بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الاثنين، 16 يناير 2012

الخوف عدوٌ أم صديق؟

الخوف صديقٌ أم عدو

هل الخوف صديق الإنسان أم عدوه؟ سؤال يعتمد على تعامل الإنسان مع مشاعر الخوف التي تكتنفه، فإما أن تدفعه لمواجهته وتجاوزه، أو الاستسلام له ليشل حياته ويدفعه إلى حالة العجز والانكفاء على نفسه. ومشاعر الخوف التي يعيشها أو يواجهها الإنسان متنوعة ولا حصر لها.

يمكن إحالة الخوف إلى عوامل خارجية وداخلية، وكل منها تضم قائمة واسعة من الأسباب لا يمكن حصرها، وإن غاب بعضها مع مرور الزمن فإن تطور الحضارات كفيل بخلق دوافعٍ جديدة يفرزها الواقع المعاصر. وعليه فإن مشاعر الخوف تلازم الإنسان طيلة حياته، وبالتالي تكون مواجهتها إما بصورة جماعية أو فردية.

ونظراً لكون مشاعر الخوف جزءاً بارزاً من كينونة الإنسان وصيرورة الحياة، كان من الطبيعي أن تجد تلك المشاعر من أصغرها كالحذر المعتدل والحيطة، إلى تطرفها المتمثل في الفوبيا والبارانويا، طريقها إلى البحوث العلمية والفلسفية وعوالم الأدب والفن.

الخوف الإيجابي
في البداية نتعرف على مشاعر الخوف من خلال وجهها الإيجابي، على الرغم من وصفه الدائم بالسلبية، فعلى أرض الواقع تأتي إلينا مشاعر الخوف لتحمينا وتحذرنا من خطر متوقع. وعليه فإنها تشحذ أحاسيسنا ووعينا بكل شيء يحيط بنا، لنتمكن من مواجهة أي تهديد أو أذى.

وإن كنا في مواجهة حدث أو تغيير مستقبلي، فإن الخوف يطلب منا أن نستعد لهذا التغيير ويقول، (أنتم مقبلون على أمر جديد ومختلف، وعليكم أن تكونوا مستعدين له وللتعامل مع كل ما يمكن أن يحمله من مستجدات).

هذا يعني أن الخوف يشكل أحد الدوافع التي توجهنا، لنقف في مواجهة إما الخوف من الفشل أو الرفض، أو الخسارة مما يدفعنا لاتخاذ كل ما يلزم للتغلب على تلك المشاعر السلبية.

هذه المواجهة تدفعنا إلى طرق أبواب جديدة واكتشاف خيارات وبدائل ومصادر جديدة لم تكن واردة لدينا من قبل، فالخوف من الرفض يدفعنا إلى الخروج عن مسارنا لبذل المزيد من الجهد لتقديم المزيد من القيمة لجوهر معرفتنا بهدف الحفاظ عليها واستمراريتها ونجاحها.

الخوف السلبي
يشل الخوف السلبي مشاعر وحركة الإنسان، ويمنعه من التطور والإقدام على أي تغيير في حياته وبالتالي الوقوع في فخ الكآبة والمرارة والنقمة. ويأتي هنا دور الطب النفسي ليساعد على مواجهة الإنسان لخوفه والتحرر منه، ابتداءً بالمخاوف العادية إلى الصدمات النفسية التي تجعل الفرد يعيش في حالة هلع يصعب الخروج منها بمفرده.

والخوف السلبي يدفع الإنسان لاختيار تحديات بسيطة بأقل المخاطر، إلى جانب اعتماد النفس الداخلية عليه للدفاع عن وجودها وبالتالي تلعب دوراً مخادعاً، لتقنع الفكر بأن ما هو عليه هو القرار الصائب. هذه المعادلة تقلص الاحتمالات والبدائل أمام الإنسان.

وبالتالي تحرمه من الكثير من الفرص. كما أن الخوف من ارتكاب الأخطاء، يجعل فكر الإنسان ضبابياً وغير قادرٍ على اتخاذ القرار، ويحول بينه وبين ما يرغب في معرفته.

الخوف في هذه الحالة يبني جداراً عازلاً بيننا وبين تفاعلنا مع الحياة، ويحول دون طرح الأسئلة التي نحتاج من خلالها إلى بناء روحنا ودعم مشاعرنا، ويقنعنا بالاستسلام لظرفنا بدلاً من نشدان ما نرغب به في حياتنا. وإن كنا نسمع فيما مضى مقولة (اهرب وانج بحياتك أو قاتل)، فإن الرديف الثالث لهذه الحالة هو الشلل والعجز عن الحركة والتصرف.

مفهوم الخوف بين الماضي البعيد والحاضر كبير، فبينما كان الخوف فيما مضى حارس الإنسان الأمين لنجاته من مخاطر الموت في الحياة البرية، فإن الخوف في العصور الحديثة بات معقداً وشائكاً ومتشعباً.

ومثال جيد على ردود الفعل الثلاثة، هو رصد ردة فعل مسافرين في مركب يوشك على الغرق، فنجد أن عدداً كبيراً من الركاب غرقوا بسبب جمودهم في مقاعدهم، بينما أفقد الرعب قلة منهم توازنهم، في حين اختار البعض مسك زمام الأمور ومساعدة الآخرين على النجاة.

الخوف الخارجي والداخلي
ينقسم الخوف الخارجي إلى قسمين، خوف جماعي وخوف فردي. الخوف الجماعي يتمثل في الأوبئة التي تجتاح المجتمع كالطاعون والجدري والشلل إلى أمراض العصر كالسيدا والسرطان والتهاب الكبد الوبائي وغيرها، إضافة إلى تهديدات الطبيعة كالبراكين والزلازل والأعاصير، والحروب، إلى جانب تهديدات البيئة والنتائج التي تواجهها البلدان نتيجة الإساءة إليها في الأزمنة السابقة.

والخوف الفردي يتمثل، بالخوف من شيء ما كالعناكب، أو الصراصير، أو المرتفعات، أوالأماكن المغلقة، أو الظلمة. وتصل درجة الخوف عند البعض حد البارانويا والرهاب، حيث يفقد الإنسان توازنه وتتسارع نبضات قلبه، ويصعب عليه التنفس ليصل في بعض الحالات إلى حالة فقدان الوعي والإغماء أو مفارقة الحياة.

أما الخوف الداخلي فينشأ، نتيجة أسباب عديدة ابتداء من تقليل شأن الذات، إلى عدم الثقة بالنفس أو الآخرين، إلى مواجهة صدمات نفسية عاشها الإنسان شخصياً أو عايشها.

مركزية الخوف
تمكن علماء بريطانيون من تحديد منطقتين للشعور بالخوف في دماغ الإنسان، وذلك من خلال مراقبة تغير ردود فعله على اقتراب الخطر منه أثناء ممارسته لألعاب الكمبيوتر.

ويعتقد الباحثون أن هناك منطقتين رئيسيتين مسؤولتين عن الخوف في المخ تسيطر أكثرهما نشاطاً على رد الفعل في حالة اقتراب الخطر، ولذلك فإن الخلل في التوازن بين المنطقتين قد يفسر بعض أسباب الإصابة باضطرابات القلق.

ولاكتشاف مواطن الخوف الحقيقية في المخ قام العلماء بإخافة مجموعة من المتطوعين عبر لعبة مطاردة إلكترونية وإذا قبض على بطل اللعبة يتم صعق اللاعب بشحنة خفيفة من الكهرباء.

وأظهر مسح المخ الذي يقيس تدفق الدم لدى اللاعب نشاطاً في الأجزاء السفلى من الفص الجبهي للمخ خلف الحاجبين حينما كان بطل اللعبة بعيداً عن مصدر الخطر، والأجزاء السفلى من الفص الجبهي للمخ هي المنطقة المسؤولة عن إصدار القرارات المعقدة مثل التخطيط للهرب أثناء التعرض للخطر.

ولكن حينما اقترب مصدر الخطر من بطل اللعبة، انتقل النشاط إلى منطقة المادة السنجابية المركزية في المخ والمسؤولة عن آليات رد الفعل السريع الخاصة بالبقاء على قيد الحياة مثل القتال والفرار أو تجمد الحركة. ونشرت نتائج الدراسة التي قام بها الدكتور دين موبس وزملاؤه من مركز (ويلكم تراست) للتصوير العصبي في جامعة لندن.

وقال موبس إن (الأمر مثل الأرجوحة فكلتا المنطقتين تلعب دوراً، ولكن واحدة منهما تصبح أكثر سيطرة من الأخرى في مراحل مختلفة من الشعور بالخطر). ويبدو أن الأجزاء السفلى من الفص الجبهي للمخ هي المسؤولة عن الأنظمة الأكثر بدائية في المخ، وأي خلل في هذا النظام قد يفسر ما الذي يدفع المصابين بنوبات الهلع لاتخاذ ردود أفعال مبالغ فيها تجاه مواقف لا تمثل خطراً مباشراً.

الخوف في الأدب
تناول الأدب موضوع الخوف في العديد من الأعمال الكلاسيكية والمعاصرة، إما بهدف الكشف عن تأثيراته وأسباب هيمنته على الإنسان أو المجتمع، أو بهدف عنصر التشويق والإثارة كما هو في أدب الرعب.

ومن أبرز الأعمال الأدبية التي تناولت الخوف كمحور بارز، قصة (موت موظف) للأديب الروسي أنطوان تشيخوف (‬1860 ــ ‬1940)، حيث انقلبت حياة بطل القصة الموظف البسيط ايفان ديمتريفيتش تشرفياكوف، إلى كابوس نتيجة وصول رذاذ عطسته إلى صلعة الجنرال الذي كان جالساً أمامه في المسرح.

هيمنت على ديمتريفيتش هواجس الخوف من نقمة الجنرال العجوز عليه، على الرغم من اللامبالاة التي أظهرها الأخير، وظلت مشاعر الخوف تتعملق في داخله حتى قضت عليه في النهاية.كما يعتبر الأديب الأميركي إدغار الآن بو (‬1809 - ‬1849) أول من وضع قواعد أدب الرعب لمن خلفه، من خلال سبعين قصة قصيرة كتبها.

ويرى بو أن الرعب أقصى مشاعر الخوف، يطهر الإنسان ويجعله أفضل، وتدور قصص الرعب عنده في عوالم سوداوية كئيبة قريبة من أجواء الكوابيس، ومفردات تشمل الدفن حياً وموت الأحباب والجنون والاضطراب والفصام والتي ترتبط دوما بالمآسي.

ومثال على ذلك قصة «سقوط بيت آشلر» حيث تحفل القصة من بدايتها وحتى نهايتها بكل المؤثرات، فيصف الراوي الجو الغامض المحيط بقصر أسرة «آشر» من الخارج والداخل، إلى جانب حواراته عن صديقه «آشر» واضطرابه العقلي، ومرض اخته الذي انتهى بدفنها .

وهي لاتزال حية، ثم انهيار البيت نفسه، والذي يرمز في النهاية إلى أسرة «آشر» نفسها. وقد حول المخرج «روجر كورمان» هذه الرواية إلى فيلم باسم «سقوط بيت آشر» عام ‬1960، تلاه بفيلم «الغراب» عام ‬1963.يبرز على صعيد القصة الطويلة والرواية، الكاتب السلافي فرانز كافكا (‬1883 ــ ‬1924) الذي برع في تصوير حالات الرعب الفردية،.

وتأثيرات مخاوف الإنسان التي تفرض عليه الوحدة والعزلة، ومثال على ذلك قصته الشهيرة (التحول)، حيث يصدم كافكا القارئ من الجملة الأولى، (استيقظ غريغور سامسا ذات صباح بعد أحلام مزعجة، فوجد نفسه قد تحول في فراشِه إلى حشرة هائلة الحجم).

ويُجري (كافكا) هذا الحدث غير الواقعي وغير محتمل الوقوع، في أجواء واقعية تماماً، موهماً القارئ بصدق هذا الكابوس حيث تمنى (غريغور) أن يكون ما يعيشه مجرد حلم مزعج مع وعيه باستحالة أمنيته.

ويصل المفكر والكاتب الفرنسي جان بول سارتر في روايته (الجدار) إلى أوج إبداعه في الكشف عن أعماق المشاعر الإنسانية، ووصف الحالات النفسية في أوج توترها وقلقها والعواطف الحادة التي تعصف بها من انعكاسات هواجس الحرب.كما ساعدت العديد من الأعمال الأدبية على كسر الشعوب لحاجز الخوف في داخلها.

والتمرد على واقعها، كرواية (كوخ العم توم) للكاتبة الأميركية هارييت بيتشر ستو (‬1811 - ‬1896) التي سلطت الضوء فيها على واقع حياة الأفارقة في أميركا والظلم الذي يعانون منه في ظل العبودية، وقد ساهمت هذه الرواية التي صدرت عام ‬1852 في اندلاع الحرب الأهلية بين شمال وجنوب الولايات المتحدة.

سينما الخوف
تمحورت السينما الغربية في معظم الأعمال التي قدمتها على عنصر الإثارة والرعب، بعيداً عن معالجة مفهوم الخوف بمختلف حالته إلا في حالات الفوبيا والبارانويا. وفي عام ‬2010 دعا مهرجان (ويركليتز) في برلين، إلى تقديم منعطف جديد في السينما تحت عنوان (للخوف عينين كبيرتين ).

حيث تجاوز المهرجان المعادلة المستهلكة للبطل الذي لا يصيبه أي أذى من الحروب والمخاطر والأهوال، إلى تقديم الخوف في أوجه جديدة مثل الجانب النفسي والجينات المتوارثة والخوف الاجتماعي المرتبط بالإعلام والحرب والخوف الفردي.

وقدمت السينما والتلفزيون المصري العديد من الأفلام والمسلسلات التي تناولت موضوع الخوف على مختلف الأصعدة. ففي السينما قدم فيلم (الخوف) عام ‬1972 حيث ترحل سعاد عن السويس إلى القاهرة بعدما فقدت أسرتها في حرب ‬67، لتتعرف بالصحافي أحمد، ومعه تعيش مأساة الخراب والدمار وموت أمها بين يديها، والفيلم من إخراج سعيد مرزوق.

وعن الخوف الاجتماعي قدم المخرج حسين كمال فيلم (شيء من الخوف) عام ‬1969 بالأبيض والأسود، حيث يصبح عتريس (محمود مرسي) الحفيد صورة من جده في القسوة والبطش والجبروت والإجرام ويتحكم في حياة قرية الدهاشنة بالإرهاب الذي يفرضه على أهلها.

يخطب عتريس فؤاده (شاديه) التي يحبها منذ الصغر ويطلب زواجها من والدها، لكن فؤاده ترفض، في حين يعلن والدها الذي يخشى غضب عتريس، عن موافقتها عليه. يتم الزواج مع رفض فؤاده الدائم له، وتعلمه بأن زواجهما باطل شرعًا لأنها لم توافق على الزواج.

في هذه الأثناء يحرض الشيخ إبراهيم الأهالي على عتريس وعصابته معلناً أن زواجه من فؤاده باطل، وتتحدى فؤاده أوامر عتريس وتسمح للمياه أن تروي أرض الفلاحين بعد أن منعها عتريس عنهم. وهكذا يتحدى الأهالي خوفهم من عتريس وعصابته ويحرقون قصره وهو بداخله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق