بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

أنطوني غريلينغ: الفلسفة تهجر برجها العاجي


رشا المالح
22 ابريل 2012

يعتقد أستاذ الفلسفة البريطاني في جامعة لندن، أنطوني غريلينغ، أنه على الفلسفة أن تلعب دوراً مفيداً في المجتمع، كما الحال في زمن الإغريق، لا سيما بعدما انعزلت، زمنا طويلا، في برجها العاجي، فانفصلت عن المجتمع لتنحصر في هامش النظريات العلمية المتخصصة، والتي اقتصرت على نخبة من الفلاسفة والأكاديميين.

يعيد الأستاذ الجامعي، أنطوني غريلينغ، للفلسفة دورها الفاعل والطبيعي في المجتمع، من خلال أبحاثه ودراساته، بعد إنزالها من عزلتها، لتكون في متناول الجميع، كما الحال في عهد الأولين. وهو نشر عدة كتب ومقالات في هذا الصدد. وكذلك أجرى العديد من اللقاءات التلفزيونية والإذاعية، بهدف استعادة العلاقة المفقودة بين الإنسان المعاصر والفلسفة، والتي تجعل من التفكير والقراءة أمراً مشوقاً وضرورياً لاكتشاف نفسه، وما يريده من الحياة.

"مسارات" التقى غريلينغ، خلال زيارته دبي، بغرض التعرف منه على أهمية الفلسفة ودورها في حياة الإنسان، وكيفية رؤيتنا العالم والمعايير والقيم الإنسانية من خلالها، لاسيما وأن الفلسفة فيما مضى، كانت تحّث الإنسان على التعمق والتأمل في شؤون الحياة، لتزيد من ثقافة المرء وتنمي أفكاره .

متى انعزلت الفلسفة في برجها العاجي؟

كان الفلاسفة خلال زمن أفلاطون وأرسطو وسقراط، في عهد الإغريق. وأيضا إيبكوروس وإيبكتيتوس في العهد الروماني. ومن ثم جميع من تلاهم من فلاسفة، مثل: ديكارت، غاليليو، كوبرنيكوس، كيبلر، راسل. هؤلاء جميعا كانوا يتكلمون بلغة الناس. ومع وفاة الفيلسوف هيغل في عام 1831.

ومن ثم دخول العالم خلال القرن العشرين، في حالة جنون، حيث طغت الشرور باسم أفكار رائدة، عندها توقف العقل عن إبداع أفكار جديدة، في الوقت الذي كان يُقتل فيه ملايين البشر باسم هذه الأفكار. وهنا باتت الفلسفة العالمية المرتبطة بالمجتمع، يتيمة وعاجزة. ومع فقدان المعايير الإنسانية الخلاّقة، توقف الإنسان عن رحلة استكشافه لنفسه.

هل يعني هذا أن عهد الفلسفة انقضى، ولم يعد له دور في حياة الإنسان المعاصر؟

بالتأكيد لا، فالفلسفة جزء من حياة الإنسان، سواء أدرك هذا الأمر أم لا. الفلسفة في جوهرها تتمحور حول سؤالين: (ما معنى العالم الذي نعيش فيه؟)، (ما المعايير التي يسعى إليها الإنسان في عالمه؟). والأهم من كل هذا السؤال الأزلي الذي يطرحه الإنسان على نفسه: "من أنا؟". ليس من السهل على الإنسان أن يطرح مثل هذا السؤال على نفسه، والمرتبط بسؤالين: "ما الذي أريده من هذه الحياة، وما هو دوري وهدفي فيها؟". فهو بحاجة إلى بعض المعرفة حول الفلسفة، والتي تعتبر جزءا من حياتنا، ليجد الأجوبة على تساؤلاته.

إن هذه التساؤلات تشكل ضغطاً كبيراً على الإنسان، ومؤلماً في بعض الأحيان. والكثيرون ممن لا تتوافر لديهم المعرفة بالفلسفة، يهربون إلى بدائل أخرى لتفادي مثل هذه الأسئلة، وفي أغلب الأحيان تكون سطحية لا تساعدهم على الشعور بالرضا أو التصالح مع أنفسهم. ومثال على هذه البدائل؛ ما يتم الترويج له من معايير ترتبط بماديات الحياة والاستهلاك، والتخلي عن المنطق لصالح راحة البال،.

وهو ما يجرد الإنسان من أصالته وحقيقته. وقديما، قال سقراط: (اختر الحياة التي تريدها لأسباب أصيلة في نفسك). نحن نعلم أن ظروف الحياة وضغوط المسؤوليات الكبيرة، تجعل خياراتنا في الحياة، محدودة جداً، ولكننا في عمق جوهر دواخلنا، نستطيع أن نختار خطانا ا في درب مسارنا، فالحرية الداخلية لها معنى كبير في حياة الإنسان.

ومعظم الناس يختارون ما قيل لهم، وما هو معنى حياتهم وكيف يعيشونها، وهنا علينا أن نكون واعين بهذا الاختيار. ويجب التفكير فيه مع أنفسنا، والتأكد من أنه يتوافق مع ندائنا الداخلي. وأضيف في هذا الجانب ما قاله الفلاسفة القدماء، عن كوننا متفردين بمواهبنا وعلاقتنا بالحياة، وبما يغذي روحنا وعقلنا.

الوعي بهذا التفرد يساعدنا على تدفق ما في داخلنا، ما ينعكس بصورة إيجابية علينا وعلى المجتمع، والذي يرفض في الغالب، أية محاولة للخروج عن منظومته، وذلك حتى يتم إثبات جدواها وقيمتها. وقال الفيلسوف الألماني نيتشه، إن متعة الحياة ليست في تحقيق الأهداف، بل في السعي إليها. ونحن نقدر ونحترم أصدقاءنا، من خلال بحثهم وجهودهم لتحقيق ما يريدونه.

مفتاح

ما الذي تنصح به الإنسان الذي اختار دربه في الحياة؟

علينا في البداية أن ندرك بأن مفتاح الفلسفة البسيط والعميق الذي يتمثل في أمرين، الأول: "أن نتحمل مسؤولية قراراتنا في الاختيار والمتابعة". وأما الثاني، فيتمثل في "اغتنام الفرصة" متى أظهرت نفسها. والفرصة هنا لا تأتي كمعجزة، بل يصنعها الإنسان بنفسه، من خلال سعيه للوصول إلى هدفه.

ولا شيء يهدر في حياتنا، فأخطاؤنا بمثابة تجارب مهمة تساعدنا في تلمس وجهة مسارنا. وحينما تكشف الفرصة عن نفسها، على الإنسان أن لا يتردد أو يستسلم للخوف من الفشل، ففي أعماقه يدرك أن جهوده أوصلته إليها، فكل فرصة نأخذها تفتح لنا 12 فرصة لاحقاً، وربما أكثر. ومثل هذه الفرص مغامرة مدروسة.



تقبل الحياة

هل تدريسك للفلسفة أوصلك إلى أن تكون فيلسوفاً؟

كل إنسان فيلسوف، ولا يحق للفلاسفة أن يملوا على الناس ما يتوجب عليهم فعله، بل حثّهم على التفكير والتساؤل والمعرفة. فلسفتي تكمن في تقبل الحياة والجرأة على طرح الأسئلة والبحث عن أجوبتها، ومواجهة النفس والكشف عن رغباتها الإنسانية، وتجنب الحلول السريعة والسطحية التي لن تصل بصاحبها إلى نتيجة مرضية، والأهم من كل ذلك، تحمل الإنسان مسؤولية قراراته.

كما أود التنويه بأن الحكمة ملك الجميع، فالقلب الكبير لديه دوما غرفة للمزيد، أما اكتسابها فيأتي من المعرفة والتجارب والألم. ومن الحكمة أيضاً ما قاله كل من الفيلسوفين الرومانيين إيبكوروس وإيبكتيتوس، بشأن "احترام ما لا نستطيع السيطرة عليه"، كالكوارث الطبيعية ومواجهتها بشجاعة، وأيضا تعلم ما نستطيع التحكم به في أنفسنا.



تحفظ وقلق

كيف تفسر وتقيّم الموجة الجديدة من الكتب المختصة بتطوير الذات وتحقيق حياة أفضل، التي اكتسحت الأسواق العالمية، اخيرا؟

تثير بعض الكتب، المطروحة في الأسواق، قلقي وتحفظي. وأما السبب في انتشارها فيرجع إلى عدم رضا الناس عن الحياة التي يعيشونها في الزمن الراهن، وعودتهم إلى أنفسهم في محاولة لفهم ما يجول في أعماقهم. ومع غياب الفلسفة المجتمعية لأكثر من مائة عام، باتت الحاجة لمثل هذه الكتب ملِّحة. وما يخيفني هو أن الكثير منها، سطحي ويقدم حلولاً سريعة، ويملي على الناس خطواتهم.

ونصيحتي تتوافق مع ما قاله سقراط: (اشغل وقتك بتطوير نفسك، عبر قراءة ما كتبه الآخرون، حيث تكتسب بسهولة، ما جهد الآخرون لزمن طويل في الوصول إليه).

كما أن الحياة المشروطة بهدف لا يحوز معنى إنسانيا، لا تمنح صاحبها أية قيمة أو سعادة حقيقية، وسرعان ما يدرك خواء نجاحه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق