بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الثلاثاء، 15 يونيو 2010

اشهر الافتتاحيات الادبية في التاريخ

اشهر الافتتاحيات الادبية في التاريخ




هناك في عالم الأدب مجموعة كبيرة من الروايات الخالدة، التي اعتبرت مع تقادم الزمن من الأعمال الكلاسيكية الخالدة، وما يجمع بين هذه الأعمال أو ما يميزها، هو موضوعها الإنساني العميق، وتعدد أبعاد شخصياتها والظروف ومساحة الاستقراء، وعدم ارتباطها بزمن محدد، واكتشاف الذات ومدى عمق تأثيرها.




باختصار يعتمد نجاح الرواية الأدبية على مدى ارتقاء العمل على الصعيد الفكري والروحي، والذي يتجاوز مفهوم تسلية القارئ ليصل إلى ترك أثر أو إحداث تغيير ما، مهما كان بسيطا، سواء على صعيد رؤية القارئ لذاته أو لآلية التفكير، مع المعطيات المحيطة به.ومن أهم محاور كتابة الروايات التي خلدها التاريخ، هو الجملة الأولى التي تهيئ أجواء القصة وحركتها، وهي بمثابة بانوراما تسعى إلى جذب اهتمام القارئ والاستئثار بفضوله. وتتناول جملة الافتتاحية أو الفقرة الأولى عادة، مشهدا ما، إن كانت الرواية تتمحور حول أحداث تاريخية، أو ما يرتبط بالشخصية الرئيسية في العمل. وقد حققت مجموعة من الافتتاحيات في أدب الرواية الكلاسيكية، شهرة بحد ذاتها، سواء للدلالات التي تحملها أو لمدخلها الجريء والإبداعي. وفي ما يلي مجموعة من الأمثلة لكتاب كبار خلد التاريخ أعمالهم في الأدب الغربي:




(في مكان ما في لا مانشا، في منطقة لا يعني تذكرها،عاش قبل زمن طويل رجل نبيل، من هؤلاء الذين لديهم رمح ودرع مركونان على الرف، مع فرس هزيل وكلب سباق). هكذا كتب الروائي الاسباني ميغيل دي سيرفانتس في افتتاحية روايته الشهيرة (دون كيخوته)، التي نشر الجزء الأول منها في عام 1605م والجزء الثاني في عام 1615م.(نادني إسماعيل)،هي الجملة الأولى في رواية «موبي ديك»، التي نشرت في العام 1851م، للروائي الأميركي هيرمان ميلفيل (1819 - 1891م)، ومن عوامل شهرة افتتاحيته تواصل الراوي المباشر والبعيد عن التكلف مع القارئ. علماً أن هذا الاسم لا يكرر في الرواية على الإطلاق، وإسماعيل هو البحار الذي يعمل على متن سفينة لصيد الحيتان بقيادة الكابتن أهاب الذي يبحث عن الحوت الأبيض (موبي ديك)، بهدف الانتقام منه بسبب تحطيمه لسفينته، وجزء من ساقه.


إن جملة (إنها حقيقة معروفة في كل الكون، أن الرجل الأعزب الذي بحوزته ثروة جيدة، يبحث من كل بد عن زوجة )، هي ما تمثل افتتاحية رواية (كبرياء وتحامل)، التي نشرت في العام 1813م، للروائية الانجليزية جين أوستن (1775م - 1817م). وتتميز هذه الجملة بانفتاحها على عدة تساؤلات، ومنها: هل كان الناس يفكرون هكذا في ذلك الزمن؟ وهل هي جادة أم تستخدم أسلوب التهكم؟ أم هي تعبير عن وضع اجتماعي معين؟


هذا التصريح يحتمل الكثير من التأويلات، خاصة وأن الرواية كتبت خلال فترة الحرب بين انجلترا وفرنسا، والتي بدأت في العام 1803م واستمرت حتى 1814م، فحصدت عددا كبيرا من الرجال، ما أدى إلى خلل في تركيبة المجتمع، وبذا بات الرجل الأعزب الذي يملك دخلاً، بمثابة فرصة لا بد من اقتناصها.


وتعتبر افتتاحية رواية (آنا كارنينا)، التي نشرت في العام 1873م، للأديب الروسي ليف تولستوي (1828م - 1910م): (كل العائلات السعيدة متشابهة، لكن تعاسة كل عائلة من نوع مختلف)، تعتبر من أشهر افتتاحيات أعمال تولستوي الخالدة، وهي تعطي القارئ لمحة عن محتوى مضمون الرواية بأكملها، حيث يتتبع تولستوي قصص حياة ثلاثة أزواج، بأفراحهم وأتراحهم.


وفي خصوص الروائي البريطاني تشارلز ديكنز (1812 -1870م) هناك افتتاحية روايته (قصة مدينتين)، التي نشرت في العام 1859م: (كانت أفضل الأوقات وأسوأ الأزمان.


كانت عهد الحكمة والحماقة، وذروة الإيمان وقمة التشكك، وموسم الضياء والظلام، وربيع الأمل وشتاء اليأس).


حيث يلخص ديكنز في افتتاحيته ماهية التناقضات التي كانت تعيشها مدينة باريس، قبل وإبان الثورة الفرنسية، وتبدأ أحداث الرواية في العام 1775م.


في القرن العشرين


(لا بد أن أحدهم افترى على جوزيف كي، لأنه في صباح أحد الأيام، ومن دون أي سبب أو مبرر، تم توقيفه)، افتتاحية رواية (المحاكمة) التي نشرت عام 1925، للروائي التشيكي فرانز كافكا (1883 - 1924)، وتعكس أجواء الرواية النظام السائد، حيث الدولة المتسلطة التي لا يعرف الفرد فيها لماذا يحاكم، أو ما هي جنايته وسبب الحكم عليه بالإعدام؟


وفي افتتاحية رواية (مورفي) التي نشرت في العام 1938م، كتب الأديب الأيرلندي السابق لعصره صموئيل بيكيت (1906م -1989م): (أشرقت الشمس التي ليس أمامها من بديل، على لا شيء جديد).


ولاشك أن وصف أحداث رواية «مورفي» يعني وصف محاولات بطلها مورفي لتفادي حدوث أي شيء، ومحاولات الأطراف الأخرى لحدوث شيء له، لتدور بهذا الأحداث بين لندن ودبلن.


وفي أعمال الروائي الفرنسي ألبير كامو (1913م- 1960م)، اشتهرت افتتاحية روايته «الغريب»: (توفيت أمي اليوم، أو ربما بالأمس لا أدري. فقد تسلّمت البرقية التالية من الوطن: توفيت الوالدة. الجنازة غداً. المخلص لكم. هذا لا يعني أي شيء فربما ما حدث كان بالأمس). إن بدايته تهيء لأجواء الاغتراب، مع شخصية رئيسية لغريب، سواء على صعيد مشاعره أو العالم الخارجي.


ومن كامو إلى الكاتب الروائي والمسرحي غونتر غراس (1927م)، الفائز بجائز نوبل للآداب في عام 1999م، وروايته الشهيرة (طبل التنك) التي نشرها في العام 1959 (المسلم به: أني نزيل في مستشفى للأمراض العقلية ، والمشرف عليّ يراقبني، لا يتركني أغيب عن ناظره أبدا، هناك فتحة صغيرة في الباب، وعين المشرف عليّ، التي تميل إلى البني، لا تستطيع أبداً رؤية ما وراء العينين الزرقاوين، مثلي). افتتاحية كامو هذه تثير مباشرة عدة تساؤلات، لم الراوي في مستشفى خاص بالأمراض العقلية؟ ولم تتم مراقبته عن كثب، وحيث يكتسب لون عينيه الأزرق أهمية؟


ماركيز .. واقعية سحرية


(كان على الكولونيل (أوريليانو بوينديا) أن يتذكر بعد طول السنين، وهو يواجه فرقة الرماة بالرصاص، عصر ذلك اليوم البعيد، عندما صحبه أبوه لاكتشاف الثلج... )، هذه الافتتاحية تلخص أسلوب الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز (1927م)، في الواقعية السحرية وقدرته على التشويق، فهو يجمع بين زمنين في جملة واحدة، وسيخبرنا عن عصر اليوم البعيد، بينما هو، ربما في مواجهة تلك الفرقة، التي تفتح العديد من التساؤلات من فكرة الإعدام إلى دوره العسكري، وما الذي أدى إلى وصوله إلى الموقف الحالي.


كما توحي الجملة بأسلوب الأدب الملحمي في عهد الظلمات والنهضة.ولفتت انتباه النقاد افتتاحية الرواية السادسة للكاتبة البريطانية، فيرجينيا وولف (1882م - 1941م)، والتي تحمل عنوان (أورلاندو)، وتحكي فيها عن سيرته الذاتية التاريخية (أورلاندو)،التي تغطي مساحة 400 عام من الزمن،إذ يغير جنسه من رجل إلى امرأة.


وهي تفتتح روايتها بالجملة التالية: (كان بالتأكيد ليس هناك أي مجال للشك بجنسه على الرغم من أن أزياء ذاك الزمن قامت بتمويهه- يقوم بتقطيع الرأس المغربي المتأرجح من العارضة ).


في الرواية العربية


من الصعب تقصي هذا الجانب في أدب الرواية العربية، حيث تبقى الجهود فردية في هذا الإطار، خاصة وأن بداية الرواية في العالم العربي أتت متأخرة، ومن الرواد الأوائل الذين سبقوا الدكتور محمد حسنين هيكل، في روايته زينب، كل من علي باشا مبارك بروايته (علم الدين) في العام 1882م، وعائشة التيمورية بروايتها (نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال) في العام 1888م، وروايات جرجي زيدان التاريخية، منها (المملوك الشارد) في العام 1891م.


ومن بلاد الشام الكاتب خليل أفندي الخوري،في إصداره لأول لرواية في تاريخ الأدب العربي،حملت عنوان (وي .. إذن لست بإفرنجي)، والتي نشرها في العام 1859م.


وعلى الرغم من مضي قرن ونصف على نشر روايته، إلا أنها لا تزال من أهم الأعمال التي تصور إشكالاتنا المعاصرة بشأن الهوية العربية، وتبعا لعمله فإنه يقول: نريد أن نكون عرباً متمدنين لا إفرنجا غير تامين.


ويتجلى من افتتاحية رواية (زينب) الجمع بين المشهدية والشخصية الرئيسية، (في هاته الساعة من النهار، حين تبدأ الموجودات ترجع لصوابها، ويقطع الصمت المطلق الذي يحكم على قرى الفلاحين طول الليل، أذان المؤذن وصوت الديكة ويقظة الحيوانات جميعا من راحتها، وحين تتلاشى الظلمة ويظهر الصباح رويداً رويداً من وراء الحجب، في هاته الساعة، كانت زينب تتمطى في مرقدها، وترسل في الجو الساكن تنهدات القائم من نومه).


وفي ما يلي نماذج لافتتاحيات من روايات لرواد في أدب الرواية العربية من أزمنة وبلدان مختلفة، وفي مقدمتهم الروائي السوري حنا مينه (1924) الذي بدأ روايته (المرفأ البعيد)، التي نشرت في العام 1986م، بالجملة التالية: (أنا لم أمت في تلك العاصفة أيها البحر. ضاجعت الموت، على فراشك، بحاراً قرشاً، من نسله فرس الماء وعروس البحر). ويتجلى في افتتاحيته عنصر البطولة وصراع البقاء.


ويبدأ الروائي السعودي عبدالرحمن منيف (1933 م - 2004م)، روايته (قصة حب مجوسية)، التي نشرت في العام 1974م: (.. لا أطلب منكم الرحمة، ولا أريد عطفكم. إذا كنتم محسنين فامنحوا صدقاتكم للمتسولين.


أنا لست متسولاً ولا مسكيناً، كما لا أعتبر نفسي لصاً أو قاطع طريق. ومع ذلك فإن لي مشكلة. ومشكلتي .. دون كلمات كبيرة، إن الألم يعتصر قلبي ...).


يعتمد منيف في افتتاحيته هذه على عنصر التشويق وإثارة تساؤلات القارئ حول أسباب الألم الذي يعتصر قلبه، القلب المرتبط دائما بمشاعر الحب.


ومع الروائي الأردني غالب هلسا (1932- 1989م) في روايته (السؤال)، التي نشرها في العام 1979 م، نقرأ: (وقفت زكية أمام باب الشقة مبهورة الأنفاس رغم أنها صعدت في المصعد. دقت الجرس دقة خفيفة وانتظرت. كانت دائماً متأخرة أكثر مما يجب أو مبكرة أكثر مما يجب، حسب مزاج الست). يهيء هلسا في افتتاحيته لأجواء القصة والصراع بين الطبقة البرجوازية والمسحوقة من واقع الحياة اليومية.


وفي رواية (باب الشمس) التي نشرت في العام 1998م، للروائي اللبناني إلياس خوري (1948م) نقرأ: (ماتت أم حسن. رأيت الناس في أزقة المخيّم، وسمعت أصوات البكاء. كان الناس يخرجون من بيوتهم، ينحنون كي يلتقطوا دموعهم ويركضون.


ماتت نبيلة زوجة محمود القاسمي التي كانت أمنّا. كنّا ندعوها «يا أمي»، لأن كل الذين ولدوا في مخيم شاتيلا سقطوا من أحشاء أمهاتهم إلى يديها).


يدرك القارئ من المقدمة مشهدية حدث تاريخي، وهوية الشعب المقيم في المخيم، والجو الاجتماعي المترابط بين سكانه، ليمسك بخيوط الصراع الدرامي للرواية.


غالب هلسا في سطور


ولد الروائي الأردني غالب هلسا، في 18 ديسمبر في عام 1932م، وتوفي في اليوم ذاته في عام 1989 م في دمشق، عن عمر لم يتجاوز السابعة والخمسين عاماً. وعاش متنقلا بين الأردن ومصر ولبنان والعراق وأخيرا سورية.


لعب دوراً بارزاً في الأدب وتأثر به أدباء جيل الستينات في القاهرة، ووقف مع المقاومة في لبنان ضد الاجتياح الإسرائيلي في العام 1979، ثم رَحَل مع المقاتلين الفلسطينيين على ظهر إحدى البواخر إلى عدن، ومنها إلى إثيوبيا ثم إلى برلين. وأخيراً حطّ به الرحال في دمشق، التي أقام فيها حتى وفاته.


رشا المالح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق