بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

السبت، 12 يونيو 2010

مقابلة مع الكاتب البريطاني المخضرم مارتن إيميس

2010-06-05 16:17:55 UAE
الروائي البريطاني مارتن إيميس: عدنا إلى الواقعية الاجتماعية




يعتبر الروائي والكاتب مارتن إيميس، واحدا من أهم رموز الأدب البريطاني المعاصر، ومن الذين صنفت كتاباتهم في إطار الأدب الحديث وما بعد الحداثة. وقد نجح مارتن منذ عمر مبكر في الخروج من هالة شهرة والده الأديب السير كينغسلي إيميس، وإثبات وجوده المتفرد في عالم الأدب من خلال أسلوبه الخاص.




وقد اعتقد النقاد بمن فيهم والده، أن النجاح الذي حققته روايته الأولى «أوراق ريتشل» التي نشرها عندما كان عمره 24 عاما لن يدوم طويلا، لكنه خيب ظن الجميع وحققت أعماله اللاحقة نجاحا كبيرا فاق التوقعات.أسوة بأبيه، يثير مارتن بين الحين والآخر زوابع في الإعلام المرئي والمطبوع بآرائه النقدية التي يطرحها، والتي يسعى من خلالها إلى كسر رتابة الفكر التقليدي والمسلمات وتطلب من النقاد والإعلاميين المخضرمين زمنا، لإدراك مضمون تلك الآراء التي يغلب عليها الطابع الاستفزازي والتي لا تعكس في الواقع قناعات إيميس، بقدر ما تفصح عن الفكر المهيمن بشأن موقف أو قضية ما.


أصدر إيميس الذي ولد في 25 أغسطس 1949 حتى الآن، 13 رواية آخرها «الأرملة الحاملة»، وسبع مجموعات قصصية، مع سبعة كتب في الأدب الواقعي إلى جانب الدراسات النقدية والمقالات.


وأثارت كل رواية أصدرها جدلا واسعا بين النقاد، حيث استلهم إيميس مواضيع أعماله من مادة الحياة الخام، وواقع الحياة العبثية لمرحلة ما بعد الحداثة في المجتمع الرأسمالي الغربي وصوره دائما بشكل كاريكاتوري ساخر


وقد شكلت مشاركته في مهرجان طيران الإمارات للآداب مفاجأة كبيرة في الأوساط الأدبية وعند القراء في المنطقة، نظرا لاتساع شهرته ومكانته البارزة في عالم الأدب، وقد غصت القاعة بالحضور خلال ندوته في المهرجان. وبهدف التعرف عن قرب الى تجربته الأدبية، التقت «مسارات» به خلال زيارته الأولى لدبي.


عكس التيار


قال إيميس فيما يتعلق بدوافع مشاركته في المهرجان، «شاركت في المهرجان بدافع الفضول، للتعرف أولا الى مدينة دبي التي تعتبر انجازا استثنائيا على صعيد تطور مدينة في زمن قياسي، ولزيارة دولة إسلامية والتعرف اليها عن قرب.


معرفتي بالعالم العربي محدودة وتنحصر في إجازتين قضيتهما في المغرب وزيارتي العراق ليوم واحد برفقة رئيس الوزراء توني بلير حيث خطب في الجنود البريطانيين في البصرة تحت تهديد القصف، وقد راعني ما شاهدت من دمار مرعب.


أنا دائما ضد الحرب. بالطبع لست مؤهلا للتحدث عن دبي فلم يمضِ على وجودي أكثر من 36 ساعة، وما لقيته حتى الآن كل ترحيب وضيافة».


الأديب المشاكس


ولدى سؤاله إن ألف النقاد والعامة أسلوبه المشاكس قال، (لا تحدث هذه الزوابع إلا في الصحافة والإعلام المرئي البريطاني، وتبلغ حد الهوس. أما في الخارج فأنا مثل أي كاتب آخر). وعن السبب في ذلك قال، (أعتقد أني امتداد واحد لوالدي منذ عام 1920، ربما طول وجودي في الساحة يزعجهم).


أما فيما يتعلق بتصريحاته المرتبطة بالعنصرية ومعاداة الإسلام والانتقادات الحادة التي واجهها بهذا الشأن قال وهو يبتسم بمرارة، (ما يحدث في الأوساط الأدبية والإعلامية تكرار لما جرى في كل زمان ومكان، فهناك عدد من المرتزقة الذي يحاولون البروز وتسلق سلم الشهرة من خلال النيل من أسماء كبيرة.


ذلك ما حدث بشأن تصريحاتي فيما يتعلق بحوادث الإرهاب وارتباطها بالإسلام. فأغلب الصحفيين الذين انتقدوني اقتطعوا جزءاً من جمل تصريحاتي، وبنوا على ما اقتطفوه انتقاداتهم. ومن يرجع إلى التصريحات الكاملة سواء المسجلة أو المدونة سيكتشف تلاعبهم في الكلام).


أما كيف دافع عن نفسه قبالتهم فقال وهو يبتسم بسخرية، (قال الروائي الروسي فلاديمير نابوكوف (1899 ـ 1977): أفكر كعبقري، وأكتب بأسلوب فريد، وأتحدث كأحمق. أما الذين يقتنصون الفرص من الصحفيين فيفكرون بشكل أحمق، وهم كالحواشي الفائضة عن الحاجة).


أدب ما بعد الحداثة


قال إيميس فيما يتعلق برأيه في أدب ما بعد الحداثة وخاصة وأنه أحد روادها البارزين في العالم الأدبي، (انتهت مرحلة أدب ما بعد الحداثة منذ جيل مضى، وعدنا إلى الواقعية الاجتماعية التي من روادها جين أوستن وجورج إليوت وشارلوت برونتي، وأدب المونولوج الداخلي لأناس يعيشون حياة عادية بتفاصيلها والذي برع فيه كل من فيرجينيا وولف (1882 ـ 1941) وجيمس جويس (1882 ـ 1941) ودورثي ريشاردسون (1873 ـ 1957).


وأدب الواقعية الاجتماعية، يتحدث عن العائلة والزواج والموت والولادة وكل ما يرتبط بحياة الإنسان). وتابع، (نحتاج في حياتنا لأدب الخيال سواء للراحة أو المتعة والفهم).


إيميس الروائي


في إطار آلية عمله الروائي، ابتداء من اختيار موضوع الرواية وحتى انجازها قال، (أنا لا أختار مواضيع أعمالي، فهي تختارني ولا أعرف كيف فهذا الأمر غامض ومرهون بالعقل الباطن.


يتضح هذا الأمر من قصة نابوكوف حيث قال انه استلهم موضوع روايته الشهيرة «لوليتا» قبل عام من كتابتها، حينما شاهد قردا صغيرا تم تعليمه الرسم، قد رسم أول ما رسم لدهشة الجميع قضبان قفصه. هذا المشهد الذي أثار رعب نابوكوف، ألهمه موضوع القصة التي يفترض أن لا صلة لها بهذه الحادثة.


(الروائيون وحدهم يعرفون أن ما يأتي به عقلهم الباطن أمر غامض وغير متوقع أو مدروس. أبداً لم أقرر كتابة رواية، فهي تأتيني بزاوية غريبة تدفعني للكتابة عن شخصيات لها عالمها، وهي نابعة من الحالة التي تسبق الاستغراق في النوم والإدراك الواعي بعد اليقظة. منها أستلهم روايتي أو المادة الخام لعملي، أي أبدأ بما هو غير عقلاني أو واع).


ويتابع بأول ومضة من الحماس، (كما حاول العديد من الكتاب استلهام أعمالهم من الأحلام وقاموا بنقلها إلى الواقع، لكن هذا الأمر في غاية الخطورة وغالبا ما ينتهي بالفشل. مثل محاولة جيمس جويس في كتابته لرواية «يقظة فينيغان» التي منيت بفشل ذريع، وإن كانت محاولته تنم عن شجاعة مدهشة.


في هذا الإطار، كتب يوليسوس عن عالم النهار وجويس عن عالم الليل والأحلام. يقول الأديب الأميركي هنري جيمس (سارد الحلم يفقد قارئه)، لذا على الروائي ترويض عالم الحلم لجعله حلما كونيا).


الروائي طموح وقلق


بالانتقال إلى الصعوبات التي يواجهها خلال كتابة الرواية قال، (يعيش الروائيون حياة كلها قلق وطموح. الطموح لكتابة شيء خلاق، والقلق من الفشل. أبلغ من وصف هذه الحالة هو الشاعر البريطاني كيث دوغلاس (1922 ـ 1944) والتي سماها (المقدرة السلبية)، أي القدرة على الإبحار في حالة الشك.


وعلى صعيد مواجهة الكاتب لصعوبات في الحبكة فمن السهل إيجاد بدائل لحلها، أما كيف تجعل الشخصية حية على الصفحات فهو أمر غامض تماما، ويعتمد بجزء كبير منه على الموهبة، وهي هبة بحد ذاتها).


المرأة الحامل


استغرق إيميس في كتابة روايته المرأة الحامل 8 سنوات وقال عنها، «السبب في هذا التأخير هو الصعوبات التي واجهتها لدى كتابتي لها. كنت في البداية أرغب في كتابة سيرة ذاتية، وبعد أسبوعين شعرت بجمود الشخصيات وعدم قدرتي على إكسابها الحياة عبر الكتابة، وهكذا توقفت يائسا.


بعد مضي زمن أدركت عبثية فكرة السيرة الذاتية، وفصلت الرواية إلى روايتين، إحداهما كانت «الأرملة الحامل» وأبطالها ثلاث شخصيات حقيقية قد فارقت الحياة على أرض الواقع بمن فيهم أختي الكبرى بينهم. وتضم الصفحات الأربعمئة الأولى أحداث الرواية، أما الجزء الأخير منها الذي يحمل عنوان (حياة)، فيحكي عما حدث لهم لاحقا في الواقع».


الكاتب يفاجئ نفسه


وصف إيميس الحالات التي فاجأ نفسه بها خلال عملية الكتابة قائلا، «أهم هذه المفاجآت التي ناقشتها كثيرا مع والدي، دور العقل الباطن في ترتيب العديد من الأمور دون وعي مسبق من الكاتب. فعلى سبيل المثال أضع في بداية العمل بعض الشخصيات الثانوية التي تقوم بتوصيل رسالة ما أو الكشف عن جانب ما، غير أني أكتشف خلال العمل أن هذه الشخصية تلعب لاحقا دورا جوهريا في الحبكة.


هذا يعني أن العقل الباطن قد رتب أمورا لم أعتقد أني بحاجة إليها في البداية. ومن المفاجآت الأخرى، تحويل التركيز فجأة إلى محور آخر مما يجعل كتابة الرواية في غاية السلاسة، بعد استعصائها لزمن طويل. هذه الاكتشافات في منتهى الروعة ولا يعرفها سوى الروائيون).


ويتابع أخيرا بقدر جديد من الحماس، (هذا ما حدث معي مؤخرا خلال محاولاتي كتابة روايتي الجديدة عن (الغولاك). لم أعرف في البداية لماذا يحكي البطل قصة حياته والهدف من ذلك، ثم أدركت أن عليه أن يرويها لتلك الشخصية التي اعتبرتها في البداية ثانوية وعلى الهامش، وهي الطفلة فينوس ابنة زوجته الأفريقية الأميركية البالغة من العمر ست سنوات. وهكذا وجدت الدافع عنده، ومعه تدفق السرد، لتصبح الرواية رسالة طويلة تبدأ بقوله: عزيزتي فينوس، وتنتهي بجملة (مع حب زوج أمك).


نهاية المطاف


في الختام قال لدى سؤاله عن رؤيته لحصيلة حياته كروائي ناجح مخضرم، (الحياة كالقناع التراجيدي في المسرح حيث يبدأ الإنسان حياة سعيدة ثم ينتهي بتراجيديا العمر. الواقع ليس كما صورته جين أوستن وشكسبير وغيرهما حيث يبدأ بتراجيديا وينتهي بخاتمة سعيدة. الحياة مأساة وكما قال ستالين: موت واحد مأساة أما الموت الجماعي فإحصائية. الموت هو النهاية).


تصريحه المتشائم فرض سؤالا جديدا أجاب عنه قائلا، (بالتأكيد أشعر بالرضا لما قدمته من نتاج أدبي، وأمنيتي أن أُقرأ وأُذكر بعد موتي. بحث الإنسان عن الخلود حقيقة لا لبس فيها. وحالة الإبداع سواء في الأدب والفن، مثل حاجة الإنسان لإنجاب الأولاد التي تشكل استمرارية لجيناته في الحياة. جل ما أتمناه أن أُقرأ وأُذكر بعد موتي بعشرين عاما).


إيميس في سطور


* ولد مارتن إيميس في جنوب ويلز في عام 1949


*ابن الأديب الشهير كينغسلي إيميس


* تخرج في كلية إكستر من أوكسفورد


* عمل في الصحافة كمحرر عندما كان عمره 27 عاما


* عاش في أورغواي لمدة عام وعاد لموطنه عام 2006


* يعمل منذ عام 2007 كأستاذ في جامعة مانشستر ويدرس الكتابة الإبداعية.


رشا المالح




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق