنجر اليمني المشهور بالجنبية.

وعموما، فإن الخنجر الإماراتي شبيه، الى حد ما، بنظيره العُماني. وتتكون أجزاؤه من: المقبض وهو ما يسمى بالرأس (وهو يصنع في العادة من قرن الزرافة أو العاج الأصلي أو الخشب)، الصدر (وهو من الفضة أو الذهب المزخرف)، القطّاعة (تمثل الجسد أو مغمد النصل وتصنع من الجلد الطبيعي المطرز يدويا بخيوط الذهب والفضة، ليمثل بذلك قمة الجمال وبراعة التصميم واستخدام الزخارف والتطريزات).



125 الف درهم

تملك الخناجر الاماراتية، في انواعها المختلفة، وفي شتى سمات وجماليات تصاميمها، شعبية كبيرة، في الخليج العربي والمنطقة عموما. وبذا فإنها تحوز إقبالا كبيرا.. وطبعا، فإن أسعارها ليست في عداد المعدلات المتدنية، إذ تصل أثمان مثل هذه الخناجر، إلى أكثر من 2500 درهم. واشتهر خنجر إماراتي، من صنع أحمد الجنيبي في الشارقة( أحد المتخصصين بصناعة الخناجر)، إذ حاز سمعة كبيرة، بفضل تقانته ومواصفاته، علاوة على كونه مصنوعا من الذهب الخالص ونصله من الفضة..

وقد بيع بنحو 125 ألف درهم. واللافت، خاصة في الفترة الحالية، شهرة ورواج صناعة انواع الخناجر الساحلية في الامارات حاليا. وبرز احمد الجنيبي نفسه، في هذا المجال، إذ يقدم أشكالا ونماذج متنوعة منها، مصنوعة من الذهب والفضة، وهي ذات أشكال جذابة، وشبيهة بالخناجر العمانية.

إن سجل تاريخ هذه الصناعة في الامارات، حافل باسماء المبدعين الرواد، وذلك منذ القدم. ولكن بروز صناع مهرة للخناجر في الامارات، لم يتوقف في أي من العهود، وبذا شهدت وتشهد كل مرحلة، ظهور مبدعين وأشكال صناعات مجددة وفريدة.

ويعد الإماراتي عبد الله راشد محمد الصايغ، عميد الصناع في هذه الحرفة بالدولة، وتميز بانه استطاع في نمط ما يقدمه من أنواع خناجر، حفظ ملامح هوية وخصوية الخنجر الاماراتي، وصون أشكالها التقليدية التي تعود الى أكثر من مائة عام، وذلك حين كان يقوم الصانع بإذابة السبائك الذهبية، ومن ثم تحويلها الى خناجر من الذهب الخالص. وطبعا الحال ذاتها، كانت تطبق في أليات وأشكال صناعة السيوف الذهبية بالامارات.



دعم واهتمام حكومي

لا يفوتنا، في هذا السياق، ما توليه دولة الامارات من اهتمام كبير بهذا المجال، إذ تركز على دعم وتشجيع هذه الحرفة التقليدية، وتحفز المهرة والحرفيين، ليحافظوا عليها، موفرة كافة المستلزمات والبيئات المشجعة والداعمة. وقد برز في هذا الإطار حرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على توفير كافة متطلبات وركائز حماية هذه الحرفة الاماراتية التقليدية، ومساندة العاملين فيها.

وكان، رحمه الله، يعمد الى تمكين وتعزيز قيمة واهمية صناعة الخناجر الاماراتية الذهبية، من خلال إهدائها الى ضيوفه، من الملوك والرؤساء. وبطبيعة الحال، فإن قادة الدولة، حفظهم الله، يتابعون هذا النهج، ويستمرون في دعم هذه الصناعة، ايمانا منهم بانها مكون اساس في جوهر هويتنا الثقافية الفنية.



.. السيوف الاماراتية

أما بالنسبة للسيوف في الامارات، فقد شهدت تطورا وحرفية كبيرين في عملية تصنيعها، وكذلك سميت باسماء متعددة، ترتبط بخصوصيات المكان، وبسمات البيئة، وبعدة امور اخرى لها علاقة بالمكان واهله، ومنها: أبو العقارب، أبو المسبوعي، المرفس، سيف القدر، سيف أبو الظهر. ولم توفر الامارات، اي من مساقات وانواع الجهود الخاصة بحماية هذا التراث والمكون الثقافي الفني الحيوي، في بنية الهوية المحلية. إذ تعنى بتخصيص معارض وتنظيم فعاليات محددة للخناجر التقليدية في الامارات. ونجد ان معظم متاحف الدولة، يتضمن أنماطا من الخناجر الاماراتية القديمة.

وفي هذا السياق، يعرض جناح الأسلحة في متحف العين، عددا من الخناجر المتنوعة الأشكال والأحجام. يذكر، أن هذا الخنجر في الامارات، وكذا في دول الخليج والعالم العربي عموما، كان يمثل اداة حماية وقتال رئيسية، وعدّ سلاحا دفاعيا في الأصل.. إلا انه اليوم، يمثل جزءا من توليفة طقوس اللباس التقليدي المناسباتي، إذ يوضع في بعض الأحيان، من قبل الرجال، فوق رداء أبيض اللون، بعد تثبيته على حزام من الجلد، ويزين بخيوط من الفضة.











السيف الدمشقي



تبدأ صناعة السيف الدمشقي، بخلطة معدنية فولاذية، وتضاف إليها، نسب دقيقة ومدروسة من شوائب الكربون والمغنزيوم والسيلسيوم والكبريت والفوسفور، وبعض المواد العضوية الاخرى. ثم يتم طرقها وسحبها بدرجات حرارة متسلسلة،لتخرج قضبان الفولاذ البيضاء الرفيعة، والتي تجدل مع بعضها، في جدلات متتالية، لتشبه بالتالي، الحبل الفولاذي.

ومن ثم يعاد إحمائها، وتطرق لمرات عديدة، ما يؤدي الى اعادة التحام تماسك مزيج هذه الجدلات مع بعضها البعض، لتغدو كأنها روح واحدة، فتصبح صفحة النصل، ملساء مزينة بتموجات صغيرة ودقيقة، وبحبيبات ناعمة متقاربة المسافات، ورمادية اللون تميل إلى البياض، وذلك مع إجراء بعض العمليات الميكانيكية الاخرى، كالطرق والإحماء والإسقاء.







« أصدق أنباء»



قال ابو تمام( شاعر عباسي)، في قصيدة له، مدح فيها الخليفة المعتصم بعد انتصاره في معركة "عمورية":



الـسيف أصـدق أنـباء من الكتب

فـي حـده الـحد بين الجد واللعبِ

بيض الصفائح لا سود الصحائف

في مـتونهن جـلاء الـشك والـريبِ

والـعلم فـي شـهب الأرماح لامعة

بين الخميسين لا في السبعة الشهبِ

أيـن الـرواية بـل أين النجوم وما

صاغوه متن زخرفٍ فيها ومن كذب؟

عـجـائباً زعـموا الأيـام مـجلفةً

عـنهن في صفر الأصفار أو رجبِ

وخـوّفوا الـناس من دهياء مظلمةٍ

إذا بـدا الـكوكبُ الغربي ذو الذنبِ

وصـيّروا الأبـرُجَ الـعليا مـرتبةً

مـا كـان مـنلقباً أو غـير منقلبِ

يـقضون بـالأمر عنها وهي غافلةُ

مـا دار فـي فـلكٍ منها وفي قطبِ

لـو بـينت قـط أمـراً قبل موقعهِ

لـم تـخف ماحل بالأوثان والصلبِ

فـتح الـفتوح تـعالى أن يحيط به

نـظم من الشعر أو نثر من الخطبِ

فـتح تـفتح أبـواب الـسماء لـه

وتـبرز الأرض فـي أثوابها القشبِ

يـايوم وقـعة (عمورية) انصرفت

عـنك الـمنى حـفلاً معولة الحلبِ

أبـقيت جـد بني الإسلام في صعد

والـمشركين ودار الشرك في صببِ





300 إسم



يوجد في اللغة العربية 300 اسم للسيف، منها :

الصمصام : السيف الذي لاينثني.

البارقة : السيف الذي له بريق.

الزالق : السيف سلس الخروج من الغمد.

الذكر : السيف المصنوع من الصلب.

المشمل : سيف صغير، يشتمل عليه الرجل بثوبه.

صفيحة : السيف العريض.

حسام : السيف القاطع.

المفقر : السيف الذي في متنه حزوز .

القشيب : سيف قريب العهد.

الارقب : السيف غليظ المتن.

الدائر : السيف الذي قدِم عهده بالقتال .

بلارك : من سيوف الهند الثمينة.

الدوان : السيف الذي لا يقطع.

الساذج : السيف الذي لا نقش على نصله.

مهد : السيف الرقيق.

اللهذام : السيف الحاد.

القرضاب : سيف يقطع العظام.

الضلع : سيف به عوج .

يماني : سيف منسوب إلى اليمن.

المدجل : السيف المطلي بالذهب.

المذرب : السيف الذي ينقع في السم، ثم يشحذ.

الرسوب : السيف الذي يغور في الضربة.

المعمد : السيف المستخدم في قطع الشجر، وغيره.

اصليت : السيف الثقيل المجرد من الغمد.