بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الاثنين، 23 يناير 2012

موسيقيون عباقرة يستلهمون مــن الأدب روائع مقطوعاتهم



نجح العديد من رواد الموسيقى في نقل روح الأدب إلى موسيقاهم خاصة في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ليقدموا روائع الألحان والمعزوفات التي باتت من الأعمال الكلاسيكية المعروفة في مختلف بلدان العالم دون استثناء، وتأتي في مقدمتهم كل من (شهرزاد) و(روميو وجولييت) و(دكتور زيفاغو).

يعيد الموسيقار بموهبته وإحساسه المرهف ومخيلته الواسعة، كتابة الرواية بلغته الموسيقية. ليحمل المستمع وقارئ العمل برؤيا مشاعره، إلى عوالم أبعد وأسمى وأشف من التي نقلها إليه الكتاب، لتكون فرقة الأوركسترا مرآة لشخصيات العمل، ولُِتترجم حبكة الرواية وأحداثها إلى إيقاعات وأنغام تتصاعد وتتسارع وتهداً وتستكين تبعاً للحدث.

من حكايات ألف ليلة وليلة، استلهم الموسيقار الروسي نيكولاى أندرييف رمسكي كورساكوف (1844 -1908)، معزوفته الشهيرة (شهرزاد).

ومن مسرحية (روميو وجولييت) لشكسبير، استوحى الموسيقار الروسي بيتر إليتش تشايكوفسكي معزوفته الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه. ومن رواية (دكتور زيفاغو) للشاعر والكاتب بوريس ليونيدوفيتش باسترناك (1890 1960)، حقق الموسيقار الفرنسي موريس جار (1924 2009)، نجاحاً كتب له شهرة عالمية.

شهرزاد

استلهم كورساكوف مسار سيمفونيته التي ألفها عام 1887 من شخصية (شهرزاد) الرئيسية، التي تميزت بدهائها إلى جانب سحرها وجمالها، حيث تمكنت من إنقاذ حياتها وحياة الآلاف من النساء، عبر الحكايات المشوقة التي كانت تقصها على السلطان شهريار ليلة بعد أخرى حتى برد حزنه وغضبه وألغى أوامره بقتلها. وكانت قصصها تتناقل شفوياً عبر مئات السنين ليتم تدوينها في القرن الثامن عشر.

وكان سحر الشرق في القرن التاسع عشر مركز افتتان الملحنين، لما يكتنفه من غموض وأجواء وعوالم روحية. فمن تلك العوالم، همست أوتار موسيقاه أسراراً، وتأججت ألحانه ناراً، وأمواج محيطاته فيروزاً، ونشرت أنغامه عطور حدائق وبساتين فواحة، لتضج الحياة بألقها وروعتها.

وتضم هذه المعزوفة أربع حركات، تحمل كل منها عنواناً خاصاً بها، مع الأخذ في الاعتبار أن بناء المعزوفة يحمل محورين موسيقيين، الأول خاص بالسلطان ويتمثل بالنغمة أو اللحن البطيء المفخم ذي الإيقاعات القوية التي تبث الفزع في النفس، ويحمل المحول الثاني الخاص بشهرزاد، لحناً انسياباً متناغماً وعذباً.

يُذكر أن كورساكوف عاش عامي 1887 و1888 مرحلة غريبة من حياته، فقد لحن خلال هذين العامين ثلاث مقطوعات شهيرة هي، (شهرزاد، وكابريشيو إسبانيول، وافتتاحية مهرجان الفصح الروسي)، ليتوقف بعدها عن التأليف للأوركسترا، وليركز على الأوبرا تحديداً.

البحر وسفينة سندباد

يستهل كورساكوف افتتاحية معزوفته من أجواء السلطان لتنساب باتجاه عوالم شهرزاد. وتصف هذه الحركة سندباد المغامر البحار ومكتشف المحيطات، ووصوله إلى الجزيرة التي يتضح أنها ظهر حوت. والتقط في هذا المقطع تبدل المشاعر وتغيرها وتلون أحوال البحار، مع ترداد المقطع عدة مرات ولكن بصورة متجددة في كل مرة.

قصة الأمير قندهار

ينقل في هذه الحركة أجواء مشحونة بالعاطفة والإغواء والإثارة، عبر العزف الفردي بين آلة وأخرى في الأوركسترا. ويصور فيها قصة الأمير الذي يتنكر كرجل قبيلة من الدراويش، لتتصاعد الموسيقى بقوة الدوامة ولتنتهي بصورة مفاجئة درامية.

الأمير والأميرة

تدور الحركة الثالثة حول قصة حب، مليئة بالحب والمشاعر الحانية والدافئة وأصداء الحنين، ليقاطعها كورساكوف بين الحين والآخر بلحن منضبط صارم، قبل وصولها إلى قمة النهاية التي تجمع بين العذوبة والرقة والسكينة.

احتفال في بغداد

تجمع الحركة الأخيرة بين تأجج النار وهيجان الإعصار، وتترجم أجواء المهرجان الاحتفالية، قبل هيمنة غضبة العاصفة السوداء. وتضم الحركة الرابعة مجموعة من أجزاء القصص السابقة المتداخلة، حيث يتذكر السلطان كل شيء قالته له شهرزاد، ليبدأ باحترامها وتقديرها. وفي نهاية الحركة يتلاقى المحوران ويندمج اللحن المنخفض العميق مع النغمة الطافية المتصاعدة.

روميو وجولييت

تعتبر سيمفونية (روميو وجولييت) لتشايكوفسكي من روائع ما ألفه وبمثابة قصيدة شعرية، إلى جانب مقطوعتيه (العاصفة) و(هاملت) اللتين استلهمهما من أعمال شكسبير أيضاً. وما تتميز به هذه المقطوعة عن غيرها من مؤلفاته أنها لها شكل السوناتا ولا تنقسم إلى أربع حركات، مع مقدمة وتمهيد. وتعتمد على فصول المسرحية الثلاث.

يتناول في الفصل الأول شخصية فراير لورنس السامية من خلال أجواء روسية تحمل في طياتها الحب المحرم الذي عبر عنه بالوتريات المنخفضة، حيث كان اللحن ينساب قدماً وعودةً بين الأوتار والريح التي تنفخ في الأبواق لتزداد قوتها، ومنها إلى مبارزة السيوف. أما الإيقاعات المستوحاة من موسيقى الشارع فتشير إلى شخصية إيغور سترافينسكي وما بعده.

ينتقل تشايكوفسكي في هذا الفصل بصورة مفاجئة إلى إيقاع بطيء، حيث نسمع لحن أوتار الحب الحافلة بالعاطفة والتوق المحمل بالقلق الذي يحمله كل من جولييت وروميو، ابتداءً من لقائهما الأول تحت شرفة جولييت التي تعتبر محور أحداث الحب.

ينتقل بعدها إلى الصراع، بلحن مشحون بكثافة الانفعالات المتصاعدة، حيث تتحول موسيقى الأوتار إلى ما يشبه وقع السياط بمرافقة الناي الذي ينقل حالة ألم ومعاناة الحبيبين، ومنها إلى تصعيد يشير إلى انتحار الحبيبين، ليختم معزوفته بلحن هادئ بطيء الإيقاع، ولتأخذ أبواق النفخ دورها في عزف ذكرى ذاك الحب.أما قصة كتابة تشايكوفسكي الى اللحن، فتعود إلى المرحلة التي كان فيها مدرساً في المعهد الموسيقي في موسكو، وكان حينها شديد النقد لأعماله التي كان يدمرها بعد انتهائه من تلحينها.

حيث وصل إلى قناعة أنه استنزف قدراته الإبداعية. عندها أصر عليه مرشده الموسيقار بالاكيري أن يؤلف مقطوعة عن مسرحية (روميو وجولييت)، وكتب له مجموعة من المقترحات لبنية المقطوعة، مع إشارته إلى نوعية الموسيقى المطلوبة في كل فصل ومفاتيح العلامات المقترح استخدامها. وقدم له مثالاً معزوفته التي استلهمها من مسرحية (الملك لير).

النسخة الأولى

كتب تشايكوفسكي في النسخة الأولى الافتتاحية والمواجهة بين محوري العمل، بالصورة الأكاديمية لأي ملحن طلب منه هذا اللحن. وكان رد بالاكيري بعدما سمع المقطوعة، (عزفت المقطوعة عدة مرات، وأرغب في تهنئتك) وركز على الفصل الخاص بترجمة مشاعر الحب.

عمل تشايكوفسكي على تنقيح لحنه بصورة مستمرة وكانت رسائل البريد في حركة دائمة بين الطرفين. في النهاية أهدى المؤلف اللحن لمرشده عرفاناً بجميله.

وقدمت المقطوعة لأول مرة في 16 مارس عام 1870، وكان التجاوب معها كبيراً. وكتب المؤلف في ذاك اليوم، (تبع الحفل مأدبة عشاء. ولم يتفوه أي من الجالسين بكلمة عن الافتتاح طيلة الأمسية، ومع ذلك كنت في توق شديد لسماع كلمات تعرب عن التقدير والإعجاب).

النسخة الثانية

دفع فشل المقطوعة تشايكوفسكي إلى إعادة النظر في عمله والأخذ بجميع ملاحظات مرشده، وإلى تجاوز نفسه والانتقال إلى ما بعد قدراته الأكاديمية، وأعاد كتابة الكثير من المقاطع التي نسمعها اليوم مع عدم الاقتراب من المقطع الخاص بالحب، الذي سبقه بموسيقى تمثل حالة من التوتر.

وعادت الثقة بالنفس إلى المؤلف حينما أبدى عازف البيانو نيكولاي روبنشتاين إعجابه باللحن وطلب نشره في دار (بوت وبوك) ببرلين، لكن بالاكيري بعث له برسالة قال له فيها (من المؤسف أنك وروبنشتاين تتعجلان في نشر المقطوعة. فعلى الرغم من أن النسخة المعدلة أفضل، فهناك حاجة إلى المزيد من التغييرات.

وآمل لأجل المستقبل أن تبقى المقطوعة بين يديك لوقت أطول). وتم عزف المقطوعة المعدلة في سانت بطرسبرغ في 17 فبراير عام 1872.

النسخة الثالثة

أعاد تشايكوفسكي كتابة المقطوعة بعد مضي عشر سنوات، وحملت مقطوعته عنواناً فرعياً (افتتاحية فانتازيا)، وانتهى منها في 10 سبتمبر عام 1880، ولم يقدم حفلها الأول إلا في 1 مايو عام 1886 في جورجيا.

د. زيفاغو

رغب مخرج الفيلم ديفيد لين في بداية الأمر، أن يستخدم أغنية روسية تتناسب مع شخصية بطلة الفيلم والرواية (لارا)، لكنه عندما لم يعثر على غايته طلب من موريس جار خلال عمله على موسيقى (دكتور زيفاغو)، أن يرسم بموسيقاه تصوراً لشخصية لارا.

وبعد العديد من المحاولات الفاشلة التي استغرقت ما يقارب من خمسة أسابيع، طلب لين من جار أن يذهب إلى الطبيعة، حيث الجبال ليكتب مقطوعته، وفي فندق جبلي وضع اللحن خلال دقائق معدودة.

أحب لين المقطوعة لدرجة أنه استخدمها في عدة مقاطع من الفيلم عند منتجته. وحققت الموسيقى نجاحاً منقطع النظير، وباتت إحدى أهم المقطوعات الموسيقية في الستينات وحتى يومنا هذا، إلى جانب فوزه بجائزة أوسكار عام 1965، وليطلب منه تحويلها إلى أغنية حملت عنوان (في مكان ما حبيبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق