بيت الأشباح

بيت الأشباح
أدب الرعب

الجمعة، 28 فبراير 2014

اليوم الرابع: مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما

جولانتا تذهل الجمهور ببراعتها وأريج تحمل عبء النص

مونودراما في «نساء مدانات» وسرد في «عشيات حلم»

بات الجمهور وضيوف الدورة السادسة من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، على موعد مع احتفاليتهم الخاصة في المقهى الشعبي الكائن خلف مسرح جمعية دبا، ليتواصل الجميع بمودة قبل بدء العرضين المسرحيين في اليوم الخامس من المهرجان. لتدور نقاشات هنا وهناك بين الفنانين والحاضرين من الكبار والشباب والأطفال على حد سواء.
استقبلت أريج الجبور ممثلة دور الغجرية في العرض الأردني الأول "عشيات حلم ـ نقوش حورانية" للمؤلف مفلح العدوان والمخرج فراس المصري، الجمهور لدى دخوله القاعة بالبخور والتراتيل الشعرية لتتوجه إلى خشبة المسرح بعد امتلاء الصالة.

حجر الرحى
بدأت الحكاية بتدوير الغجرية لحجر الرحى وجرش الزمن على أصداء أغنية تحكي وجعها في الانتظار، لتسرد عبر نص بلغة شعرية ألم انتظارها الروحي للشاعر الأردني الراحل "عرار" (1899 ـ 1949)، ليتعرف الجمهور من خلال روايتها السردية على حال الأرض التي أصابها القحط بعد غيابه في السجون لأشعاره السابقة لعصره التي نادت بالعدالة الإنسانية والحرية، وهي التي تناجي عودته مثل غيرها لـ"يمسح البؤس عن بلور أرواحنا" وتبكي شبابها في الزمن الضائع بفرحة أشعاره وغيابه عبر "برزخ بين الفرحة والشقة".
وتتابع سرد حكايتها الشعرية وهي ترمي وتمزق قصائده حيناً، وحيناً آخر تغربل بغربالها غبار الزمن، لتجول في خشبة المسرح ضمن حلقة مفرغة.
ورغم براعة الممثلة في فن إلقاء نص شعري طويل يحمل جماليات اللغة الفصحى، محور المونودراما التي تعتمد على تقديم لغة بصرية في الأداء والإخراج تُجسد عبر الفعل والتخيل حكايتها، لم يتمكن العرض بإيقاعه الزمني الواحد من الاستئثار بالجمهور باستثناء ذواقة الشعر.



نساء مدانات
من جهة أخرى جسد العرض الأسترالي الثاني "نساء مدانات ـ منفى مدى الحياة" للمؤلفة والممثلة جولانتا جوزكيويتش بالتعاون مع المخرج أناتولي فروزين على خشبة مسرح بيت المونودراما، محور ومقومات هذا الفن الذي يعتمد على أداء الممثل ولغته البصرية في زمن متخيل.
تجسد جولانتا بلغة الجسد حكايات من ذاكرة 25 ألف امرأة أدينت في بريطانيا بتهمة السرقة والدعارة وغيرها، لنستمع إلى أصوات تلك النساء اللواتي حطمهن الجوع والحاجة لإطعام أولادهن وإيوائهن من البرد. وتأخذنا الممثلة عبر حكايات تلك الشخصيات في رحلة بين عام 1788 و1850، والعذابات التي عشنها بالافتراق عن أطفالهن بعد إصدار أحكام نفيهن إلى المستعمرات الاسترالية لبدء حياة جديدة.

رحلة المنفى
من خلال تأرجح الممثلة يركب الجمهور معها السفينة في رحلة شاقة مع الجوع والبرد، ليحط الرحال في البلد الجديد ليتابع مع الشخصيات التي قدمتها مصيرهن وشبح الموت بلغة تعبيرية وجسدية أذهلت الجمهور، الذي تابع كل حركة وسكنة من مشاهد عايشها بجوارحه خلال بيع تلك النساء ليعشن في واقع أكثر مرارة وبؤساً من حياتهن السابقة.
وبانتهاء العرض وقف الجمهور وصفق طويلاً وبحماس لتلك الممثلة والمخرج اللذيّن قدما لهم رحلة أمتعت الروح وأغنت الفكر.

أزمنة وشخصيات
تميزت جولانتا ببراعة أدواتها كممثلة لتقوم من خلال الجسد بتصوير عدة أزمنة استغرق مدة الرحلة البالغة ستة أشهر، عبر حالات إنسانية لشخصيات متعددة مستعينة بإكسسوارات بسيطة كالحبل والقبعة وقطعة من القماش وكرسي صغير لتستخدم كل منها كرمز في المشاهد، كما أذهل الجمهور براعتها الفائقة في التعبير الجسدي، بين مشهد قدمته وهي مستلقية على خشبة المسرح كالمحتضرة لتلقي كلماتها وهي ترفع جذعها قبالة الجمهور بنصف زاوية قائمة لتتابع سردها، والمشهد الذي تعكس فيه عذاباً مختلفاً بالسجود لتحرك عضلات كتفيها على إيقاع الموسيقى.
كما تابع الجمهور تعابير ملامح وجهها مع كل سكنة ونأمة على الرغم من حاجز اللغة.

ندوات تطبيقية

أدار الندوة التطبيقية الأولى الخاصة بعرض "عشيات حلم" الباحث المسرحي الدكتور عبدالحليم المسعودي بحضور مخرج العمل فراس المصري والمؤلف مفلح عدوان. وتمحور النقاش حول أهمية تراكم الخبرة المسرحية لدى الراغبين قبل دخولهم في تجربة المونودراما، التي تعتمد على الفعل الدرامي البصري الذي يستفز مخيلة الجمهور بعيداً عن مفهوم الحكواتي في السرد.
ولا يمكن تبرير الاحتفال بمكانة وقيمة فكر وإبداع الشاعر عرار على حساب الفعل الدرامي وتحميل الممثلة نصا خطابيا طيلة العرض، والذي كان أداءً أفقياً كرشق المطر ليغيب معه التلوين في تونات بالصوت.
وحرص المشاركون في الندوة التطبيقية الثانية "نساء مدانات ـ منفى مدى الحياة" التي أدارتها الممثلة المغربية لطيفة أحرار بحضور المخرج أناتولي فروزين والممثلة جولانتا جوزكيويتش، على التعبير عن إعجابهم بجماليات وقيمة العرض والحلول الدرامية، وبراعة الممثلة في التعبير بالملامح والجسد والصوت.
وأجمع الحضور على تكامل العرض المسرحي بين الاختزال الصعب وسهولة التفاعل مع الحكاية التي فتحت آفاق المخيلة بين البحر واليابسة والسجن والشاطئ والحيز الضيق للسجينات في عالم رحب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق